رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السنبلاوين تتحرش بكوريا الشمالية!


على الورق، قام موظفو وزارة الصحة، حماهم الله، بواجبهم على أكمل وجه، بدءًا من الأستاذ السفير مستشار الوزيرة للعلاقات الصحية الخارجية، نزولًا إلى الدكتورة مديرة إدارة العلاج الحر، التى قامت بالتنبيه المشدد على الدكتور مدير الإدارة الصحية بالسنبلاوين، ليقوم بإبلاغ جميع المنشآت الطبية الخاصة بعدم تشغيل أى عمالة من كوريا الشمالية!.
مركز السنبلاوين يضم ٦٨ قرية ونحو ٣٠٠ من القرى التابعة. ويقع فى جنوب شرق محافظة الدقهلية. أما القرار أو التنبيه، المكتوب أعلى يساره «فورى وهام للغاية»، فتم إرساله فى ٢٩ ديسمبر الماضى، تنفيذًا لعقوبات «مجلس الأمن». وتسلمت صورة منه الدكتورة أسماء أحمد إبراهيم، رئيس قسم العلاج الحر بالإدارة الصحية بالسنبلاوين، فى ٥ يناير الجارى، وكتبت قبل توقيعها بالاستلام: «عُلم ويُعمم على جميع المنشآت الطبية الخاصة».
يفرض مجلس الأمن عقوبات قاسية على كوريا الشمالية، بسبب تجاربها النووية والصاروخية، غير أن البلد الآسيوى المعزول، لم يلتفت إلى تلك العقوبات، حتى بعد مضاعفتها أو تشديدها، وواصل تجاربه بوتيرة متصاعدة، وكثيرًا ما انتقد المجلس ووصفه بأنه أداة فى يد الولايات المتحدة. وبعد تقارب، غير مسبوق، بين واشنطن وبيونج يانج سنة ٢٠١٨، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود إثر فشل قمة هانوى، بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون. وإلى الآن، لم ينجح البلدان فى التوافق حول تفكيك البرنامج النووى الكورى الشمالى، مقابل رفع تلك العقوبات.
الأسابيع الأخيرة شهدت سلسلة من التصريحات التصعيدية، وهدّدت كوريا الشمالية بأن واشنطن قد تتلقى «هدية» بمناسبة عيد الميلاد، لو لم تقدم تنازلات حتى نهاية ٢٠١٩. ومنذ أيام، أعلن الزعيم الكورى الشمالى أن بلاده أنهت الوقف الاختيارى لتجاربها النووية والباليستية العابرة للقارات. وقال أمام اللجنة المركزية لحزبه الحاكم، حزب العمال، إن العالم سيشهد «سلاحًا استراتيجيًا جديدًا فى المستقبل القريب». كما اتهم الولايات المتحدة بأنها تقدم مطالب «تشبه مطالب رجال العصابات»، وبأنها تواصل اتباع «سياسة عدائية» مثل إرسالها معدات عسكرية عالية التقنية إلى الجنوب وتصعيد العقوبات، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع كوريا الجنوبية، كان الرئيس الأمريكى قد وعد شخصيًا بوقفها.
خطاب السنبلاوين يعيدنا إلى سنة ٢٠١٧ التى كانت مصر خلالها عضوًا فى مجلس الأمن، وشهدت قيام المجلس بفرض ثلاث سلاسل من العقوبات الاقتصادية القاسية على بيونج يانج: الأولى فى أغسطس إثر إطلاق صواريخ عابرة للقارات، والثانية فى سبتمبر بعد تجربة نووية، وقبل أيام من انتهاء تلك السنة، طرحت الولايات المتحدة مشروع قرار بعقوبات جديدة، ردًا على قيام إطلاق كوريا الشمالية، فى نوفمبر، بإطلاق صاروخ باليستى عابر للقارات.
بالإجماع، وافق المجلس على المشروع، لتكون تلك هى الحزمة الثالثة من العقوبات فى تلك السنة. وتم بموجبها توسيع قائمة الصادرات المحظورة إلى كوريا الشمالية و... و... وتبنى المجلس بندًا فى مشروع القرار الأمريكى ينص على إعادة الكوريين الشماليين العاملين فى الخارج، بزعم أنهم يرسلون العملات الصعبة إلى بيونج يانج، ويشكلون أحد أهم مصادر دخلها!.
الصيغة الأولى لمشروع القرار، أمهلت كل دول العالم ١٢ شهرًا، لترحيل جميع الكوريين الشماليين العاملين بها إلى بلادهم، تم تمديد المهلة فى الصيغة النهائية للقرار إلى ٢٤ شهرًا، انتهت فى ٣١ ديسمبر الماضى. وعليه، وقبل نهاية المهلة بيومين، قام الأستاذ السفير مستشار وزير الصحة للعلاقات الصحية الخارجية، بتوجيه خطابه، تنبيهه المشدد، الفورى والـ«هام للغاية»، إلى كل الإدارات التابعة لوزارة الصحة، والذى لم تتسرب منه غير النسخة التى وصلت إلى السنبلاوين، فكان تأثير الصدمة، أو النكتة، مضاعفًا!.
غالبًا، أو على الأرجح، قامت كل الوزارات بإرسال خطابات شبيهة إلى إداراتها وهيئاتها، كإجراء احترازى، أو على سبيل الاحتياط. والاحتياط واجب، لا يستحق الشكر، لكنه قد يستحق اللوم أو التقطيم، لو كانت هناك بدائل أسهل وأوفر، يمكن من خلالها معرفة ما إذا كانت المنشآت الصحية أو غيرها، فى الدقهلية أو فى كل المحافظات، تضم عمالة كورية شمالية أو جنوبية، أو حتى إسرائيلية، دون إضاعة الوقت والجهد فى كتابة وإرسال وتسليم وتسلم مثل تلك الخطابات.
أخيرًا، وتخفيفًا للعواقب، نقترح أن يتم إبلاغ الأستاذ كيم جونج أون، قبل أن يغضب أو «ياخد على خاطره»، بأن الخطاب الذى تلقته السنبلاوين، هو الوحيد الصادر بهذا الشأن. ولا مانع من إضافة كذبة أخرى، أقل بياضًا، نزعم فيها أن الخطاب لم يكن موجهًا إلى ذلك المركز، الذى يعيش فى قراه وتوابعها نحو نصف المليون نسمة، بل إلى قرية «السنبلاوين»، التابعة لمركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا، والتى لا يزيد تعدادها على ٢٥٠٠ نسمة!.