رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سامحنا يا سيدى.. إننا نغير موعد ميلادك


يبدأ أقباط مصر دائمًا فترة صوم الميلاد يوم ٢٥ نوفمبر لمدة ٤٣ يومًا ينتهى بعيد الميلاد المجيد. وكلما اقتربت فترة عيد الميلاد وأيضًا فترة عيد الفصح «القيامة» انتاب المخلصين للكنيسة الخوف من خطر تفكك الكنيسة القبطية وتغيُر هويتها بسبب الأصوات- غير المسئولة- التى ترتفع بضرورة تغيير موعد عيد الميلاد الذى نحتفل به نحن الشرقيين منذ قديم الأزمان فى ٢٩ كيهك «الذى يقع فى ٧ يناير» وهو التقويم الشرقى، ويريدون تغيير موعد الاحتفال لنحتفل به مع الغربيين فى ٢٥ ديسمبر! ثم الطامة الكبرى فى تثبيت موعد عيد القيامة- مع كنيسة الفاتيكان أيضًا- مخالفين بذلك قوانين مجمع نيقية فى القرن الرابع الميلادى والحساب الدقيق لتحديد موعد العيد الذى وضعه آباء كنيسة الإسكندرية فى العصور الأولى، منقادين بروح الله لتقواهم الشديدة وطاعتهم لقوانين الكنيسة، وكان الآباء الأولون مخلصين جدًا لكنيستهم وقوانينها.
أتذكر فى عام ١٩٦٩ أن أصدر الفاتيكان «وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح» وللأسف كان الدافع وراء إصدار تلك الوثيقة المشئومة هو دافع سياسى بحت. لكن كان على رأس الكنيسة القبطية بطريرك تقى وشجاع وناسك وملتزم بتعاليم الكنيسة دون أدنى مجاملات، هو البابا كيرلس السادس، وكان معه مجمع مقدس قوى يضم مجموعة لها ثقلها الكنسى، بالإضافة إلى مجلس ملى سكندرى قوى ذى معرفة حقيقية وكان جميعهم يعملون بروح الفريق الواحد، فصدر عن كنيسة الإسكندرية بيان يدحض تلك الوثيقة المشئومة وأرسلوها إلى الفاتيكان وبقية كنائس العالم.
ولما كانت كنيسة الإسكندرية لها مكانتها المتقدمة على بقية كنائس العالم بسبب تاريخها وأيضًا قوة شخصية بطاركتها الأتقياء الأولين، قام الفاتيكان بسحب وثيقته هذه. وبذلك أنقذت كنيسة الإسكندرية العالم كله من تلك الوثيقة الخادعة والكاذبة. وعلى مر العصور كانت كنيسة الإسكندرية مستندة فى أفعالها إلى القوانين التى استقرت بالمجامع المقدسة وأيضًا روح الكتاب المقدس.
أتذكر عندما كنت أدرس بالخارج لدرجة الدكتوراه بإحدى الجامعات الكندية لم تكن لدينا كنيسة قبطية بتلك المدينة، ولأن المدينة كانت مُتاخمة لمدينة ديترويت الأمريكية اعتدت أن أعبر الحدود أسبوعيًا للصلاة بالكنيسة القبطية بها. كانت الجالية القبطية بمدينة ديترويت الأمريكية قد بدأت التفكير فى شراء أرض وإقامة كنيسة قبطية بها، فكنا نستأجر من إخوتنا بالكنيسة البروتستانتية كنيستهم للصلاة بها بعد أن ينتهوا من صلواتهم الصباحية.
وفى يوم الأحد الأول من مايو ١٩٧٧ قام البابا شنودة الثالث البطريرك الـ ١١٧- فى أثناء زيارته الرعوية الحقيقية الأولى لأمريكا الشمالية- بوضع حجر أساس كنيسة القديس مرقس القبطية الأرثوذكسية بمدينة ديترويت الأمريكية، ومن ثم بدأ العمل الجاد فى بناء الكنيسة طبقًا للطراز القبطى.
حدث فى شهر سبتمبر ١٩٧٧ أن أحد الأصدقاء قد وجه لنا دعوة لحضور حفل زفافه بكنيسة للسريان الأرثوذكس بمدينة ديترويت الأمريكية، وكانت الصلاة تُقام عصرًا. توجهت إلى الكنيسة مبكرًا وبالمصادفة تقابلت مع كاهن الكنيسة السريانية «ويُطلق عليه اسم خورى»، وعندما بدأت التحدث معه قال لى: «إننا مُعجبون بالأقباط الذين حضروا إلى بلاد المهجر، لأنهم حضروا ومعهم تراثهم الخالد ولم يتنازلوا عنه»، فقلت له: كيف هذا؟ وهنا أخذ يعدد لى جوانب عظمة أقباط المهجر، فقال: «عندما حضرتم إلى المهجر ما زلتم تحتفظون بنفس فترة صوم الميلاد كما اعتدتم فى مصر وهى ٤٣ يومًا، بينما نحن السريان فى المهجر فقد اقتصرنا فترة الصوم إلى ١٠ أيام فقط! وعندما استفسرت عن السبب، قال: للتخفيف على الشعب!! (وهذا ما يُطلق عليه اليوم - خداعًا على الناس - الاحتياج الرعوى) أيضًا: إنكم يا أقباط ما زلتم محتفظين بفترة الصوم ٩ ساعات قبل حضور القداسات بالكنائس، بينما نحن السريان فى المهجر قد اقتصرنا فترة الصوم فقط على بداية دخول الكنيسة، وذلك للتخفيف على الشعب!! أيضًا ما زلتم محتفظين فى صلواتكم باللغة القبطية، بالإضافة إلى العربية والإنجليزية، أما نحن السريان فى المهجر فتغاضينا عن لغتنا السريانية واكتفينا بترديد الصلاة الربانية فقط باللغة السريانية».
