رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اجتمعت الذئاب على مائدة اللئام فى ماليزيا


فى العاصمة الماليزية، كوالالمبور، التقى الأسبوع الماضى، ممثلو نحو ٢٠ دولة إسلامية، من أجل ما ادعوا أنه مناقشة للقضايا التى تثير قلق المسلمين حول العالم.. حضره رءوس الشر الثلاثة فى المنطقة، رؤساء تركيا وإيران وقطر، وقررت السعودية عدم المشاركة، لأنها ترى أن هذه القمة ليست الساحة المناسبة لطرح القضايا التى تهم مسلمى العالم، البالغ عددهم ١.٧٥ مليار نسمة، فيما يرى بعض المراقبين أن قمة «منبر الدول الإسلامية» هذه، محاولة لاستبداله بمنظمة التعاون الإسلامى ومقرها جدة، فى ظل تصريح مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزى، بأن الدول الإسلامية فى قمة كوالالمبور، «ستشكل منصة جديدة لتحل محل منظمة التعاون الإسلامى»، التى يرى أنها «فشلت فى حل المشاكل التى يواجهها المسلمون فى العالم».
لا أدرى أين ذهبت حصافة الرجل المخضرم، صاحب التجربتين السياسية والاقتصادية الناجحتين فى بلاده، وكأنه لا يدرى حجم التشرذم الذى صنعته الحليفات الثلاث، إيران وتركيا وقطر، فى بلدان المنطقة، وكانت وراء صناعة «الإسلاموفوبيا»، التى يعانى منها العالم، وهى من ينطبق عليها المثل الشعبى «حرسوا الديب على الغنم»، لأنها سر مأساة العالم العربى الآن، خاصة أن الدور القطرى، أصبح الأخطر فى عقد التحالف الشيطانى وتوثيق عراه، بعد أن جاهرت به الدوحة، وخرجت من مرحلة التآمر فى السراديب المظلمة إلى التفاخر بسلوكها المخزى، ويحاول الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، الخروج من بوتقة الحصار على بلاده، فيما وجدها أردوغان فرصة لهروبه من هزة اقتصادية عنيفة تعصف ببلاده، ومحاولته الرد على توترات علاقته بدول الاتحاد الأوروبى. ورغم التنافر الواضح، بل التضارب والتعارض، فى المنطلقات السياسية والأهداف والمصالح، بين أطراف هذا التحالف، فإن ما يجمع بينها أن مصالحها تلتقى عند نقطة هدم الدول العربية، وإضعاف كيانها إلى الحد، الذى يجعلها لقمة سائغة لتنفيذ مخططات الاستتباع والهيمنة.. لكن ما دعانى للكتابة عن هذا المؤتمر المشبوه، هو ذلك المخطط القطرى لتوظيف المال السياسى وثروة الشعب القطرى، فى تغيير المواقف والاتجاهات السياسية لبعض الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، وتناقض تميم بن حمد مع نفسه فى كوالالمبور، حيث طالب «بعدم التدخل فى شئون الدول»، مع أنه يدعم الجماعات الإرهابية فى ليبيا وسوريا، والعديد من دول القارة الإفريقية، وقال خلال كلمته: «إن العدالة من أهم الشروط للتسوية فى مناطق الصراع»، وتابع: «مشروع المحاور عالميًا، يجعل البعض يتنبى مجرمى الحرب، ممن ارتكبوا جرائم ضد شعوبهم بوصفهم حلفاء»!، ثم يمارس الفبركة والأكاذيب وتزييف الحقائق، فرغم التظاهر برفض دعم الجماعات المتطرفة والإرهابيين، إلا أنه يؤوى إرهابيين ومطلوبين فى بلاده، فضلًا عن استمرار انتهاكاته وتجاوزاته فى ملف حقوق الإنسان وعدم التزامه بالحريات.. فقد كشفت صحيفة «تليجراف» البريطانية عن وثائق تثبت استمرار تواصل مسئولين قطريين مع التنظيمات الإرهابية والدول الراعية للإرهابيين، وتؤكد تعاون القطريين مع الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله اللبنانى، كما أنه بارك ودعم الاعتداء التركى على شمال سوريا.. وحسب الوثائق التى نشرتها الصحيفة، فإن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دعت قطر إلى وقف تمويل الميليشيات الموالية لإيران، بعد الكشف عن رسائل إلكترونية تفضح العلاقات الودية بين الدوحة والجماعات الإرهابية فى الشرق الأوسط.. واستهجنت الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الإنسان فى بريطانيا وأوروبا، تهديدات الدوحة الخطيرة بإبادة القبائل القطرية بالغازات السامة فى حال تحركها ضد النظام القطرى، والتى جاءت عبر تصريح بثته قناة قطر الرسمية، لمستشار أمير قطر محمد المسفر يوم ٩ أكتوبر ٢٠١٧، وطالبت الفيدرالية والمنظمة المجتمع الدولى بالتدخل لمنع ترجمة التهديدات إلى أفعال حقيقية، وتسليط الضوء على تهديدات الإبادة التى نقلتها القناة القطرية الرسمية، فى ظل سياسة القمع التى تمارسها سلطات قطر فى حق المعارضين ونشطاء الرأى على أرضها، باعتقالات بالجملة، وتنكيل بكل من يفتح فمه برأى مخالف لدولة الحمدين، وقد امتلأت سجون الدوحة بالمعارضين وشيوخ القبائل، وهى ممارسات لم يعهدها شرفاء القبائل القطرية، وتنسف ما قاله فى ماليزيا عن: «نحن نطالب بالعدالة والحكم الرشيد فى داخل الدول».
