رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليفربول.. فخ الشمس المشرقة!


بفوزه الصعب على نادى فلامنجو البرازيلى، فاز نادى ليفربول الإنجليزى، مساء السبت الماضى، للمرة الأولى فى تاريخه، ببطولة كأس العالم للأندية. لكن، فى عز احتفاله باللقب وبحصول لاعبه، ولاعب منتخبنا الوطنى، محمد صلاح على جائزة أفضل لاعب فى البطولة، اضطر النادى إلى تقديم اعتذار للصينيين، الكوريين، الفلبينيين و... و... وغيرهم. وقد يضطر، أيضًا، إلى الاعتذار لليابانيين!.
قبل المباراة، نشر ليفربول مقطع فيديو تضمن لقطات من مباراته السابقة مع فلامنجو سنة ١٩٨١، وصورتين لـ«عَلَم الشمس المشرقة» مع عبارة «الانتقام قادم». وبعد نحو ٢٤ ساعة من انتهاء المباراة، وتتويجه باللقب، أصدر النادى بيانًا يعتذر فيه «لأى شخص ربما يكون قد شعر بالاستياء»، من هاتين الصورتين، مؤكدًا أنه بمجرد أن تنبه إلى هذا الخطأ قام فورًا بحذفهما. ووعد بأنه سيحرص على عدم حدوث مثل هذا الخطأ فى المستقبل!.
شعار الشمس المشرقة، عبارة عن قرص أحمر تخرج منه أشعة تمتد حتى أطرافه. وكان عَلَم اليابان، التى توصف بأنها «أرض الشمس المشرقة»، حتى اضطرت إلى تغييره، سنة ١٩٤٥، بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية. لكن مع إعادة إنشاء «قوات الدفاع الذاتى»، سنة ١٩٥٤، أعيد استخدام العَلَم ذو الـ١٦ شعاعًا رمزًا للقوات البحرية، واستخدمت القوات البرية عَلَما مشابهًا بـ٨ أشعة فقط. غير أن دولًا عديدة فى شرق آسيا ترى ذلك العَلَم رمزًا للاستعمار اليابانى.
العَلَم الوطنى اليابانى الحالى، احتفظ بالقرص الأحمر، أى الشمس، فى منتصفه، وتخلّى عن الأشعة. لكن العَلَم القديم، بأشعته، لا يزال شائعًا على المنتجات التجارية، وشعارًا لجريدة أساهى، Asahi، ثانى أكثر صحف العالم انتشارًا. كما أن «وسام الشمس المشرقة» ما زال هو أرفع الأوسمة اليابانية، منذ ١٨٧٥، وإلى الآن. وعلى ذكر هذا الوسام، نشير إلى أن منحه لغير اليابانيين بدأ سنة ١٩٨١، ونعتقد أن أول مصرى حصل عليه، كان المهندس إبراهيم سالم محمدين، وزير الصناعة الأسبق، رحمه الله. أما أحدثهم، فكان محمد رشوان، بطل لعبة الجودو.
الجدل بشأن عَلَم الشمس المشرقة، قديم ومتجدّد. وخوفًا من أنَّ تلوح به الجماهير طالبت كوريا الجنوبية، ولا تزال، بحظره خلال أوليمبياد ٢٠٢٠، المقرر أن تستضيفه العاصمة اليابانية طوكيو، أواخر يوليو المقبل: الدورة الأوليمبية رقم ١٢٥، التى انتزعت اليابان استضافتها، بـ٦٠ صوتًا، مقابل ٣٩ صوتًا حصلت عليها تركيا.
وزارة الرياضة الكورية الجنوبية طالبت، فى سبتمبر الماضى، اللجنة الأوليمبية، بحظر هذا العَلَم لأنه «رمز سياسى واضح يثير الذكريات المؤلمة لفظائع اليابان فى زمن الحرب»، وقالت، فى بيان، إنه مرتبط بـ«كوابيس» كتلك التى يرتبط بها الصليب المعقوف النازى بالنسبة للأوروبيين. غير أن منظمى أوليمبياد طوكيو رفضوا تلك الادعاءات، وقالوا إنهم لا يمكنهم حظر استخدام العَلَم، نظرًا لانتشاره على نطاق واسع فى اليابان، بالإضافة إلى أنه لا يحمل أى دلالات سياسية.
مع فشلها فى الحصول على تعهد من اللجنة الأوليمبية بحظر العَلَم، تبنى برلمانيون فى كوريا الجنوبية، أواخر أكتوبر الماضى، قرارًا يطالب بحظر استخدام العَلَم خلال الأوليمبياد، لأن «العَلَم الذى يرمز للحرب لا يناسب الألعاب الأوليمبية السلمية»، مستندين إلى أن الميثاق الأوليمبى ينص على «عدم السماح برفع أية شعارات سياسية أو دينية أو عنصرية فى أى موقع أوليمبى أو مكان انعقاد فعالية أوليمبية». وفى المقابل، أعلنت وزارة الخارجية اليابانية عن أنها ستُقوم بتحديث تفسيرها للعَلَم ردًا على حملة كوريا الجنوبية، ووصف الموقع الرسمى للوزارة العَلَم بأنه جزءٌ من الحضارة اليابانية، وأنه «مقبول على نطاق واسع فى المجتمع الدولى».
العلاقات بين الدولتين الجارتين متوترة منذ أن احتلت اليابان شبه الجزيرة الكورية، بين عامى ١٩١٠ و١٩٤٥. وهناك نزاع قائم على مجموعة من الجزر يطلق عليها اليابانيون اسم «تاكيشيما»، ومعروفة باسم «دوكدو» لدى الكوريين. لكن تدهور العلاقات فى الأشهر الأخيرة، بدأ بعد أن ألزمت محكمة كورية جنوبية الشركات اليابانية بتعويض عمال كوريين تم إجبارهم على العمل فى المناجم والمصانع اليابانية، خلال فترة الاحتلال. بينما تُصر اليابان على أنَّ معاهدة السلام التى تم توقيعها، بعد الحرب، قامت بتسوية الأمر. وردت على قرار المحكمة بفرض قيود على وارداتها من سيول، ما أشعل نزاعًا تجاريًا، جدّد النزاع الحدودى، وامتد ليشمل السياحة والألعاب الأوليمبية، ثم كأس العالم للأندية!.
اعتذار ليفربول عن استخدام «عَلَم الشمس المشرقة» فى الفيديو الذى نشره قبل نهائى مونديال الأندية، قد يكون امتدادًا لهذا الصراع، وقد يرجع إلى اعتراض أو استياء جمهور النادى من الكوريين، الصينيين، الفلبينيين أو... أو... أو غيرهم. وليس بعيدًا أو مستبعدًا أن تطالب اليابان، أو جمهور النادى فيها، باعتذار آخر: اعتذار عن الاعتذار!.