رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نظير عياد: نحتاج إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة.. وتعاون مع الجامعات لنشر التسامح (حوار)

جريدة الدستور

قال الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى المؤتمر، تعكس تقديرًا لدور الأزهر الشريف فى هذا الملف، وثقة فى قدرته على معالجة مشكلات الواقع فى ظل التحديات المعاصرة. ورأى «عياد» أن مؤسسة الأزهر الشريف، بقيادة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، حققت نجاحات كبيرة فى مجال تجديد الفكر الدينى، خاصة فى ملف المواطنة، الذى شهد التعاون مع الفاتيكان لإصدار «وثيقة الأخوة الإنسانية»، رافضًا ما يروج له البعض من تشدد، أو خروج على صحيح الدين تحت اسم «التجديد».

■ بداية.. كيف ترى اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بقضية تجديد الفكر الدينى ورعايته المؤتمر؟
- رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤتمر تجديد الفكر الدينى لها دلالات متعددة، من أهمها تقديره لدور الأزهر الشريف، وثقته فى المؤسسة الدينية وقدرتها على تلبية متطلبات الواقع ومعالجة مشكلاته، فى ظل التحديات المعاصرة.

والرئيس السيسى يعد واحدًا من أهم الداعمين والمطالبين بتجديد الخطاب الدينى بما يواكب متطلبات العصر الحالى، ونادى أكثر من مرة بضرورة الاهتمام بهذا الملف، وذلك منذ توليه الرئاسة فى عام ٢٠١٤.

وفى إطار الاستجابة لذلك، لبت الجهات الدينية فى مصر، على رأسها الأزهر الشريف، بقيادة الإمام الأكبر أحمد الطيب، هذه النداءات، وعقدت العديد من المؤتمرات والفعاليات واللقاءات التى استهدفت العمل على تجديد الخطاب الدينى، والخروج برؤى موحدة حول الأمر. والدعوة الأخيرة التى وجهها الرئيس السيسى، خلال الاحتفال بالمولد النبوى، خير شاهد على الاهتمام بهذه القضية، خاصة أنها صادفت إعداد فضيلة الإمام الأكبر مؤتمرًا دوليًا عن تجديد الفكر الدينى، فى مطلع العام المقبل.

■ فى تقديرك.. ما أهم الآليات التى يحتاج إليها ملف التجديد فى الوقت الحالى؟
- الفترة الحالية تحتاج إلى مجموعة من البرامج الهادفة لنشر الوعى بالفكر الصحيح، وذلك لحماية الناس بمختلف فئاتهم العمرية من الانحراف الفكرى، فى إطار المساعدة على بناء منظومة القيم والأخلاق، ومواجهة المخاطر التى تهدد ثقافة الفرد والمجتمع على المستويين النظرى والتطبيقى.

كما أن هذه الفترة تحتاج أيضًا، للاهتمام بالجانب التعليمى، وهناك خطوات جادة فى هذا المجال، ويكفى أن نلقى نظرة على المقررات الدراسية عبر المراحل المختلفة لنرصد استحداث بعض المواد التى تطرح القضايا المهمة بطريقة ملائمة للمراحل العمرية المختلفة، مثل مادة «الثقافة الإسلامية»، فضلًا عن المؤتمرات والندوات وغيرها.

وإلى جانب ذلك، علينا أن نعى أن لكل عصر خطابًا يناسبه. ومن واقع دور وأهمية الأزهر الشريف، فإن الفترة الحالية تحتاج للتركيز على كل القضايا التى تمس المجتمع بشكل مباشر، وذلك بلغة سهلة مبسطة تصل إلى الجميع.

كما أننا بحاجة إلى مزيد من المعالجات البحثية، والخروج برؤى ونتائج تسهم فى بيان الحقائق وتصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة الفكر المنحرف والمضلل، وحماية الشباب من كل ما شأنه أن يلوث عقولهم ويأخذهم بعيدًا عن الطريق المثلى.

