رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سنة 2019 تكتب قصائدها وترحل




نحن بالفطرة السليمة أنقياء أبرياء لكن شيئًا ما يغطينا بالدماء..
يناير..
لست أنا التى تمشى فوقها الأقدار.. أنا المرأة التى تمشى فوق الأقدار.. لا تقتلعنى الأعاصير ولا تبللنى الأمطار.. أنا بحد ذاتى المطر وأنا الإعصار.. لست العاشقة التى تتأوه بالليل والنهار.. بل أصنع سحر الليل وإشراق النهار.. لا يخيفنى أن أفقد أعز الأحباب.. هم فى دمى يتدفقون كما الأنهار.. لست أيأس من شدة صفعات الألم.. كل متعتى أجدها فى الصبر والانتظار.
فبراير..
أغلق النوافذ.. أسدل الستائر.. أطفئ الأنوار.. لكن غرفة نومى.. أجدها دائمًا مضيئة.. أتلفت حولى أبحث عن مصدر الضوء.. وإذا هى صورتك.. تبتسم فى هدوء.. إذن أنت النور.. أنت شعاع السكون.. أنت منْ يحمينى.. من الكوابيس والجنون.
مارس..
أحبك.. فى سكون الصمت.. وفى غناء.. عذوبة الصوت.. فى الفرح النادر.. وعنفوان شقائى الغادر.. عندما يشربنى الظمأ.. أحبك.. عندما يلتهمنى السأم.. أحبك.. فى غربتى أحبك.. وفى يأسى.. فى وحدتى أحبك.. وارتواء كأسى.
أبريل..
لص يسرق كُحل العيون.. ومن الحزن أعذب الشجون.. لص يسرق كلمات القصائد.. والخبز الساخن على الموائد.. لص يسرق روح النصوص.. يجعلنا أسرى التقليد والطقوس.. يأمرنا بتقوى القيام والجلوس.. لص يسرق ملح البحار.. حنان الليل ودهشة النهار.. لص يسرق عشق القلوب.. لص يسرق مجد الشهداء.. يسرق عسل ملكات النحل.. والكرامة من أفواه الفقراء.. لص يسرق دم الوريد.. والعدالة بين الأسياد والعبيد.. لص يسرق الأجنّة من أرحام الأمهات.. لص يسرق النعى من صفحة الوفيات.. لص يسرق راحة الضمير.. يسرق حياء الثوب الشفاف.. ومن الورد يسرق العبير.. لص يسرق كرامة وطموح النساء.. ومن المرضى يسرق أمل الشفاء.. أينما نذهب أينما نكون.. لا بد أن يدركنا اللصوص.. أهم من سُنة الحياة؟.. أم من شرائع الكون؟
مايو..
نصف يقظتى «نوم».. نصف نومى «يقظة».. نصف سعادتى «حزن».. نصف حزنى «سعادة».. نصف نشاطى «كسل».. نصف كسلى «نشاط».. نصف عقلى «جنون».. نصف جنونى «عقل».. نصف حياتى «موت».. ونصف موتى «حياة».. هذه «أنا» أحبها.. أفهمها وأفخر بها.
يونيو..
كهنة النقد.. يوزعون منشورات.. تحظر دخولى إلى معابد الشِّعر.. فقصائدى لا تؤمن بآلهتهم.. ولا تصلى كلماتى على أنبيائهم ورسلهم.. ماذا يهمنى فى ذلك؟.. لى آلهتى الخاصة.. أكفر بها كل يوم.. ومشاعر مقدسة.. لا أقدسها كل يوم.. وطقوس عبادات تنثر البخور وتلهمنى السطور.
يوليو..
الحقيقة رغم مرارتها.. رغم كل قسوتها.. فهى تحرقنى.. تمزق قلبى.. وتمرضنى.. ترمينى أشلاء فى أرض خراب.. أفضلها عن أوهام تخدعنى.. تغشّنى.. تسرقنى.. تهزأ بعقلى.. تتوجنى ملكة دون سُلطة.. وتبنى لى قصورًا.. فى مدن السراب.
