رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى أول عملية لتغيير الجنس.. إطلالة على فيلم "فتاة دنماركية"

جريدة الدستور

يتزامن اليوم مع إجراء تاريخ أول جراحة لتغيير جنس إنسان في العالم وكانت للدنماركي "جورج يورجنسن"، والذي تحول إلى "كريستين يورجنسن" 1952. وتعرف دائرة المعارف البريطانيّة مرض التحوّل الجنسي بأنّه: اضطراب في الهويّة الجنسيّة، يجعل المصاب به يعتقد أنّه من الجنس المعاكس، فالذّكر مثلًا يولد بأعضاء تناسليّة ذكريّة كاملة، وهو بالتالي ليس خنثى، لكنّه منذ سنّ مبكّرة جدًا يصنّف نفسه مع النساء، ويتصرّف كواحدة منهنّ، ويتطلّع إلى إنشاء علاقات مع الذكور باعتبارهم الجنس الآخر، فهو ليس مصابًا بالشّذوذ الجنسي.

ورغم أن المخرج "توم هوبر" لم يقدم لنا التاريخ المرضي لبطل فيلمه "الفتاة الدنماركية" إينار، والذي قام به إيدي ريدماين، وزرع في وعي المشاهد في المشهد الافتتاحي للفيلم، بأن زوجته "إيليشيا فيكاندير" قد أوحت له وغذت فيه الإعلان عن رغبته الجنسية كأنثى، وهي تتأمل ملامحه وترسمه نائمًا: "متى أصبحت جميلًا هكذا". الزوجان يمارسان الفن التشكيلي، إينار ذائع الصيت تتهافت على لوحاته، الصالات الفنية لعرض أعماله، وفي إحدى الحفلات، حيث الموسيقي ووجوه النساء الناعمة، حيث العطور وملابس الحفلات الرسمية، يعرض إينار علي صاحب الجاليري الفني إقامة معرضة لزوجته جريدا، لكنه يعتذر ويطلب لوحات جديدة من إينار، تغضب جيردا وتنسحب، لكن إينار يشد من أزرها ويدعمها، لتحاول من جديد.

تتغيب عنها الموديل فتطلب مساعدة إينار، لترسمه بدلا من الموديل، وكانت تلك اللحظة التي تسفر عن الأنثى بداخل جسد الرجل عن هويتها، وفي واحد من أروع مشاهد الفيلم، وإينار يتخذ وضعية البالرينا بالجلسة الرشيقة يتحسس ملمس الثوب، تعكس نظرة عينيه افتتانه وتوقه، بإعلان هويته الجنسية، وهو مشهد تال لآخر كان يراقب فيه راقصة بالية، وكأنه يحسدها على تحرر الجسد الرشيق، الذي يتحول إلي أثير طائر أمام المرآة، يتسلل إلي مخزن الملابس، تكتنفه بهجة الأنثي وسط المئات من الفساتين والأردية الجميلة. نقل إيدي ريدماين، ملامح أنثي كاملة محبوسة داخل جسد رجل، في مشاهد عديدة، بكل تفاصيل الأنثي الخاصة، في اللفتات والحركات العفوية. في نظراتها للمرآة والتطلع لجسدها، في الحركة والسكون، في طريقة ارتداء الملابس والأحذية والإكسسوارات، وهو يتحسس قميص نوم زوجته، ويرتديه في خلسة منها أسفل ملابسه، في كل ما يخص الأنثي من الألف للياء.

تحظى جيردا أخيرًا بفرصتها لإقامة معرض في باريس، بعدما عرضت الاسكتشات الأولية التي رسمتها لزوجها على أنه فتاة تدعي لي لي، وتبدأ في التحضير له بلوحات كلها بطلتها "لي لي"إينار، ترسم لها عشرات اللوحات بمختلف الأوضاع، بملابس نسائية مختلفة الألوان والأشكال، تبتكر له طرق لوضع مستحضرات التجميل، يبلغان منتهى النزق، ويخرج إينار في ملابس لي لي، تصطحبه جيردا لإحدى الحفلات، علي أنه إحدى قريباتها التي تزورها، ينبهر بجمالها كل من بالحفل حتى النساء، وعندما تضبطه جيردا يقبل أحد الرجال في الحفل، لا تعترض وإن كانت قد أبدت امتعاضًا زائفًا، وحتى حينما ينجرف إينارلي لي في العلاقة مع ذلك الصديق، يرفض أن تكون العلاقة مثلية، فحينما همس باسمه هرب من المكان، فروح ومشاعر لي لي هنا هي التي كانت حاضرة، كانت تبتغي الوصال وتبادل الحب كونها أنثى، برجل وليس علاقة مثلية بين رجل ورجل آخر، وهو ما نقلته معالم الرعب التي تجسدت على وجهه حينما نداه"ستاندال"بــ إينار.

كان لا بد أن يلجأ الزوجان إلى طبيب متخصص، وبعدما يسأله عن مدة زواجه، وإن كانت علاقته الجسدية بزوجته طبيعية أم لا، يسأله أيضًا عن لي لي ولا يتقبل إجابة إينار: "من داخلي". الطبيب الجاهل شخص حالته بأنها اضطراب كيميائي، يخضعه للعلاج الإشعاعي، فهو معجزة تدمر السيئ وتنقذ الجيد. تلك التجربة تؤذي إينار وتدمره نفسيًا: "لقد آذيت لي لي" خاصة بعدما اتهمه الطبيب بأنه مجنون، وهدد الزوجين بفضحهما.

تقبل جيردا عرض السفر إلى باريس لتقيم معرضا للوحاتها التي رسمتها لــ" لي لي"٬ تنتفخ الذات الأنثوية وتتعاظم لدي إينار، من كلمات الإعجاب والولع بالموديل لي لي، وتوق زوار المعرض في لقائها ومرة أخرى تعكس ملامح إينار حتى وهو في زي الرجال زهوه وافتخاره بأنوثته. رويدا رويدا يرفض إينار العلاقة الجسدية مع زوجته٬ بل ويرفض لقاء صديق طفولته "هانز" كرجل٬ إنما يقابله بشخصية لي لي قريبة جيردا، والتي تطلب مساعدته في علاج زوجها، وفي حوارهما يلقي المخرج اللمحة الوحيدة، على لسان هانز وهو يخبر جيردا عن ولع واعتياد إينار ارتداء ملابس جدته وهو صبي صغير، تتصاعد الأحداث حتى يصل إينار لطبيب يشخص حالته بشكل دقيق، ويوافق على إجراء عملية التحول الجنسي، التي يدفع إينار حياته ثمنًا لها فنحن نتحدث عن عام 1920 لكنه حظي أخيرًا باختياره بأن يفارق الحياة كأنثى، يتلامس الفيلم مع أسطورة "بيجماليون"، فالزوجة التي تدعم زوجها في جميع حالاته ودعمت خياره الذي دفعته إليه دفعًا، حينما تلبستها نرجسية الفنان، وهوسه بالخلق، وقدرتها في إخراج لي لي للحياة  .