رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طالبان تحتفل.. وتتفاوض!


بعد طول انتظار، وبعد تأجيلات عديدة، بمبررات مختلفة، أو مختلقة، أعلنت رئيسة لجنة الانتخابات «المستقلة»، فى أفغانستان، النتائج الأولية لانتخابات الرئاسة، التى جرت فى ٢٨ سبتمبر الماضى. أما النتائج النهائية، فلن يتم إعلانها، على الأرجح، قبل بضعة أسابيع، ليس انتظارًا للانتهاء من فحص الطعون، كما يُقال فى مثل تلك المناسبات، ولكن إلى أن يتم التوصل إلى تسوية مع الخاسر الأبرز، عبدالله عبدالله، أو ترضيته، كما حدث فى الانتخابات السابقة!.
النتائج الأولية التى أعلنتها اللجنة «المستقلة»، قالت إن أشرف غنى، الرئيس المنتهية ولايته، حصل على ٥٠.٦٪، مقابل أقل من ٤٠٪ لعبدالله، وتقاسم ١٦ مرشحًا آخرين النسبة الباقية. وبالتالى، وحال تأكيد تلك النتائج، فلن تكون هناك جولة ثانية، وسيستمر «غنى» رئيسًا لولاية ثانية. الأمر الذى يرفضه عبدالله، متهمًا لجنة الانتخابات «بالوقوف إلى جانب المزورين»، ومؤكدًا بكل حسم فى كلمة تليفزيونية: «لا شك فى أننا فزنا فى الانتخابات». غير أن غنى لم يلتفت إلى ذلك الرفض أو هذا التأكيد، أو إلى ما سبقهما من وعيد وتهديد، ودعا الشعب إلى الاحتفال «بانتصار الأمة»، ووعد بتشكيل حكومة «تليق بهذه الأمة العظيمة»!.
تلك هى رابع انتخابات رئاسية أفغانية، منذ إطاحة الولايات المتحدة بحكم «طالبان» فى ٢٠٠١، والثانية التى يتنافس فيها أشرف غنى، وعبدالله، بعد انتخابات ٢٠١٤ التى شكك الأخير، أيضًا، فى نتائجها، ولم يعترف بها، إلا بعد أن تمت ترضيته بمنصب رئيس السلطة التنفيذية، أو الرئيس التنفيذى لحكومة الوحدة. وأتمنى ألا تسألنى «يعنى إيه؟»، لأننى «مش عارف»!.
فى أول رد فعل لها على نتائج الانتخابات الرئاسية، أو استجابة لدعوة «غنى» بالاحتفال «بانتصار الأمة»، قامت حركة «طالبان» بتفجير قنبلة، خلال مرور جنازة فى ولاية لجمان، شرق العاصمة كابول، ما أدى إلى مصرع ثلاثة وإصابة تسعة آخرين. كما أعلنت الحركة، مساء الإثنين، عن قيام مقاتليها بتفجير آلية أمريكية فى شار دارا، بإقليم قندوز، أسفر عن مقتل جندى أمريكى وإصابة آخرين. وكان لافتًا أن ينفى الجيش الأمريكى مسئولية الحركة، أو غيرها، عن الحادث، وأن يرجع مقتل الجندى إلى انفجار مخزن أسلحة كان يتفقده!.
محاولة الجيش الأمريكى نفى مسئولية طالبان عن الحادث قد ترجع إلى حرصه، أو حرص الإدارة الأمريكية، عدم إفشال مفاوضات «السلام» مع الحركة التى تم استئنافها، فى ٧ ديسمبر الجارى، بالعاصمة القطرية الدوحة. إذ كان الرئيس الأمريكى قد أعلن، بعد تسع جولات، أن المفاوضات باتت فى حكم «الميتة»، وألغى اجتماعًا بين الحكومة الأفغانية وممثلى الحركة، كان مقررًا أن تستضيفه الولايات المتحدة، فى سبتمبر الماضى، إثر هجوم شنته الحركة على قاعدة عسكرية أمريكية، فى كابول، أسفر عن مقتل ١٢، بينهم جندى أمريكى.
جولات المفاوضات التسع السابقة، التى انطلقت فى يوليو ٢٠١٨، وانتهت إلى لا شىء، استضافتها الدوحة أيضًا، وتحملت العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة تكاليفها: الإقامة والنقل والمصاريف، بعد أن رفض الكونجرس الأمريكى مقترحًا بإدراجها، مع مبالغ أخرى لقادة «طالبان»، تحت بند دعم أنشطة التسوية، لأن القانون يمنع تقديم دعم مادى للجماعات الإرهابية.
المهم، هو أن المفاوضات الأمريكية الطالبانية تم استئنافها. وكتب سهيل شاهين، المتحدث باسم المكتب السياسى للحركة، فى حسابه على «تويتر»، أن المحادثات كانت «إيجابية وجيدة»، إلا أن ذلك لم يمنع مقاتلى «طالبان» من مواصلة هجماتهم. وأمس الثلاثاء، أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية عن مقتل سبعة جنود فى نقطة تفتيش بمنطقة دولت آباد، شمال البلاد. وأعلنت «طالبان» مسئوليتها عن الهجوم، لكنها أكدت، كالعادة، أن عدد القتلى تجاوز العشرين، وأضافت إليهم ستة مصابين وأربعة أسرى.
هجمات «طالبان»، إذن، مستمرة، وأعداد ضحاياها، العسكريين والمدنيين، الأفغان والأمريكيين، فى تزايد، قبل وبعد استئناف المفاوضات. ولا تزال أفغانستان إحدى الوجهات الرئيسية للتنظيمات الإرهابية وأبرز ملاذاتهم الآمنة، حين تضيق بهم تركيا أو قطر. ومن المفارقات أن الفترة التى جرت خلالها «مفاوضات» السلام، بين الولايات المتحدة والحركة الإرهابية، شهدت مصرع أكبر عدد من القوات الأمريكية، منذ الإعلان عن انتهاء العمليات القتالية رسميًا سنة ٢٠١٤. كما شهدت الشهور التسعة الأولى من ٢٠١٩، مقتل نحو ٢٥٠٠ وإصابة أكثر من ٥٦٠٠ مدنى، طبقًا لتقديرات «يوناما» أو بعثة الأمم المتحدة فى أفغانستان.
من المفارقات، أيضًا، أو النكات، أن تجدهم يؤكدون أن أشرف غنى، بعد إعلان فوزه، سيحصل على شرعية تؤهله للتفاوض مع «طالبان». فى حين أن الحركة لا تعترف بالانتخابات، أساسًا، ولا بشرعية الحكومة الأفغانية، وترفض إجراء أى محادثات معها. ولهذا السبب، غالبًا، احتفلت بنتائج الانتخابات بالطريقة نفسها التى تدير بها المفاوضات: بالهجمات والتفجيرات!.