للحق شعرت بالفخر من تلك الشهادة الرائعة. وعلينا أن نفتخر بتلك الشهادات الأمينة فى حق أقباط المهجر التى يحاول البعض التنكر لها عن جهل! من المؤسف أن يطل علينا مؤخرًا مطران مدينة لوس أنجلوس الأمريكية ويطالب بإقامة احتفالين لعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر، و٧ يناير وقد ساعده فى ذلك كهنة فى الإيبارشية وكاهن آخر فى شيكاغو، وهؤلاء لم تكن لديهم الشجاعة لإعلان ذلك فى حبرية البابا شنودة الثالث. فإن كان قادة الكنيسة «المطران وبعض الأساقفة وكهنة لوس أنجلوس» قد فقدوا قدوتهم الحقيقية للشعب، فماذا نتوقع فى المستقبل؟ لقد انطبق عليهم القول: «اضرب الراعى فتتبدد الرعية»، وكيف يكون الضرب إلا بالكبرياء والعجرفة والتصلف والعناد والنفاق الرخيص!! لكن نشكر الله أنه قد تصدى لهم بالحكمة والقوانين الكنسية أسقفان متحليان بالشجاعة وطالبا بعدم التنازل عن التقاليد الكنسية العريقة، ويتضامن معهما أساقفة وكهنة شجعان وخدام أتقياء فى مصر والمهجر.
من العجيب- بل المؤلم أيضًا- أن يردد أحد الأساقفة وهو أسقف الإسكندرية قوله: «رسالة الأنبا سرابيون وجهها لشعب إيبارشيته فقط، ومن المفترض أن ننتظر ونرى نتيجة تجربته فى إقامة قداس إضافى لعيد الميلاد المجيد»، وهنا أود أن أقول له- ربما لأنه لا يعرف تلك الحقيقة- إن الكنيسة ليست حقل تجارب! بل أود أن أقول له إن كثيرًا من الشعب من الأتقياء والمحبين لكنيستهم والمقيمين فى لوس أنجلوس نفسها قد اعترضوا على تلك التصرفات ولم يحضروا تلك القداسات الغريبة! والبعض الآخر أرسلوا صورًا من كنائس لوس أنجلوس وهى خالية تمامًا من المصلين! هذه هى نتيجة التجربة التى يتحدثون عنها! بل إن أحد الكهنة بالولايات المتحدة الأمريكية أرسل رسالة مطولة إلى أسقف الإسكندرية- وصلتنى عن طريق أحد رهبان وادى النطرون- ومن بين ما قاله: «هل نبكى أسقف الإسكندرية على نعته شعبه بالجهلة.. أم نبكى الشعب على أب فقد الأبوة.. أم نبكى آباءً صاروا يصفقون حين يعلو صوت رئيس المجلس، مؤكدًا أنه هو المجمع وحين يتكلم فى أمرٍ فيجب غلق الكلام من بعده.. أم نبكى كاهنًا لم يجرؤ على قول الصدق فاتهم الشباب بالاختباء خلف الشاشات، ولا أعرف كيف يبحثون عن الذات وهم مختبئون؟ لماذا تقسون على شباب لا غرض لهم إلا حفظ الكنيسة بتقليدها وطقوسها وإيمانها؟ مطرانًا طلب للشباب اللجام كالحصان والسوط الحمار والعصا كالجهال، نعتهم بالغوغاء والجهلة وأنصاف المتعلمين. وها أسقف الإسكندرية يُكمل القضاء عليهم بكلمات كالسيف المسلول».
إن ما يحدث من إخفاقات متتالية فى الكنيسة القبطية هو بسبب ما حدث يوم الأحد ٤ نوفمبر ٢٠١٢ من تعدٍ صارخ على قوانين وقدسية الكنيسة والضمير الإنسانى. كما أن أسقف الإسكندرية- الذى يدعم مطران لوس أنجلوس بقوة- وجه تساؤلًا لمهاجمى القرار: «هل أنت تعيش فى نفس الظروف المحيطة بشعب الكنيسة فى الخارج؟»، وها قد ذكرت اعتراضًا ممن يعيشون بالخارج وفى نفس الإيبارشية، بل إن أحد الأساقفة المعترضين يقيم فى إحدى الولايات الأمريكية!! وأود أن أقول إنه لا يوجد أى أسقف له السلطة المطلقة، إنما مجمع الأساقفة هو من يملك السلطة، لأن كنيستنا القبطية كنيسة «مجمعية» وليست بابوية! وويل للكنيسة التى يديرها شخص واحد! أرجو من الذين ينخرون فى جسم الكنيسة- عن عدم معرفة بل بكبرياء ذاتى وعدم طاعة للكنيسة- من أساقفة وكهنة أن يتوقفوا عن مساعيهم الفاشلة التى ستؤدى حتمًا- لا سمح الله- إلى تفكك الكنيسة.