رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خناقة أمريكية إيرانية فى العراق!


ثلاثون صاروخًا استهدفت، الجمعة، قاعدة عسكرية أمريكية فى العراق، تسببت فى مقتل متعاقد (مقاول) أمريكى وإصابة آخرين. ردت عليها الولايات المتحدة، الأحد، بقصف ٥ مواقع تابعة لميليشيات حزب الله، راح ضحيته ٢٥ وأصيب العشرات. ومساء الأحد، استهدفت ٤ صواريخ قاعدة تضم جنودًا أمريكيين قرب بغداد، وغالبًا سترد القوات الأمريكية بغارات جديدة!.
الهجمات على القواعد العسكرية فى العراق، تصاعدت فى الشهرين الأخيرين، تحديدًا منذ ٢٨ أكتوبر الماضى. واستهدف إحداها محيط السفارة الأمريكية فى المنطقة الخضراء فى بغداد، التى تخضع لحراسة أمنية مشددة، ما دفع الأمريكيين إلى نشر مزيد من المدرعات. غير أن ذلك لم يمنع هجوم الجمعة الذى كان الأشد قوة، سواء فى عدد الصواريخ، أو فى دقة القصف وتوقيته. إذ سقطت القذائف فى ساحة القاعدة وفى غرفة الاجتماعات، التى كان مقررًا أن يلتقى فيها، فى ذلك التوقيت، قادة من الشرطة العراقية والتحالف، للاتفاق على تنفيذ عملية فى مناطق جبلية تختبئ فيها خلايا داعشية، لكن تم إرجاء الاجتماع بسبب الظروف الجوية!.
تحتفظ الولايات المتحدة فى العراق بنحو ٥ آلاف جندى، بناء على اتفاق مع الحكومة العراقية. ومنذ أسبوعين تقريبًا، اتهم مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، فصائل تدعمها إيران، بالضلوع فى سلسلة هجمات على قواعد عسكرية، وحذر طهران من أنها ستواجه ردًا أمريكيًا «حاسمًا» إذا تعرضت مصالح بلاده لأى ضرر.
أحد عشر هجومًا، لم تعلن أى جهة مسئوليتها عنها، لكن واشنطن اتهمت مجموعات مسلحة موالية لإيران بالوقوف خلفها. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر أمنية اتهامًا مباشرًا لكتائب «حزب الله»، وهى قوة منفصلة عن «حزب الله اللبنانى»، أسسها جمال جعفر إبراهيمى، المعروف بـ«أبومهدى المهندس»، وتعمل تحت مظلة ميليشيات، تدعمها إيران، معروفة باسم «قوات الحشد الشعبى»، تم دمجها رسميًا فى الهيكل الأمنى العراقى. وسبق أن ربطت الخارجية الأمريكية، سنة ٢٠٠٩، بين «المهندس» و«فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثورى الإيرانى»، الذى أدرجته الإدارة الأمريكية، منذ شهور، على قوائم المنظمات الإرهابية.
ردًا على هجوم الجمعة، تم إعلان حالة الاستنفار القصوى، فى جميع القواعد العسكرية فى العراق. وانعقدت اجتماعات مكثفة، السبت، بين القيادة الأمريكية وأطراف التحالف الدولى، لبحث كيفية الرد. ومساء الأحد، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، فى بيان، عن قيامهم بتنفيذ «ضربات دفاعية دقيقة» ضد مواقع كتائب «حزب الله» الخمسة، مؤكدًا أنها «ستحد من قدرة الميليشيات على تنفيذ ضربات مستقبلية».
مصدر أمنى عراقى قال إن الهجمات أسفرت عن مقتل ٢٥ شخصًا وإصابة العشرات، متوقعًا ارتفاع الحصيلة لوجود جثث ومصابين تحت الأنقاض. لكن قبل أن ينتهى العد، سقطت ٤ صواريخ كاتيوشا، مساء الأحد، قرب قاعدة عسكرية شمالى بغداد، تضم جنودًا أمريكيين. وغالبًا، سترد الولايات المتحدة، التى أكد وزير دفاعها، مارك إسبر، على أنها ستتخذ «مزيدًا من الإجراءات إذا لزم الأمر من أجل ردع الميليشيات وإيران».
العراقيون، بلا حول ولا قوة، ويتفرجون مثلنا، على بلدهم وهو يتحول إلى ساحة صراع مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران، ولا يعرفون، كما لا نعرف، متى تنتهى تلك الخناقة أو الاستهدافات المتكررة والمتبادلة بين القوات التابعة للطرفين، والتى لن نلومك لو ربطتها بالاضطرابات السياسية التى تعم العراق، وبتظاهرات العراقيين احتجاجًا على غياب الخدمات الأساسية وتفشى البطالة، التى نددوا خلالها أيضًا بالفصائل المسلحة المدعومة من إيران، وطالبوا بإصلاح النظام السياسى، الذى يرونه فاسدًا وعاجزًا عن إيجاد أى حلول للأزمات المعيشية. الأمر الذى أجبر عادل عبدالمهدى، رئيس الحكومة المدعوم من إيران، على الاستقالة أواخر الشهر الماضى.
لا يزال «المهدى» يرأس حكومة تسيير الأعمال، إلى أن يتم اختيار من يخلفه، إن شاء الله، أو شاءت إيران. واللافت، هو أنه لم يقل شيئًا عن هجمات الجمعة، وما سبقها، لكنه أدان الهجوم الأمريكى، ووصفه بأنه «انتهاك للسيادة العراقية وتصعيد خطير يهدد أمن العراق والمنطقة». والشىء نفسه، فعله «حزب الله اللبنانى»، ووصف الغارات الأمريكية، أمس الإثنين، بأنها «اعتداء سافر على سيادة العراق». كما أعرب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عن إدانته الشديدة لـ«العدوان الأمريكى على التراب العراقى» ووصفه بأنه «مثال واضح على الإرهاب».
.. وتبقى الإشارة إلى أن «كتلة البناء»، الموالية أيضًا لإيران، قررت إقامة دعوى أمام المحكمة الاتحادية، لعزل برهم صالح، رئيس الجمهورية، بزعم أنه «خرق الدستور»، برفضه مرشحيها لمنصب رئيس الوزراء، بينما أعلنت كتل وكيانات أخرى، أبرزها تحالف «سائرون»، عن دعمها للرئيس والوقوف ضد أى محاولات لعزله. وعليه، ليس متوقعًا أن تنتهى الاضطرابات السياسية، التى قد تكون سببًا رئيسًا فى «الخناقة الأمريكية الإيرانية» أو العكس!.