أغسطس..
تمر الأزمنة علينا.. مرور الكرام.. لا نفعل شيئًا بالأيام.. والشهور والأعوام.. نعيش بالاستهلاك.. يستهوينا التكرار.. طقوس بالليل وطقوس بالنهار.. نحيا بالتقليد دون إبداع أو ابتكار.. كأننا تروس فى آلة.. لا يشغلنا إلا اللف والدوران.. لا يهمنا إلا كفاءة الأزرار.
سبتمبر..
أشباح تقترب.. أجراس خطر ترن.. الجنين بالفطرة يحس بالمؤامرة.. يحاول الهروب والفرار.. الجنين يئن.. عقله الصغير يكاد يجن.. فجأة تمتد يد آثمة.. من رأسه تشده إلى الخارج.. يد لا ترحم.. لا تتأنى.. لا تحن.
أكتوبر..
التواضع ليس حكمة.. إنه القدرة على السمع والإبصار.. التواضع ليس فضيلة.. لكنه اعتراف شئنا أم أبينا.. يصفعنا ليل نهار.. قطار وحيد.. متاح على رصيف الانتظار.. لا ندرى سيأخذنا إلى مدن الشمس.. أم يلقى بنا إلى الظلمة والإعصار؟.. التواضع «قدرنا» المحتوم.. إما أن نرضاه نفهمه نعيشه.. أو يكون مصيرنا.. عبث وعدم ولا جدوى.. يبدو حياة وهو نبض الانتحار.
نوفمبر..
إذا كان من الجنون.. أن أخلف التوقعات والظنون.. ألا تفرحنى أيام العيد.. لا أتابع مونديالات كرة القدم.. أصفق وأهلل وأنا أرفع العلم.. من صخب الناس أهرب.. لأختبئ فى قلبك الحنون.. فألف أهلًا وسهلًا بالجنون.. إذا كان من الجنون.. ألا يفرحنى المال والبنون.. أتوقف حين يهرول الآخرون.. أصمت حينما يتكلم الناس.. أتكلم حينما بالصمت يلتحفون.. فألف أهلًا وسهلًا بالجنون.. إذا كان من الجنون.. أن أفضح الضحك على الذقون.. أعرى التجارة بأجساد النساء.. والسوق الرائجة لفتاوى الفقهاء.. أترك وجهى دون مساحيق.. لا أضع الكريمات والعطور.. وأكتفى بالماء والصابون.. فألف أهلًا وسهلًا بالجنون.. إذا كان من الجنون.. أن أشتهى وطنًا.. لا يتعدى سكانه ٢ مليون.. لا يتعاطى الدين كما الأفيون.. ينقد بحرية السلف والأقدمون.. يضمن للنساء كرامة البشر.. يفسر بإرادته الشرع والقانون.. فألف أهلًا وسهلًا بالجنون.
ديسمبر..
أعرف أنك ستجدين أبرع المحامين.. تعكفين على دراسة الأدلة والدوافع.. تسمعين وتتأملين كلام وأقوال الشهود.. ممتزجة بصرخات الضحايا وآهات المواجع.. لكن القضية يا حبيبتى.. لو كنت تعلمين.. منذ البداية.. ماكرة ملتوية غادرة.. أشفق عليك من الأمل الخادع.. النائم معنا فى سرير واحد.. جهدك بلا جدوى والوقت ضائع.. وكلاهما واهم أحمق.. الشارى والبائع.. أشفق عليك من سذاجة التمنى.. الملفوفة كالأفعى بإحكام حول رقابنا.. والسموم المندسة فى طعامنا وشرابنا.. نحن بالفطرة السليمة أنقياء أبرياء.. لكن شيئًا ما يغطينا بالدماء.. اتركى القضية حبيبتى.. فهى قبل الصرخة الأولى ولادة متعسرة.. هى لو تعلمين.. منذ بداية الزمان.. يا حبيبتى.. قضية خاسرة.