رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات مصرية.. تأمين الشوارع


في منتصف عام 1995 وأثناء مروري بجوار مول طلعت حرب التجارى، شاهدت أميني شرطة وهما يحاولان طرد متسول مسن افترش الرصيف، ولأنهما كانا ينهرانه بعنف، فقد تدخل ضابط شرطة تصادف مروره بجواري وشاهد الواقعة كما شهدتها وقال لأميني الشرطة: إن هذه التصرفات هي التي تسيء لجهاز الشرطة وطلب منهما التعامل برفق معه وانصرف.

انتهى الموقف الذى نقلته حرفيا في باب "هات ودنك" الذى اشتهر بشدة في جريدة الأسبوع في ذلك الوقت، باعتباره باب الأسرار وخفايا المجتمع، والذى كان ينشر الأخبار بعدد قليل من الكلمات وبدون عنوان، ظننت أن دوري في نقل الواقعة لقارىء الجريدة قد انتهى، غير أن ما حدث عقب نشر الخبر أنني فوجئت باتصال من أحد ضباط مكتب وزير الداخلية يطلب منى تفاصيل الخبر، واسم الضابط الذى نهر أميني الشرطة والإدارة الشرطية التي ينتمي إليها الأمينان

وأكد المتصل أن هناك تأشيرة من السيد الوزير بالتحقيق في الواقعة وأن تكريما ينتظر الضابط بطل الواقعة، وكان ردى الطبيعي أن معلوماتي عن الواقعة لا تزيد عما نشرته في الخبر الصغير، وأننى لم أتوقع أي رد فعل لنشره غير إخبار القارئ بواقعة حدثت أمام عيني. الضابط المتصل من مكتب وزير الداخلية وبكل أدب طلب إن كان لدي أى معلومات أخرى أن أخبره بها ولو توصلت لاسم الضابط اتصل به وأبلغه وانتهى الاتصال.

وخلال ساعات معدودة كنت قد تلقيت مايقرب من عشر مكالمات تليفونية من إدارات شرطية مختلفة جميعها تطلب تفاصيل الواقعة، وبعد حوارات مع المتصلين فهمت أن إدارات عديدة معنية بالواقعة وأن التحقيق الذي طلبه الوزير قد يطولها جميعا، فمن المعتاد أن يؤمن المناطق المزدحمة بالمواطنين خاصة الشباب عدد من الإدارات منهم المباحث والآداب والتسول وغيرها من إدارة تأمين تابعة لقسم الشرطة وأخرى من النجدة وهكذا بما يعنى أن شوارعنا لا تترك هكذا بدون تأمين وأن ما نردده أن مصر بلد الأمن والأمان لم يأتِ من فراغ، ويبدو أن احترافية الشرطة تتجسد في أن تكون متواجدة لتأميننا دون أن نشعر بها إلا في حالة الضرورة لذلك.

أروي هذه الواقعة بمناسبة واقعة التحرش بفتاتي المنصورة، وقد يبدو فيها غياب الشرطة وهو ما لا أعتقده، غير أن حالة الهياج التى أصابت الأعداد الغفيرة، قد تكون سببًا في تأخر تدخل رجال الشرطة، أو أن من تدخلوا لإنقاذ الفتاتين هم من بعض تلك الجهات التى تؤمن الشارع بشكل سرى، لكن الأهم أن تفاصيل الواقعة والمجرمين المتورطين فيها والمقصرين أيضا سوف تعلن وأن الواقعة برمتها لن تمر، وهذا ما ننتظره فى أسرع وأقرب ممكن.