رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بـ اللغة العربية الفصحى



فى الإعدادية، كنت أحب أوى أوى، ألعب لعبة «من القائل؟»، دى لعبة ثقافية معرفية، أدبية تاريخية، اللى هو أنا وزميلى نتبارى «أى نتسابق»، فى معرفة قائل هذه الجملة أو تلك، مثلًا، أنا أقول له: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى».. فـ لو هو قال المتنبى، ياخد نقطة، لو قال اسم تانى، أو ما عرفش مين اللى قالها، ياخد صفر، وهكذا أنا أسأله عشر عبارات، وهو يسألنى عشر عبارات، ونشوف مين الكسبان.
مرة، كنت بـ ألاعب محمد بشندى، زميلى فى فصل ١١، فـ سألته، من القائل: «لكل فعل رد فعل، مساوٍ له فى القوة، ومضاد له فى الاتجاه»، فـ هو جاوب بـ ثقة: سيدنا عمر بن الخطاب.
طيب، سيبنا من بشندى واللعبة والإعدادية، انسى الحكاية دى كلها، وتعالى نروح حتة تانية خالص، ونسأل:
هل الطبيب هو الذى «قرر» إنه المعدة تهضم الطعام والقلب يضخ الدم؟
الإجابة: كلا.. الطبيب «يعرف» إنه المعدة تهضم الطعام، والقلب يضخ الدم، لكنه مش هو اللى قرر كدا، مين اللى قرر كدا؟ مفيش إجابة علمية، ممكن واحد يقول: ربنا، خلق الإنسان، وقرر جسمه يشتغل إزاى، ممكن تبقى الإجابة: الطبيعة، ممكن تبقى الإجابة: محدش قرر كدا، الإنسان تطور عن أسلافه، وأسلافه تطوروا عن أسلافهم، وهكذا، لـ حد ما نوصل لـ الانفجار العظيم، الأشياء تحدث، دون تدخلات أو تنظيم من قوى أعلى.
دى مسألة عقائدية، لكننا فى النهاية أمام وضع مؤكد بـ النسبة لنا، الإنسان له جسد، هذا الجسد يعمل بـ نظام ما، دور الطبيب إنه يفهم هذا النظام كما يحدث بـ الفعل فى الحياة، وبناء عليه يقول لنا نتصرف إزاى، عندما يعتل هذا الجسد، لـ إنه كما قال الحكيم الأرجنتينى ميسى: الجسد لا يرحم.
الحكاية دى مش بس فى الطب وجسم الإنسان، أى «علم» كدا، مش الفيزيائى هو اللى قرر إنه المعادن تتمدد بـ الحرارة وتنكمش بـ البرودة، هو فيه معادن، وفيه حرارة وفيه برودة، المعادن بـ يحصل لها كدا مع الحرارة، ويحصل لها كدا مع البرودة، الفيزيائى «يعرف» هذا.
بس فى عالم السيارات مش كدا، لـ إنه نظام العربية، فيه حد «اخترعه»، يعنى هو قرر إنه لما نحط بنزين فى الحتة دى، ونعمل ترس فى الحتة دوكها، وعصاية هنا وكاوتش هناك، هـ يبقى فيه «نظام»، والميكانيكى بـ يشتغل على هذا النظام.
فـ هنا فيه حد «قرر» القواعد.
لا برضه، صحيح هنا الوضع مركب شويتين، إنما برضه يظل الموضوع فى إنه هناك أشياء تحدث، لا دخل لنا بها ولا تحكم، زى إنه البنزين يشتعل، لكن لو حطينا ميه مش هـ تشتغل، فـ جه حد «فهم» كيف تعمل الأمور، وقدر يخلق من خلال هذا الفهم نظام ما، فى إطار النظام الأساسى لـ الأشياء.
دى عاملة زى طبيب التخدير كدا، أو صناعة الأجهزة التعويضية، أو نروح بعيد ليه، النضارة ذات نفسها، فيه نظام موجود بـ الفعل، مش إحنا اللى قررناه، لكننا فهمناه، كوننا أحيانًا بـ نتدخل، علشان نعمل نظام جوه النظام، لا يعنى إننا «قررنا» شىء، ما زلنا محكومين بـ«النظام الأساسى». أيون، إيه علاقة دا بـ عنوان المقال، وإيه علاقة دا بـ حكاية بشندى؟ أكيد فيه علاقة، وأكيد هـ نقولها، بس دا فى سلسلة مقالات فيها أفكار عن وضعية اللغة العربية، زمان ودلوقتى، فـ ابقوا معنا.