رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبحث عن الرجل الذى يفرحنى فى المساء



فى لحظة خارجة عن مدار الأرض والمنطق دخلت إلى مصيرى المعتم فى عينيه، لا خبرة عندى ولا دليل فى طريقى الملغم بالسواد ورقصات الأشباح، لا زاد معى ولا ماء ولا قطرة من كبرياء، رحلة وعرة الدروب خاصمها الشجر هجرتها متعة الترحال وسحر السفر.
على تنهيدة غجرية الايقاع استيقظت ذات صباح على شدو قلبى: "أحب هذا الرجل".. وقف الجميع ضدى. انضمت نفسى إلى جبهة الناس، عاتبتنى قائلة: "كيف أهون عليكِ إلى هذه الدرجة؟ كلهم معهم حق، إنه هاوية لا قرار لها؟
أنا وحدى بقلبى فى معركة شرسة غير متكافئة ضد مدار الأرض والمنطق، أنا وحدى بقلبى ضد كل الناس وضد نفسى، أنا وحدى بقلبى أقف فى صفه ضد العالم، أزهو بحماقتى ويطربنى إلى حد الانتشاء غبائى.
الأشياء كلها تنبئ أنى فى صفقة خاسرة راهنت عليه بعمرى الباحث عن عنوان، لعبت كل أوراقى، استخدمت كل فنونى لم يرحمنى وخسرت الرهان.
فى بدايات المساء يأتينى صوته عبر الهاتف: أين أنتِ؟ اتصلت مرات ولم أجدك. أحدث شئ لا أعرفه؟ ما رأيك هل نسهر معا الليلة؟.
تغمرنى الفرحة فلا أساله عن غرابة تصرفاته واختفائه أياماً تعبت من حسابها، أخاف أن أعاتبه حتى لا يحسنى قيداً على حريته أو عبئأ يثقل عواطفه.
موعدى معه يعيد إلى وجهى أحلى ملامحى، على موسيقى راقصة أرتدى أجمل أثوابى أتعطر بأشواقى الجامحة إلى لحظة القرب منه، يلقانى مرحباً فأحس أنه قسمتى ونصيبى من الرجال.
يصافح ارتعاشه يدى بحرارة تقول: أننى المرأة التى طالما انتظرها وتمناها، بحنان يفزعنى يسألنى: ماذا تشربين؟
أقول: أى شئ نتقسمه معا يروى ظمأى.
نشرب معا حتى ندرك حكمة العشق وسر الكون، فى دهشة تتطفل نظرات الناس على مائدتنا المنزوية، تتساءل العيون كيف الفرحة بين رجل وأمراة ممكنة فى زمن القبح والعداء؟
تطول سهرتنا, وتقصر المسافة بين اشتياقى وسحر عينيه، يقصر أخر حاجز بيننا وبين الجنون.
يقترب أكثر ويقول: ما أحلى الليلة.. أنا وأنتِ والموسيقى وهذا المشروب الجميل ماذا ينقصنا؟ أقول: ينقصنا الكثير والكثير.
يسألنى فى جرأة مرتبكة: أتعتقدين كذلك؟
قلت: أجمل الأشياء تلك لم تحدث؟.
يأخذ رشفة متعجلة ويقول: أخالفك الرأى.. أجمل الأشياء ما عشناها أما الأشياء التى لم تحدث فلا تعنيني.
يفاجئنى بكل رقة واشتياق: أحبك وأنتِ تعرفين ذلك وأنا أعرف أن قلبك معى، لماذا سكتى؟ لماذا تتجاهلين الأمر؟ أحبك منذ اللقاء الاول.. كفانا ما ضاع من الوقت لابد أن نفعل شيئا تجاه هذا الحب الجارف حبنا قدرنا ولا مفر من القدر.
كلامه عن الحب يعيد إلى قلبى دقاته المفقودة، الحنين المطل من عينيه يصالحنى على دنيا أدمنت عنادى يحملنى صوته العذب إلى مدينة كل أهلها من العشاق مدينة تشع بالخير والضياء نهارها شعر وليلها غناء.
سمعت كلمة الحب كثيراً لكن "أحبك" منه أسمعها كأنها المرة الأولى، ينطق كل حرف بسخاء وعمق وشوق يذيب المحال ويفتح مسام العمر.
"أحبك" منه ليست كلمة وإنما عزف بارع على أوتارى المنسية فينهى الخصام الطويل بينى وبين أنشودتى المبعثرة فى الفضاء.. يكررها "أحبك" فاكتشف أن الحب ليس إلا أنا و"هو". يحدث هذا فى سهرات المساء، أما الصباح فإنه قصة أخرى حين يمضى الليل إلى مثواه وتشرق شمس النهار يظهر رجل أخر، منْ هو؟ ومن أين جاء؟ لا أدرى.
