رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى حب النيل



ما زالت المفاوضات مستمرة بين مصر والسودان وإثيوبيا للتوصل إلى اتفاق عادل يحفظ حقوقنا فى مياه النيل.. وكان نهر النيل دومًا رابطًا بين الدول التى تقع فى حوضه.. وحظى النيل بمنزلة خاصة عبر التاريخ، فقلما تجد نهرًا آخر حول العالم نال هذا القدر من الاهتمام بل والتقديس الذى حظى به النيل.
كان النيل رفيق الإنسان المصرى وباعث نهضته. فبدون نهر النيل كنا لن نجد الأمة المصرية التى نشأت منذ فجر الحضارة، وبسبب النزاع بين الفلاحين فى مصر القديمة نشأت سلطة مركزية تبنى وتحمى منشآت الرى، وتشرف بنفوذها على توزيع المياه وفض المنازعات، ومن أجل التنبؤ بموعد وصول الفيضان ابتكر المصريون القدماء «التقويم الشمسى»، الذى قسموا فيه العام إلى ٣٦٥ يومًا، كذلك قاموا بتطوير علم الفلك، كما دفعهم نهر النيل إلى إتمام الوحدة بين الوجهين القبلى والبحرى.
واستطاع المصريون القدماء التحكم فى النهر، وأتقنوا بناء السدود والخزانات وتوصلوا إلى نظام «رى الحياض»- الذى ظل مستخدمًا فى مصر حتى القرن التاسع عشر الميلادى- الذى يقوم على ترك مياه النيل تغطى الأراضى الزراعية فى موسم الفيضان بعمق متر ونصف المتر فى المتوسط ولمدة ٤٥ يومًا، عندما ينخفض منسوب المياه فى نهر النيل تعود المياه إلى النهر بعد ريّها للأراضى وهكذا. وقد انتقلت ما يمكن أن نطلق عليها حالة «حب النيل» إلى المصريين فى العصر الحديث لنجدهم يتغنون له بقولهم:
زرعت بستان من أحسن زهور وريحان
وبدرت تقاويه على النيل العظيم وريحان
وبنيت عليه سور بوابة سعيد وريحان
وكل عاشق أتى تحت الشجر والعود
والزهر جميل الموعود يا بخته.
وكذلك حضر النيل فى الأمثال المصرية الحديثة ومنها:
«إن جالك النيل طوفان خذ ابنك تحت رجليك».
وكذلك قولهم: «لا خير فى زاد ييجى مشحوط.. ولا نيل ييجى فى توت».
كما كان الفرس الذين حكموا مصر قبل أن يجليهم عنها «الإسكندر الأكبر» عام ٣٣٢ ق.م يقدرون نهر النيل، ويعتقدون أن مياهه هى أعذب مياه فى العالم، كما كان يحتفظ ملوك الفرس بين كنوزهم بعينات من مياه نهرى «النيل» و«الدانوب» للتأكيد على مدى تقديرهم للنيل من ناحية، وليظهروا عظم إمبراطوريتهم وامتدادها الكبير من ناحية أخرى. وأخذ النيل بلب الإغريق الذين زاروا مصر وسموه بالنهر العظيم. فشاعر التراجيديا الإغريقى «يوربيدس» وصف النيل بقوله «مياه النيل هى أعظم الأشياء التى تتدفق على الأرض».. وعن فضل النيل على الإنسانية يقول الإغريقى «ديودور»: «النيل يتفوق على جميع أنهار العالم فى فضله على البشرية».
واستمر تقدير النيل كما هو عند الرومان، وعثر فى معابد روما القديمة على تماثيل لإله النيل، وفى عهد «أغسطس» ظهر النيل لأول مرة على عملة الإمبراطورية الرومانية للربط بينه وبين الخير.
ومع فتح العرب لمصر عام ٦٤١م احتل النيل منزلة خاصة عند العرب. فنجد الصحابى الجليل عمرو بن العاص يصفه بالنهر المبارك فى رسالته للخليفة الراشد عمر بن الخطاب. وقبل الفتح العربى لمصر يروى عن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة».
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم إن رب العزة قال «نيل مصر خير أنهارى أسكن عليه خيرتى من عبادى، فمن أرادهم بسوء كبّه الله عليه».
كما قال رسول الله «إن النيل يخرج من الجنة ولو أنكم التمستم فيه، إذا أمددتم أيديكم لوجدتم فيه من ورق الجنة».
وفى العهد الحديث والمعاصر استمر تقدير المصريين لنهر النيل فضمنوه النشيد الوطنى.. وجاءت كلمات النشيد على النحو التالى:
بلادى بلادى بلادى..... لك حبى وفؤادى
مصر يا أم البلاد..... أنتى غايتى والمراد
وعلى كل العباد..... كم لنيلك من أيادى
حفظ الله مصر ونيلها وشعبها وجيشها ومؤسساتها.