تميم الذى يتحدث عن القضية الفلسطينية، لم تحاول بلاده إخفاء دفء علاقاتها بإسرائيل، والاحتماء بها، بل سعت لتوطيدها، من خلال محاولات تميم لقاء اللوبى الصهيونى بالولايات المتحدة، وقد استفادت الدوحة من عملية السلام التى كانت جارية بين الفلسطينيين وإسرائيل، لتعلن عن افتتاح مكتب تجارى إسرائيلى فى العاصمة القطرية، عام ١٩٩٦، افتتحه رئيس الحكومة الإسرائيلى آنذاك شمعون بيريز، كما تم التوقيع على اتفاقية لبيع الغاز القطرى إلى إسرائيل، وإنشاء بورصة الغاز القطرية فى تل أبيب، ثم يأتى تميم فى كوالالمبور للقول: «الطرف الذى يرفض الانصياع للإرادة الدولية والقانون الدولى، ويرفض عرض السلام العادل ولو نسبيًا، هو إسرائيل»!.. ومع أنه طالب «بعدم التدخل فى شئون الدول»، فإن أغلب المراقبين الأفارقة ينظرون لشأن القارة السمراء، بكثير من التوجس والريبة للحضور القطرى المكثف والمتنامى فى المنطقة الإفريقية، حيث لا تكاد تخلو دولة هناك من وجود قطرى، ظاهره الاستثمار وباطنه زرع بذور الفوضى والفتنة وعدم الاستقرار.. وقد امتطت قطر صهوة المال السياسى والاستثمار الاقتصادى، بأرقام فلكية تفتح الشهية الإفريقية، للوصول لأهدافها المعلنة وغير المعلنة، من خلال ما عُرف بـ«جولات الحقائب»، إشارة إلى المليارات، التى تضخها فى بعض النُخب والجهات الحكومية والسياسية، فى أى بلد إفريقى يزوره الأمير القطرى، أو ساعده الأيمن، وزير خارجيته السابق حمد بن جاسم، مسنودة بالذراع الإعلامية الطويلة، التى تهش بها على هذه الدولة أو تلك، نبشًا فى شئونها الداخلية لتثير لها القلاقل والإشكاليات السياسية، إذا لم ترضخ للمطالب القطرية، مثل بث قناة الجزيرة عددًا من التقارير المشوهة للوضع فى المغرب وتونس والجزائر وأخيرًا موريتانيا، كما وجهت قطر ترسانتها الإعلامية لغزو وابتزاز المنطقة الإفريقية، بقناة الجزيرة، التى لم تكتف بالبث العربى، بل أطلقت قناة باللغة السواحلية تستهدف قرابة مائة مليون نسمة فى جنوب وشرق إفريقيا، وتعمل منذ سنوات على إطلاق قناة ناطقة باللغة الفرنسية تبث من العاصمة السنغالية داكار، لاستهداف سكان غرب القارة السمراء.. هذا النفوذ القطرى المريب فى المنطقة الإفريقية، يؤكد أن أغراضه السياسية خطيرة على المنطقة. لقد أثبتت الأحداث، التى شهدتها ليبيا خلال السنوات القليلة الماضية، أن الدور التخريبى لقطر، كان الأبرز فى سلسلة التآمرات التى استهدفت إدخال ليبيا فى أتون حروب مصغرة، عبر الدعم الذى كانت وما زالت تقدمه الدوحة للفصائل المتحاربة هناك، بهدف إطالة أمد الحرب وإبقاء البلاد مشغولة بتداعياتها حتى الآن، حيث تقدم الدعم المالى الضخم والتسهيلات اللوجستية الكبيرة، بالإضافة إلى الدعم الإعلامى، لأن هذه التنظيمات الإرهابية ليست مهمتها إحداث فوضى فى الداخل الليبى فحسب، بل الإضرار بجيران ليبيا، مثل مصر وتونس، ولكن أثبتت التجارب التى مرت بها المنطقة خلال عقود، أن كل المُقامرين وأصحاب مشروعات التخريب، التى استهدفت العالم العربى، قد انتهوا إلى أسوأ عاقبة، وأن تحالفات مصر والسعودية والإمارات والبحرين، كان يُكتب لها النصر دائمًا، لأنها تعمل من أجل البناء والاستقرار والاعتدال والتنمية، وعلى قطر أن تنظر إلى مصير من سبقوها وكرسوا جهودهم للتخريب، فالعاقل من اتعظ بغيره، إن كان ما زال فى الدوحة من يعقل!
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.