مستحيل أن يكون هو الرجل نفسه الذى قضيت معه سهرتى بالأمس، بعد كل سهرة ينتظرنى فى الصباح رجل لا أعرفه، عبثاً أبحث عن ملامح الرجل الذى همس كلمات الحب ونطقت عيناه بالأشواق.. شئ ما يحدث له ما بين غفوة المساء وأشراقة النهار، هل أنا المخطئة صدقت كلام الليل الذى تذيبه شمس النهار؟
كرهت مجئ الليل وأصبحت أخاف السهر معه رغم أنه فرصتى الوحيدة، لا أحتمل أن أعرف رجلين كل منهما نقيض الأخر، لست أدرى, أى الرجلين هو؟ أى الرجلين أصدق؟ أخر شئ أحتاجه فى حياتى رجل يتذكرنى بالليل وفى الصباح ينسانى.
يا له من مأزق وقعت فيه امرأة تعشق النهار وتتألق مع نسمات الصباح، يا للمفارقة الساخرة, أنا المرأة حادة الذاكرة مع رجل بدون ذاكرة، المرأة "ابنة الشمس" مع رجل يخاصم النور.
وأسأله: ألا تتذكر شيئاً من سهرة الأمس؟
يقول: أحدث شئ غير عادى؟ هل صدر منى ما أغضبك؟
قلت: لا تشغل بالك.. لم يحدث شئ فى سهرة الأمس.
مضت شهور وأنا فى علاقة مع رجلين، حاولت أن أقرب المسافة بينهما، حاولت أن أجمعهما معاً فى جلسة ود لا جدوى لا أدرى ماذا أفعل.
ممزقة بين رجلين، أريد رجل المساء الذى يسمعنى أحلى الكلمات ويغمرنى بالحب والأشواق. ماذا أفعل وتعاقب الليل والنهار حقيقة من حقائق الكون؟ كيف لى أن أتشبث برجل المساء والسهر وأبقيه حتى خيوط النهار؟ كيف أعقد الصلح بين الرجل الذى يحبنى وبين الضياء وزرقة السماء؟
كم أهفو إلى كلمة "أحبك" منه ممتزجة بأشعة الشمس وتغريد الطيور.
أتيته مرة قائلة: إذا أردت أن تقول لى كلاماً هاماً قله فى الصباح، يكفينا فى أمسيات السهر أن نقضى وقتاً سعيداً لن أخذ أى شئ تفعله أو تقوله فى المساء مأخذ الجد.
وكان رده: مع أننى لا أفهم.. لكن إذا كان هذا ما تطلبين أوافق.
وتأتى أمسيات السهر بالقصة نفسها، فى المساء يحبنى يرعانى وتفيض مشاعره على روحى المتعطشة لقطرة حنان، وفى الصباح يلفظنى يتجاهلنى وتضن مشاعره بأبسط الكلام، لو كان الأمر بيدى لأعلنت راية العصيان، لو كان الأمر باختيارى لرفضت الرجلين معاً، رجل المساء ورجل النهار.. لكنه قلبى الذى يجبرنى على البقاء معه.
قلبى الذى سأم الأحزان ومعه ذاق طعم الفرحة فرحة ناقصة مجهضة لا تزورها الشمس، لكنها ويا لشقائى فرحتى الوحيدة، إنها تلك الفرحة التى يملكها ضدى، هى سلاحه الذى يشهره فى وجهى، فرحة لا يقدر عليها سواه، ويدرك جيداً أنى أحتاج فرحتى معه ولا أملك شيئاً , إلا الإختفاء بعض الوقت وسريعاً إليه أعود.
لمنْ أنحاز لفرحتى أم لراحة بالى؟
فى بداية المساء , يأتينى صوته عبر الهاتف: أين انِت؟ اتصلت مرات ولم أجدك مرات؟ أحدث شئ لا أعرفه؟ ما رأيك هل نسهر معا الليلة؟
منْ يلومنى لو استعدت أحلى ملامحى على موسيقى راقصة ارتديت أجمل أثوابى تعطرت بأشواقى الجامحة إلى لحظة القرب منه وسارعت إلى لقياه؟
منْ يعاتب قلبى؟ الذى سأم الأحزان ومعه ذاق طعم الفرحة، فرحة ناقصة، مجهضة، لا تزورها الشمس، لكنها ويا لشقائى فرحتى الوحيدة.