رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نائب فى الأرياف».. الحكيم وريم وعصفور

جريدة الدستور

فتش عن النسوان.. تعرف سبب الأحزان.. ورمش عين الحبيبة يفرش على فدان.. هكذا أنشد الشيخ عصفور.. ذاك الرجل الذى فقد عقله.. بعد أن غرقت حبيبته أمامه فى الرياح.. وصار بلا أنيس ولا ونيس إلا من عصاه ومسابحه وتمتماته.

كان الموقف لا يحتمل غناء.. فالحادث جنائى.. ووكيل النيابة يسأل المجنى عليه.. فلا يقدر على الجواب.. وكل ما يخشاه أن تقيد القضية ضد مجهول كسابقاتها.. فنظر وكيل النيابة بغيظ إلى عصفور المجذوب لكى يخرسه.. لكن المأمور كان له رأى آخر.ذهب المجنى عليه إلى المستشفى، بينما وكيل النيابة والمأمور وأفراده توجهوا مع العمدة إلى بيته،

كذلك فعل الشيخ عصفور.. الذى لم يكن يعلم وكيل النيابة سر لجوء المأمور إليه.. مال التحقيقات الجنائية وهذا المجذوب. كرر عصفور أنشودته.. فقرر المأمور أن يقبض على كل من له علاقة بنون النسوة فى دائرة المجنى عليه «قمر الدولة علوان».

جاءوا بفتاة فى مقتبل العمر، إنها ريم تلك الفلاحة الجميلة التى بعثرت بقدومها أسئلة الجميع.. وحاول وكيل النيابة أن يستجمع قواه لكى يسألها.. ثم تأكد له أنها لم تكن تعلم بالحادث.. انصرفت ريم وتوجه وكيل النيابة إلى المحكمة.. بعد أن اختلط ليله بنهاره.. وكان يعتقد أن اليوم يخص القاضى السريع الذى ينزل من القطار القادم من القاهرة.. فيخرج النقود للحاجب ليأتى له بالزبدة والجبنة واللحمة من بيت اللوح. ثم يدخل الجلسة وينهى المخالفات فى دقائق معدودة، وينصرف ليلحق بالقطار العائد إلى القاهرة.. لدرجة أنه ذات مرة أمر برفض المعارضة لمتهم وهو على باب القطار.. بعد أن هرول إليه الشاويش والكاتب يجرون السجين من المحكمة إلى المحطة.

لكن من سوء حظ وكيل النيابة أن اليوم يخص القاضى المتأنى.. الذى يدخل فى تفاصيل التفاصيل ويسأل المتهم بسرقة كوز ذرة ليملأ معدته الفارغة، أسئلة ربما لا توجه إلا لعنتيل فى الإجرام.. والرول به أربعة وسبعون جنحة، فما كان لوكيل النيابة إلا أن غط فى النوم أثناء الجلسة.

وفى اليوم الثالث كان موعد تفتيش النيابة المفاجئ على القسم.. فقام المأمور بنقل المساجين إلى شونة التبن الخاصة بالأحصنة.. فلما غضب وكيل النيابة.. قال له أحد أفراد القسم: يا بيه دول رعاع ما تخسرش المأمور، وفعلا لم يخسر المأمور الذى كان منشغلا بتأييد الحكومة الجديدة هو وعمد الناحية، ويلعنون الحكومة التى كانوا يمجدونها بالأمس.

وفى اليوم الرابع ذهب وكيل النيابة إلى المستشفى لتوجيه الأسئلة لـ«قمر الدولة علوان» إلا أن الرجل نطق بكلمة ريم ومات.. فدوت فى أذن الوكيل همهمات الشيخ عصفور، وأمر بضبط ريم فحقق معها ووجه لها أسئلة بالإدانة لكنه لم يحصل على شىء.. وبعدها اختفت ريم والشيخ عصفور.. ثم قبض على عصفور ولما سأل عن مكانها كان جوابه:
نهيتك ما انتهيت.. والطبع فيك غالب، فطرده وكيل النيابة، وغاب الشيخ عصفور، وغابت ريم، وغاص وكيل النيابة فى الكثير من القضايا الريفية الساذجة.. مثل سرقة وابور.. وكسرة الخبز.. والملابس التى استخرجها الفلاحون من الترعة بعد أن سقطت الحقيبة من إحدى السيارات فاعتبروها رزقا من الله.. يقيهم شدة البرد.. وذاب فى التفاصيل الصغيرة لهؤلاء الفلاحين.. الذي لم يلتفت إليهم أحد.
تمت

نائب فى الأرياف عن رواية لتوفيق الحكيم