رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كارلوس غصن.. الهروب العجيب


اللبنانى، البرازيلى، الفرنسى، النيجيرى، كارلوس غصن، رئيس تحالف «رينو- نيسان- ميتسوبيشى» المطاح به، أفلت من قبضة السلطات اليابانية، ومنذ وصوله إلى العاصمة اللبنانية بيروت، لم تتوقف الروايات، الشائعات، والافتراضات حول طريقة هروبه أو تهريبه، بدءًا من اختبائه داخل صندوق آلة موسيقية، وصولًا إلى الزعم بأنه التقى ميشال عون، رئيس الجمهورية، وأن السلطات اللبنانية وفرت له حراسة مشددة!
الرجل الذى أنقذ الشركات الثلاث تباعًا من حافة الإفلاس، وتدهورت أحوالها بعد الإطاحة به، كان من المفترض أن تبدأ محاكمته فى سبتمبر الماضى، وتم تأجيلها إلى أبريل المقبل، لكنه فاجأ الجميع، ووصل إلى بيروت، فى السادسة فجر الإثنين، على متن طائرة خاصة قادمة من تركيا، ولأن اسمه ليس مدرجًا على قائمة الإنتربول الحمراء، دخل الأراضى اللبنانية دون أى عوائق.
إلى الآن، لم يفصح الرجل، عن كيفية هروبه، مكتفيًا فى البيان الذى أصدره، الثلاثاء، بالتأكيد على أنه لم يهرب من العدالة، إنما حرر نفسه من الظلم والاضطهاد السياسى، وأضاف: «يمكننى أخيرًا التواصل بحرية مع وسائل الإعلام، وهو ما سأقوم به الأسبوع المقبل».
بدأ نجاحه فى إنقاذ «رينو»، لعب «غضن» دورًا أساسيًا فى تحالفها مع «نيسان»، سنة ١٩٩٩، وصار أول أجنبى يتولى إدارة شركة سيارات يابانية، وبانضمام ميتسوبيشى، سنة ٢٠١٦ حقق التحالف الثلاثى نجاحًا كبيرًا، وزادت شعبية الرجل داخل اليابان للدرجة التى جعلته بطلًا خارقًا فى القصص المصورة، Big Comic Superior، المعروفة باسم «المانجا»، لكن فى ١٩ نوفمبر ٢٠١٨، تم إلقاء القبض عليه لدى هبوط طائرته فى طوكيو، للاشتباه فى عدم إعلانه عن جزء من دخله. ولاحقًا، تم اتهامه بالاحتيال، واستغلال أموال شركة «نيسان» لمصالحه الشخصية، غير أن هناك ترجيحات بأن يكون ضحية مؤامرة هدفها عرقلة اندماج «نيسان» و«رينو»، فى شركة قابضة.
قضى كارلوس غصن ١٠٨ أيام قيد الاحتجاز قبل أن يتم إطلاق سراحه بكفالة ضخمة، ثم أعيد إلقاء القبض عليه، لمدة ٢١ يومًا، وتم إطلاق سراحه مجددًا، أواخر أبريل الماضى، بكفالة ضخمة أخرى وبشروط مشددة، تمنعه من مغادرة منزله دون أن يخبر السلطات، وتمنعه أيضًا من التحدث مع زوجته، الأمر الذى رأيناه، فى مقال سابق، غير إنسانى، وأبدينا دهشتنا من عدم التفات المنظمات، التى تزعم اهتمامها بحقوق الإنسان، إلى قضيته، وعدم إدانتها ظروف سجنه الصعبة، كما لم يكن لتلك المنظمات أى دور فى سماح السلطات اليابانية، الشهر الماضى، للرجل بأن يتحدث إلى زوجته عبر «الفيديو كول»!
لا أساس، لا سند، ولا مصدر موثوق فيه، لرواية هروب «غصن» مختبئًا داخل صندوق آلة موسيقية، بمساعدة تابعين لشركة «شبه عسكرية»، Paramilitary، تظاهروا بأنهم عازفون، أما المعلومات المؤكدة، فهى أن جوازات سفره الثلاثة، الفرنسى، اللبنانى والبرازيلى، ما زالت لدى فريق دفاعه، وأن السجلات اليابانية ليس بها تسجيل خروج باسم كارلوس غصن، ما قد يعنى أنه خرج باسم آخر، أو بجواز سفره النيجيرى، الذى لم يرد ذكره فى أى سياق، لكن المعضلة، هى أن السلطات اللبنانية أكدت على أنه دخل بيروت بجواز سفره الفرنسى، وبطاقة هويته اللبنانية!
المديرية العامة للأمن العام اللبنانى ذكرت فى بيان أصدرته، الثلاثاء، أن غصن «دخل إلى لبنان بصورة شرعية ولا توجد أى تدابير تستدعى أخذ إجراءات بحقه أو تعرضه للملاحقة القانونية»، كما أكدت وزارة الخارجية اللبنانية، فى بيان أصدرته هى الأخرى، «شرعية» دخول غصن إلى الأراضى اللبنانية، مشيرة إلى أن لبنان وجّه ‏إلى الحكومة اليابانية منذ سنة عدة مراسلات رسمية بشأنه، بقيت دون أى جواب، وأوضحت أنها قامت بتسليم ملف كامل عن القضية إلى مساعد وزير الخارجية اليابانية أثناء زيارته بيروت قبل أيام.
هناك، قطعًا، جهات وأجهزة دولية أو شركات أمنية قوية، لعبت دورًا فى هذا الهروب العجيب، ويوحى وجود تركيا فى الموضوع، بوجود «صفقة»، قد تكون فرنسا طرفًا فيها، أما لبنان، فليس عليه أى حرج، إذ لا توجد أى اتفاقية للتعاون القضائى أو الاسترداد، بينه وبين واليابان، ولا تسمح قوانينه بتسليم مواطنيه إلى دولة أجنبية ولا يتيح محاكمتهم فى جرائم احتيال ضريبى وقعت فى بلد آخر، وبالتالى، يمكننا أن نقول إن الرجل اختار المكان الأكثر أمنًا فى العالم!
.. وتبقى الإشارة إلى أن كارلوس غصن، المولود هو وأبوه فى البرازيل، والذى لم يعش إلا سنوات قليلة من طفولته فى لبنان، يمتلك منزلًا فى بيروت، اشتراه منذ سنوات بثمانية ملايين و٦٥٠ ألف دولار، وهو المنزل الذى يرابط أمامه، الآن، مراسلو وسائل الإعلام، العربية والأجنبية، وتحرسه قوات أمن لبنانية، لا لحماية «الرجل»، غير الموجود فيه غالبًا، ولكن لأن أحد المراسلين حاول التسلل إلى داخله!