رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام جديد مع الأمل




يحل علينا عام جديد ٢٠٢٠، منحة أخرى من العمر والوجود، ومع بداية العام لا بد أن يضع الإنسان لنفسه أهدافًا واضحة: سأقلع عن التدخين هذه السنة! سأنظم وقتى! سأشرع فى ممارسة الرياضة يوميًا! وتأكد أنك ستحقق أهدافك ما دامت لديك الإرادة والعزيمة والتصميم! ولكن هناك فارق بين الإرادة التى قد نسخر من ضعفها وبين الأمل الذى يبقى طاقة لا تنفد وحلمًا لا يتبدد.
قد لا تكون لدينا إرادة تنفيذ ما نهوى عمله، لكننا لا نفقد الأمل فى تحقيقه، لأن الأمل طريقة الحياة فى الدفاع عن نفسها وعن استمرارها. وأظن أن الأمل مرتبط بالحب ارتباط الشمس بالنور، لأن الحب هو المكان الذى تصفو فيه المشاعر وتفرح الأحلام. وأظن أن الذين يفقدون الأمل، أو يعيشون دونه، هم أولئك الذين كفت قلوبهم عن الحب. أذكر فى مطلع حياتى، وكنت فى نحو الثالثة عشرة، أننى وقعت فى غرام ابنة الجيران التى سكنت مع أسرتها فى الطابق الأول من العمارة. كانت جميلة إلى درجة غير معقولة، أو هكذا رأيتها فى سنواتى المبكرة، وكانت من سنى تقريبًا، لكن علاقتى بها اقتصرت على لقاءات المصادفة فى مدخل العمارة، أو حينما تصعد لزيارة قصيرة لأخواتى. أحببتها بقوة، أو خيل إلىّ، لكننى من فرط جمالها تهيبت أن أقترب منها أو أكلمها! تزورنا وتجلس مع أخواتى فأقعد أمامها متجمدًا صامتًا لا أنبس بحرف، فقط أتطلع إليها وقلبى ممتلئ بالأمل، إلى أن حلّ يوم دعانى فيه أحد أقربائنا وكان مخرجًا بالتليفزيون إلى الظهور فى تمثيلية تليفزيونية، مجرد عبور أمام الكاميرا فى ممر بمستشفى، وأن أشير إلى إحدى الحجرات قائلًا لآخر معى: «هل هى هذه الحجرة؟» ولا شىء أكثر من ذلك. لكنى قررت أن أطيل بقائى أمام الكاميرا طالما أن المخرج قريبى، فرحت أتكلم وأشرح إلى أن صرخ المخرج من أعلى: «إيه ده كله؟ دول كلمتين وتمشى.. أعد التصوير». بعد ذلك بيومين وأنا أدخل العمارة وجدت فتاتى تهبط على السلم، ثم تتوقف أمامى بعينين مفتوحتين مبهورتين وتصيح بفرح لا يُحَد: «أحمد! أنا شفتك إمبارح فى التليفزيون!» حل علىّ الذهول، فقد كانت تلك أول مرة تخاطبنى فيها فتاة أحلامى، بل وباسمى. أفقت من ذهولى ورفعت رأسى لأعلى قائلًا: «ده دور بسيط، لكن بعد كده ح أبقى أدقق فى السيناريوهات اللى تجينى»! وكادت أن تقبلنى من افتخارها بعبورى لحظة فى لقطة بممر المستشفى! ومن بعد تلك التجربة لم يتوقف قلبى عن الخفقان والحب، مرة، واثنتين، وثلاثًا، وفى كل مرة كنت أوقن أن الحب مثل الكتابة الأدبية، محكوم بعوامل مبهمة لا يدركها الإنسان تقريبًا، إنه لا يدرك ما الذى يقوده من تلك العوامل، ولا كيف، ولا إلى أين، كل ما يعرفه أن الحب مرتبط بالأمل بقوة، أحدهما يكمن فى الآخر، أو أن الأمل زهرة لا تنبت إلا فى أرض العشق وحدها. فى العام الجديد ٢٠٢٠ دعونا نتطلع إلى الحب، وإلى الأمل الذى يلوح لنا بزهوره من عند نوافذ الحلم، وينشر عطره فى أرواحنا وخيالنا، الأمل فى أن يحيا أبناؤنا فى عالم آخر، جديد، وسعيد، الأمل فى انصراف البشرية إلى العلوم والفنون، الأمل فى الحب، فى الصداقة الحق، فى أن تتحسن أوضاعنا، وسيبقى الأمل لأنه لا يخصنى ولا يخص أحدًا، إنه ليس شأنًا ذاتيًا، إنه يخص الحياة ذاتها، وفورانها، ودورانها. إنه طريقة الحياة فى الدفاع عن نفسها وعن استمرارها. يقول المتنبى، شاعر العرب الأعظم: «أكذب النفس إن حدثتها»، أى تعلق بالأمل وأنعشه فى نفسك حين تعتزم القيام بشىء. ويقول الطغرائى: «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»، أما ناظم حكمت فيترنم بقصيدته الجميلة: «أجمل البحار تلك التى لم نذهب إليها بعد، وأجمل الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وأجمل الأيام تلك التى لم نعشها بعد». فليكن هذا العام ٢٠٢٠ عامًا للأمل، ولنعش مشبعين بالأمل، الزهرة التى تنمو فى حديقة الحب. عامًا جديدًا سعيدًا، وحافلًا بالإنجازات والإبداع والعزيمة.