رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلبي ليس في جيبي.. رواية إحسان عبد القدوس عن فقر المشاعر

رواية قلبي ليس في
رواية قلبي ليس في جيبي

كانت سارة داكنة اللون، يبرز جمالها صف اللؤلؤ الذى بين شفتيها، والذى تنبعث منه ابتسامة فيها الكبرياء رغم الفقر والحاجة، قوامها الممشوق وخطواتها الثابتة الواثقة ووفرة ذكائها في جذب المتحدث إليه، جعل هدى هانم في أول لقاء بها تطلب منها أن تعمل لديها فى البوتيك الذى تبيع به متطلبات النساء، قالت سارة: ولكني ما زلت أدرس بالجامعة وليس لدي وقت كاف، قاطعتها هدى بإغراءات مادية لا يمكن مقاومتها، وبالفعل عملت سارة فى البوتيك وتركت الجامعة.

وكان الرجال الأغنياء يأتون من أجل هذه السمراء، لا تعرف هل هو عشق اللون لضده أم أنه حب الأمراء للجواري، كثير منهم اشترى لها فستانا هدية كى يراها ترتديه فى بيته، ولكن ذكاءها كان أكبر منهم جميعا.

ها هي تودع أمها وأشقاءها من أجل السفر إلى لندن لشراء متطلبات البوتيك برفقة هدى هانم، وما إن وطأت أقدام ساره أرض الإنجليز، تفتقت آمالها لتصبح عالمية الأحلام، ذهبت إلى محلات «مارك أند سيز» وعرفت بطريقتها الخاصة أن ممولها هو البكباشى عزت محروس المصري الهارب، فعرفته وعرفها وتعرفت أيضا على مايكل المسئول بمحلات «هارودز» ذاك الشاب الإنجليزى الوسيم، والذي لا يخلو من ميوعة البريطانيين وبرودهم، ولكنه قد يكون هو البوابة لتحقيق الطموحات الجامحة، شغلته بجمالها ولونها الأسمر في بلد ثلجي الوجوه، أيام قلائل وصار أسيرا لها.

ولما عادت إلى مصر، عاد مايكل خلفها وأشهر إسلامه وسمى نفسه محمد المهدى ثم تزوجا، عادت إلى لندن هذه المرة زوجة لرجل إنجليزى، فعملت سمسارة لمحلات «هارودز» تلتقط الخليجيات من الفنادق التى يقمن بها، ولكنها لم تكتف بمحل واحد بل شعبت علاقاتها مع أكبر محلات الملابس فى لندن، وبدأت الأموال تتدفق إليها من كل جانب، ثم التقت عبد النور رأفت الجواهرجي المصري، وكانت الخطابات مرسالا بينهما ليكون وسيلة لجذب المزيد من الأموال ليس أكثر.

زاد طموح وجموح وجنوح سارة، ورأت أن الطريق متاح ومباح لمال أكثر، وأن لندن بل وبريطانيا كلها أصغر من أحلامها، فاشترت محلا في سويسرا، وهناك التقت الشيخة رضوى وقريباتها الخليجيات اللواتي وهبنها المال جريا وراء الفراء والمجوهرات.

أصبحت ساره مليونيرة لها نفوذها لكنها تجاوزت الأربعين، ولم تحب وعلاقتها بمايكل ليست إلا حبرا على ورق، انفصلت عنه وعادت إلى مصر، بنت قصرا مشيدا واشترت أفخم السيارات، تقدم لخطبتها شريف رمزي ثم تركته لغطرسته أو لإحساسها بذاتها.

ظلت سارة بين جدران القصر، وحيدة تنظر من الشرفة تلو الشرفة إلى مشوارها الطويل، إلى غربتها، إلى أموالها وأرصدتها، إلى كل هذا الفراغ السحيق، سارة تملك جيبا مكتظا بالمال، وقلبا فارغا لايشغله قلب آخر، ولا يملأه حب يهدد المشاعر، ليس هناك فى حياة سارة حب ولا وكلمة رومانسية تداعب أنوثتها وتشعرها بقيمة الحياة التي تحياها، وظلت فى منطقة بين الحياة واللاحياة، ملايين من الجنيهات وفقر فى المشاعر، ولسان حالها يقول بعد طول الرحلة: ما قيمة كل هذه الأموال "قلبى ليس فى جيبى".