رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة عاجلة إلى الرئيس


سيادة الرئيس والزعيم والقائد عبدالفتاح السيسى، آثرت أن أخاطبك بالصفات التى منحها الله لك، فقد كان تفكير الناس يسير فى مسار، وإرادة الله تسير فى مسار آخر، تفكير الناس لم يضع اسمك فى طريقه، ولكن إرادة الله وضعت اسمك، ففكر الناس فيك فأصبحت أنت الرئيس والقائد والزعيم «والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».
إذا كان القائد يجب أن يكون فى الأمام، فإن الزعيم يجب أن يكون فى الأعلى، فى قمة الجبل يرشد شعبه للمسار الصحيح، وقد اضطلعت أنت بتلك المسئولية التى تعجز الجبال عن حملها، ولذلك ما زلت أذكر ما طلبته سيادتك من الشعب أن يكونوا معك شركاء فى حمل المسئولية، أما عنى فقد قدمت ما أستطيعه، والعمر يتسرب بين أيدينا مثل الماء، ولم يبق لى إلا رمق الحياة الأخير، وليس أمامى إلا أن أكتب لك أقل ما أستطيع كتابته، ذلك أن المهام الجسيمة التى اضطلعتَ سيادتك بها لن تعطيك وقتا كوقتى، فالوقت عندى رفاهية مرتبطة بحركتى فى حياتى، أما الوقت عندك فضرورة مرتبطة بحركة حياة شعبك واحتياجات أمتك، لذلك سأختصر قدر الاستطاعة.
سيادة الرئيس، عبر سنوات عمرى، تكونت لدىَّ عدة قناعات، كان منها أن المساحات التى لن تملأها سيملأها غيرك، فحركة الحياة ليس فيها فراغ، بل فيها تدافع وصراعات، وما زلت أتذكر أحد لقاءاتى معك حينما قلتَ لى: إن التدافع سنة من سنن الله فى الكون، ثم قرأتَ قول الله تعالى «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض...»، وكان مجمل حديث سيادتكم يومها عن التدافع بين الحق والباطل، وكيف أن المؤامرات تحيط بنا من كل جانب، وأننا الآن وسط صراع لا مثيل له فى التاريخ، ويقينى أنك تعلم أن الصراع لم يكن وليد اليوم أو أمس، ولكن جذوره تمتد لسنوات طويلة، بل إن حركة حياة الإنسان منذ بداية وجودنا فى الكون قد ارتبطت بالصراع، فإبليس الذى توعدنا قال لرب العالمين إنه سيقعد على صراط الحق دائما ليجعل الإنسان يحيد عنه «لأقعدن لهم صراطك المستقيم» والقعود غير الجلوس، فالقعود يكون فيه ثبات، والجلوس تكون فيه حركة، وإبليس لا يريد أن يتحرك من الصراط المستقيم أبدا ليجعلنا ننحرف عن طريقه.
ومن يدير الصراع اليوم ضدنا أعد عدته منذ سنوات بعيدة، وقد أحكم مؤامراته بعناية فائقة، وللأسف ظل بعضنا عبر سنوات مضت لا يؤمن بنظرية المؤامرة، حتى إن البعض جعلها مجرد فرضية قد تقبل العكس، فى حين أنها كانت تحيطنا من كل جانب، هى ليست نظرية ولكنها حقيقة، وأنت تعلم قبل أى واحد منا حقيقة تلك المؤامرة، وباختصار أقول إن المؤامرة جزء من إدارة الصراع فى العالم منذ بدء الخليقة، صراع على أمرين: الاستحواذ على النصيب الأكبر من الثروة، والتمتع بأكبر قدر ممكن من السلطة، ووسائل المتآمرين الجدد أكثر تعقيدًا، فقد استطاعوا تجنيد جماعات متطرفة وقاموا بتوظيفها لكى تهدم جسم الدولة من داخله، وقد كتبت من قبل إنهم «خلايا سرطانية تجتذب أنصارها عن طريق التلاعب بالمشاعر الدينية»، ولأن إدارة الصراعات وكسر المؤامرات لا تلزمها «عناصر معنوية» فقط، كالتكاتف وإدراك ما يدبره الآخرون لنا، وإنما تحتاج أيضا إلى رغبة وقدرة على تجميع قوى المجتمع، ليس فقط لصد المؤامرات، بل لنجبر الواقع بكل ملابساته ومؤامراته وصراعاته على الوصول إلى ما نريد.
