رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد مراد.. كيف تصل لـ«الأكثر مبيعًا» بأسهل طريقة؟

أحمد مراد
أحمد مراد

لا تحظى كتابات الروائى المصرى أحمد مراد برضا النقاد، هذا أمر جلى يمكن رصده فى قلة وشح الإضاءات النقدية المسلطة على رواياته من أقلام مرموقة، ويمكن رصده أيضًا فى عدم حصول رواياته فى نسخها الأصلية- غير المترجمة إلى لغات أخرى- على أى جوائز تذكر عدا وصول روايته «الفيل الأزرق» للقائمة القصيرة فى الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» عام ٢٠١٤، فى إحدى أكثر دوراتها بؤسًا.
لكن هذا لا ينفى النجاح الطاغى، الذى تحرزه رواياته من حيث عدد المبيعات، إذ تتوافر فيها التوابل الكافية لخلق رواية ذات مذاق جيد، وهى مناسبة للقارئ المستأنس غير المدرّب. الرواية الأولى «فيرتيجو»، هى رواية بوليسية تتميز بإثارة فى الأحداث وركاكة فى اللغة والأسلوب وعدم السعى لتحقيق منجز فنى.
ولذلك عندما حققت «فيرتيجو» حركة جيدة من حيث البيع فى نسختها الصادرة من دار ميريت، قام «مراد» بإصدار طبعة أخرى منها على نفقته الشخصية، وهو إجراء معروف بين الأدباء- خاصة المغمورين ممن تبيع أعمالهم نسخًا قليلة- والذين ينفرون من سطوة المؤسسات وتحكمات رأس المال.
لكنه لم يكن مغمورًا بعد روايته الأولى، التى حققت مبيعات كبيرة. كان ذلك بمثابة تحكم فى العملية الإنتاجية، صار أحمد مراد قادرًا- فى خطوة ذكية وإدارة رائعة- على بيع نسخ روايته المطلوبة أصلًا، مسقطًا- بشكل قانونى- نصيب الناشر من الأرباح.
لكن الأرباح لم تكن هدف أحمد مراد، بل المبيعات، الوصول لكل الناس، ولم يكن ذلك سهلًا إلا عبر شبكة توزيع قوية، تقريبًا أقوى شبكة توزيع فى مصر، التى تخص دار «الشروق» العريقة المخضرمة، التى كفلت المزيد من الانتشار لمؤلف فيلم «الأصليين»، فى تعاون ذكى وفعال بين الطرفين.
دارت العجلة، واختار «مراد» ضمانًا لاستمرار دورانها أن يعيد نفس اللعبة.. «تراب الماس» رواية بوليسية أخرى، جريمة أخرى، الكثير من التشويق والمنحنيات، مقابل شح واضح فى الجودة والمغامرة الفنية.
«مراد» لم يكرر خطوات نجاح أى كاتب تجارى، لم يحصر نفسه فى منطقة ضيقة، راح يوسع رقعته ببطء، وبدأ ينوع فى الموضوعات، روايتان تاريخيتان: «أرض الإله» و«١٩١٩»، مع وجود رواسب من الحقبة «البوليسية» الخاصة ببداياته الأدبية فى «أرض الإله».
وبهذا الإيقاع أخذ يوسع رقعته الآمنة، ويخوض فى «مواضيع» مختلفة عن تيماته المفضلة المضمونة، كل ذلك، دون أى مغامرة فنية، دون محاولة ترك بصمة لصوت متفرد وأصيل، فصدرت «الفيل الأزرق»، التى تتناول أيضًا موضوعًا مضمونًا وخلطة مجرّبة تتماس مع عوالم السحر والجان والعفاريت التى باعت فى كتيبات الأرصفة أكثر من أعتى الروائيين. وكتب «مراد» بوحى منها وبناء على أحداثها سيناريو فيلم «الفيل الأزرق» بجزءيه الأول والثانى. وبعدها جاءت روايته «موسم صيد الغزلان».
بين مدرسة الليسيه فى باب اللوق والمعهد العالى للسينما، تلقى الروائى أحمد مراد تعليمه المدرسى والجامعى، واحتل المركز الأول على دفعته فى معهد السينما بقسم التصوير. وعبر استديو كبير تمتلكه عائلة أحمد مراد مارس الروائى الشهير التصوير، وإدارة منشأة تجارية، وكل هذا يعكس مقومات جيدة لشاب متعلم ومثقف وموهوب، استطاع بانتظام ودأب وذكاء وثقافة كبيرة أن يحقق حضورًا كاسحًا فى المشهد الأدبى المصرى، بروايات لا يمكن أن نصفها أبدًا بـ«الرائعة»، وحجز لنفسه بالمثل مكانًا أفضل فى عالم السينما الأقرب لتكوينه الثقافى، الذى يمتاز فيه- عبر الصورة كوسيط- أكثر من عالم الأدب، الذى تشكل اللغة والأسلوب وسيطه الرئيسى.