رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستحيل إنعام وعبقرية الليثى


للدراما- لا شك- دور مهم وبارز فى معالجة الظواهر الاجتماعية بطريق غير مباشر، فالمادة الدرامية تتضمن أحداثًا بها العديد من التشابكات والقضايا ذات البعد الاجتماعى التى تتشابه مع تلك الموجودة فى الواقع والتى تهدد القيم الاجتماعية، لكنها قابلة للطرح وتقديم الحلول عن طريق العمل الجماعى.
يرى أرسطو أن الدراما لا تقلد الناس، ولكنها تقلد الحركة أو الحياة، «تقلد سعادتهم وشقاءهم، وكل سعادة وكل شقاء لا بد أن يتخذا صورة من صور الحركة. فالغاية التى من أجلها نعيش هى نوع من أنواع الحركة لا الدخول فى صفة من الصفات، إن الشخصية المسرحية تمثل لنا الصفات، ولكننا لا نسعد ولا نشقى إلا بالحركة، أى بالأعمال والأحداث، والشخصية تفهم من خلال الحركة وهى متضمنة فيها، والمأساة لا يمكن أن توجد دون حركة، أى أعمال وأحداث، فقد نستطيع أن نجمع أزهى مجموعة من أحسن الشخصيات، وأن نجعل هذه الشخصيات تتفوه بأرقى أنواع الكلام من حيث النطق والأداء فلا نظفر بمأساة، لا بد فى المأساة من حركة، أى لا بد من حادث أو موضوع تلتف حوله سائر الحوادث لتبرزه وتؤكده».
ولعل المقابلة التى أجراها الإعلامى البارز «د. محمد الباز» مع المخرجة الكبيرة «إنعام محمد على» على هواء برنامجه الشهير «٩٠ دقيقة» ما يجسد ويوجز كل ما سبق من تعريفات لدور الدراما التليفزيونية كمثال واقعى ونموذجى. فقد أوضحت المخرجة الرائدة أنها ومنذ عملها الأول «هى والمستحيل»، قد وضعت محددات لقبول الشروع فى تنفيذ أى عمل درامى من أهمها أن يكون لـ«دراما إنعام محمد على» ما يُعد إضافة تسهم بها فى تحقيق أهداف التغيير والتطوير الاجتماعى والقيمى والإنسانى للمجتمعين المصرى والعربى.. وبالفعل فبداية المشوار مع دراما «هى والمستحيل» التى تناولت قضية أمية الإناث وأثرها السلبى على الأسرة المصرية، فيعرض المسلسل قصة كفاح بطلة العمل «الأمية» التى انتصرت بصبر ودأب على أُميتها حتى مراحل التعليم العالى، وتقول مخرجتنا إنها فوجئت وهى على منصة إحدى الندوات بسيدة تعرفها بنفسها وتخبرها بأنها بعد معايشة أحداث دراما «هى والمستحيل»، عقدت العزم على تجاوز محنة الأمية، وأنها الآن أستاذة دكتورة فى كلية الآداب، وأخرى وبتفاصيل مختلفة قالت لها: «لقد شكلت دراما إنعام محمد على محطات مهمة فى حياتى».
ولفتت إنعام النظر إلى أن كثيرًا من جهات الإنتاج والقنوات الفضائية أصبحت تجرى وراء النجم، وهو ما أدى لانقلاب معايير صناعة الفن، كما أن الإعلان أصبح هو المسيطر والمحرك لسوق الفن والقنوات التليفزيونية، الأمر الذى أثر على الدراما، فضلًا عن انتشار ظاهرة ورش العمل لإعداد سيناريوهات المسلسلات بما لا يحقق وحدة العمل ورؤيته الخاصة.
وحول دراما «ضمير أبلة حكمت» أشادت بروعة إبداعات الكاتب أسامة أنور عكاشة، وقالت إنه أول من أبدع ما يمكن أن نطلق عليه «الأدب التليفزيونى» غير المأخوذ عن أعمال روائية.
فقط، أحزننى تجاهل المخرجة الكبيرة الدور المهم والرئيسى لرئيس قطاع الإنتاج «ممدوح الليثى» الذى ازدهرت فى عصره الدراما التليفزيونية المصرية، من حيث الكيف والكم والجودة والتنوع وتقديم المواهب الجديدة والأعمال الكبيرة التى من الصعب تناولها فى مواقع الإنتاج الخاصة التى قد يخشى إنتاجها لضعف مردوديها المادى والجماهيرى أحيانًا، مثل فيلم «الطريق إلى إيلات» الذى تجاهلت اسم كاتبه «فايز غالى» أيضًا.
أمر مؤسف تجاهل من تحمل الإيقاع المتمهل لمخرجتنا الكبيرة فى أداء كل أعمالها التى أنتجها قطاعه بكل حماس مقدرًا اهتمامها بتفاصيل التفاصيل التى تتوالد بروية وما خلفه أمر تلك الروية من تبعات مالية وحجز للاستديوهات قد يكون على حساب زمن مخصص لأعمال زملاء لها.
ألم تؤكد المخرجة إنعام محمد على أنها لن تعود إلى الدراما أو السينما إلا حال توفر نص مميز، وهو ما كان يتوفر فى ظل إدارة ممدوح الليثى؟!.. رحم الله الليثى نتذكره دومًا وفى ذكرى رحيله التى حلت أمس الأول.
وشكرًا لمبدعة أكثر من ٢٠ مسلسلًا تليفزيونيًا منها: هى والمستحيل، حصاد العمر، دعوة للحب، ضمير أبلة حكمت، أم كلثوم، قاسم أمين، قصة الأمس، الحب وأشياء أخرى.. ولها ١٨ سهرة درامية منها: أم مثالية، حب بلا ضفاف، نونة الشعنونة، الخروج من الجلد، كما أخرجت ٥ أفلام سينمائية منها: آسفة أرفض الطلاق، يوميات امرأة عصرية، حكايات الغريب، الطريق إلى إيلات، بالإضافة إلى العديد من البرامج والأفلام التسجيلية والتمثيليات القصيرة.
والشكر موصول لبرنامج «٩٠ دقيقة» ومقدمه الإعلامى البارز «د. محمد الباز» لتقديمه سلسلة من اللقاءات الرائعة مع رواد العمل الإبداعى وأصحاب الإنجازات الرائعة من الفنانين والكُتّاب فى سهرات تليق بمقامهم وأدوارهم، بل رد اعتبار البعض منهم عندما يتم تجاهلهم بقصد أو غير قصد.