وكلنا يا سيادة الرئيس يعلم أن مؤسسات الدولة المصرية ظلت فى عهود حكم سابقة تنظر للإخوان وهم يقيمون دولتهم داخل الدولة نظرة الشريك فى الحكم، ثم أخذت تلك المؤسسات فى عصر مبارك تعقد مع الإخوان صفقات وراء صفقات، ثم تدخل معهم فى علاقات تجارية ومصاهرات، وتركتهم يتغلغلون فى كل مؤسسات مصر، فى التعليم والإعلام والنقابات والأندية والجمعيات وهلم جرا، وعندما وقعت الواقعة أدرك الكل أنهم مسئولون فبحثوا عن الحلول التى تكفل لهم استئصال شأفة الإرهاب، فلم يجدوا إلا القانون والمواجهات الأمنية، وإذا كان بإمكان المواجهات الأمنية أن تُحَجِم حركة الإرهابيين إلا أنها لا يمكن أبدًا أن تقضى على الإرهاب نفسه، وإذا كان بمقدرة القانون أن يحاصر الإرهابيين ويجفف منابع تمويلهم، إلا أن كل هذا قد يضيع عبثا إذا كان القائم على تنفيذ القانون «أعمى» لا يُفَّرِق بين الصالح والطالح، الإرهابى والوطنى، الخائن والأمين، ولكن أحيانا تجرى الرياح بما لا تشتهى السفنُ، وأفلت بعض دهاقنة الإخوان من أى ملاحقة، ولا يزالون فى إفلاتهم ينعمون، ووقع فى حوزة جهات الأمن عشرات الأبرياء، وطالما وقع سهم القانون فى صدر البرىء فلن يكون هناك استقرار، بل سيصبح القضاء على الإرهاب والإرهابيين بالأساليب الحالية هو من ضروب الخيال، أو مجرد خرافة من الخرافات التى نسلى بها أنفسنا، لأننا باختصار سنصنع بأنفسنا دوائر تكره النظام، وتعاديه، وتستقبل كل الترهات والشتائم التى يوجهها الإخوان ضد مصر وضد سيادتكم بفرح، لأنه سيشفى صدورها، ألم يحن الحين يا فخامة الرئيس لفض هذا الاشتباك الذى ليس له أى ضرورة؟ ولا يزال يا فخامة الرئيس بعض أصدقائى من الذين تركوا الإخوان ووقفوا ضدهم بكل قوة يعانون من مؤسسات الدولة التى يعملون بها، حيث إن التقارير الأمنية القديمة كانت تصنفهم بأنهم إخوان، فلذلك يتم إبعادهم من أى ترقيات فتعتمل فى نفوسهم الآلام ويشتد فى قلوبهم الغضب من الدولة قاطبة، وكثيرًا يا سيادة الرئيس ما تتم مواجهة هؤلاء أثناء مقابلتهم للجهات الأمنية بمقولات ساذجة من عينة أنه «لا أحد ينشق عن الإخوان» ويعلم الله أننى ما كتبت هذا سلفًا إلا لأنه بعض ما يجيش فى صدرى، وبه أعبر عن الذى يجيش فى صدور هؤلاء الأصدقاء، واعذرنى يا سيادة الرئيس حين أقول لك إن الشعب لم ينتخب وزير الداخلية ولا وزير العدل، ولكنه انتخب الرئيس عبدالفتاح السيسى، فإذا وقع خطأ من الأجهزة لن يغضب المظلومون منهم، لأنهم لا يعرفون إلاك، لذلك سيغضبون منك فى الوقت الذى نريد فيه تجميع الكل ليكون على قلب رجل واحد لا يعبث بعقولهم أحد، ولا يستغل غضبهم اتجاه، وإذا كانت المشروعات العظيمة التى قدمتها لمصر منذ أن جلست على كرسى الرئاسة قد استوعبت طاقات آلاف الشباب، إلا أن المشروعات وحدها لا تكفى إلا إذا صاحبها مشروع سياسى وفكرى تتبناه الدولة يستهدف إعادة بناء الشخصية المصرية لتكون شخصية مبدعة.
ولذلك أعود إلى أصل الفكرة وهى ضرورة مواجهة الإخوان، فكريًا، وإعلاميًا، وفنيًا، وتعليميًا، وأظن وبعض الظن حق، أن هذا الأمر يحتاج إلى كيان قوى لديه منظومة فكرية مستنيرة، وإلى رأس يقود تلك المنظومة، وفى مصر عباقرة يمكن أن يقدموا الكثير فى هذا الأمر، بعضهم من أساتذة الجامعات، وبعضهم من فلاسفة هذا العصر ومن كبار المفكرين الذين يواجهون التطرف، المهم أن نبدأ لأننا تأخرنا كثيرًا، ونحن فى سباق، فإما أن يسبقنا فكر الإرهاب ويسيطر على عقول الناس العاديين، وإما أن نسبقه ونطهر عقول الناس منه.
أقول قولى هذا وأسأل الله لك السداد والفلاح والنجاح، فنجاحك نجاح لأمتك.