رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الجبر» وضبط الزمن المتسارع




مريم لا تحب «الجبر».
معادلات الجبر ليست أرقامًا حسابية يمكن جمعها أو طرحها أو ضربها أو قسمتها بمجرد النظر.. فى الجبر لا تطوى العالم فى ذهنك لكنك تضعه على طاولة تشريح، وتخضعه للفحص والتحليل. الجبر يحتاج إلى رويّة وصبر وقدرة على تتبع التعليمات وتنفيذها بحرفية ودقة تامتين رغم طول الطريق، الجبر كرة صوف متشابكة الخيوط، متعددة الألوان تحتاج إلى هدوء واستقرار وسلام داخلى ويقين بأنك ستصل للحل وستجد طرفى الخيط.
الماهرون فى الجبر منضبطون بالفطرة، ليست لديهم أحلام أو ضغوطات تؤرقهم، ما يسعون إليه سيجدونه حتى لو احتاج حل المسألة إلى صفحة كاملة.
الماهرون فى الجبر ليسوا نجومًا أو قادة بل هم صيادون بشباك مغزولة، يفردونها على سطح النهر والقارب يتحرك رويدًا رويدًا وهم مستمرون فى فرد الشباك، لا يغفلون ولا يتغافلون، ينفذون ما عليهم والسمك سيعرف طريقه للشباك.
هل كنت أحب الجبر؟ أتذكر أنى حصلت على الدرجة النهائية فى أول امتحان للجبر فى الصف الأول الإعدادى، ثم انتقل مدرسنا الذى يشبه اسمه اسم بطل قصة القلب الذهبى لجاذبية صدقى، كنا ندرسها وقتها، وجاء مدرس آخر، آخذ يطارد الزميلات اللاتى يأخذن درسًا عند مدرسنا السابق، لا أتذكر علاقتى بعد ذلك بالجبر، يحول بينى وبينه شاب نحيل، ثقيل الروح، مضطرب الثقة بالنفس، تتفلت منه رموز الجبر، السين والصاد والعين، فلا تستقر فى ذهنه ولا يفلح فى توصيلها لنا.
مدرسو الرياضيات الذين قابلتهم فى حياتى معظمهم ماكرون، يشبهون رجال KGB، دائمًا يخفون طريقة، قاعدة، إشارة، دليلًا يقود إلى الحل، يتركوننى أتخبط أمام حذف التعابير المتشابهة من طرفى المعادلة، وجمع الحدود المتشابهة.
يدخل المدرس ويقول سنأخذ اليوم القسمة، ويبدأ فى الحل دون أن يوضح أن هناك أنواعًا عدة لقسمة المقادير الجبرية، وعندما أفشل فى حل اللغز، يخرج أصبع الطبشور ويكشف بزهو عما لم أعرفه وجعل اللغز أمامى «أبكم وأصم».
مريم لا تحب الجبر.. لأنها تعيش حياة سهلة، لا تتحمل المطولات، ولا أن تركن جزءًا من المعادلة، تضعه فى أمان وتبدأ فى فك الجزء الآخر، وتعود تفك الجزء المركون ثم تدمجهما معًا. ليس لدى مريم حيرة فمحيطها ممتلئ بألغاز ومعلومات وعوالم على الإنترنت تشغل ذهنها، بمجرد ضغطة على زر، فكيف أجعلها تتعلم الصبر.. إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم. أراوغ الزمن المنساب دون فواصل وأستقطع مساحة ما بين حضن وعناق، وأسرسب لها قانون التوزيع فى الضرب، والتحليل بإخراج العامل المشترك الأكبر، تتجاوب معى، أوصيها كى تستعد لسفرية طويلة وأن كل مسألة تحتاج لصفحة بيضاء كاملة. أرجئ القسمة إلى ما قبل سهرة رأس السنة. وأثناء البحث عن الفيلم أو المسرحية المختارة للسهرة، والحديث عن التقنيات الحديثة فى العروض ودور الكمبيوتر فى الأفلام ثلاثية ورباعية الأبعاد سأمرر لها إشارات عن الخوارزميات، أساس علم الكمبيوتر، وعن «محمد بن موسى الخوارزمى» مؤسس الخوارزميات ومؤسس علم الجبر، وكيف طور طرقًا سريعة لمضاعفة الأرقام وقسمتها، وإليه يُنسب اختراع الصفر، إذ قام باقتراح وضع دائرة صغيرة فى الحسابات إذا لم يظهر عدد فى منزلة العشرات. وقد توافق مريم، فى حماسة البحث عن الطريقة التى اخترعها الخوارزمى لكتابة الأرقام العربية معتمدًا على عدد الزوايا فى كل رقم، على أن نشاهد معًا على قناة يوتيوب دروس القسمة المطولة وقسمة مقدار جبرى على مقدار جبرى آخر. هل أطلقت لخيالى العنان..؟ لا بأس.. وهل نملك اختيارًا أمام الجبر؟