ووفقًا لذلك، أطلق مجمع البحوث الإسلامية جلسات حوارية مستمرة حول الموضوعات والعناوين التى تدعم وعى الشباب والمواطنين وتحقق الأمن الفكرى، بمشاركة المؤسسات العلمية والإعلامية والأجهزة المعنية، وبهدف إنشاء جيل يعى قضايا وطنه وأمته، ويسهم فى مواجهة المخاطر التى تحيط بهما.

■ كيف تقيم دور الأزهر الشريف والإمام الأكبر فى دعم الخطاب الدينى المعتدل فى السنوات الماضية؟
- جهود فضيلة الإمام الأكبر فى هذا المجال واضحة جلية لا ينكرها أحد. فالجولات الداخلية والخارجية واللقاءات التى يعقدها فضيلته تشير إلى حرصه الدائم وعمله المستمر على بسط الأفكار الصحيحة والقضاء على الأفكار الشاذة.

وجولات فضيلة شيخ الأزهر الخارجية إلى مختلف دول العالم تأتى تأكيدًا لحرص الأزهر على تفعيل دوره العالمى فى إرساء وترسيخ دعائم السلام والتعايش المشترك بين الشعوب والمجتمعات المختلفة، وذلك فى مواجهة الإرهاب والتطرف الذى يحاول استخدام الدين للتشويش على عقول الناس وتضليل الشباب، من خلال المفاهيم المغلوطة التى تنشر باسم الدين.

■ إذن ما الخطوات العملية التى اتخذها الأزهر فى إطار جهود التجديد؟
- الخطوات كثيرة. فقد شهدت الفترة الماضية تنسيقًا بين قطاعات الأزهر الشريف من أجل تكثيف جهود المواجهة الفكرية للأفكار المتطرفة، وذلك من خلال خطاب مستنير يناسب الجميع على اختلاف ثقافتهم ودرجات تعليمهم.

واستهدفت خطة العمل التعاون مع جميع المؤسسات والهيئات المعنية فى الدولة والجامعات، من أجل العمل على نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمى وقبول الآخر، إلى جانب دعم الحوار الهادف والبنّاء، وتعزيز قيم الوسطية والاعتدال، وإيجاد حلول فعّالة للمشكلات المجتمعية التى تواجه مصر، والمخاطر التى تهدد أمن واستقرار الدولة.

فضلًا عن ذلك، شهدت الفترة الماضية تشكيل لجان علمية متخصصة لرصد القضايا الشائكة والجدلية، وأقيمت مراكز تهتم بهذه القضايا، على رأسها مرصد الأزهر العالمى، الذى يعمل على مدار ٢٤ ساعة لرصد جميع القضايا والمشكلات التى قد تعكر صفو المجتمع وتحاول هدم بنيانه، ثم دراستها وفق آليات البحث العلمى الصحيحة، وعرضها ومواجهتها بصورة تناسب الواقع وتحفظ بنيان المجتمع.

ولدينا مركز الفتوى الإلكترونى الذى يتولى الإجابة عن جميع الفتاوى، ونسعى من خلاله إلى تصحيح المفاهيم المغلوطة وإبراز حكم الله ومراده، مع مراعاة الأولويات وفقه الواقع، بالإضافة إلى مركز الترجمة ولجان المصالحات وغيرها.

ولدينا أيضا وحدتا «الوفاق الأسرى» و«لم الشمل»، والأولى تتبع مجمع البحوث الإسلامية والثانية تتبع مركز الفتوى، وكلتاهما تستهدف رأب الصدع داخل الأسر وعلاج المشكلات العائلية والمجتمعية.

■ هل تعتقد أن هذه الخطوات حققت النجاح المأمول على أرض الواقع؟
- ملف التجديد يضم موضوعات متعددة، منها قضية الاجتهاد وضوابطه، وقضايا المرأة وفقه الواقع وأحكامه، إلى جانب ملف المواطنة، ولقاءات الإمام وجولاته فى الداخل والخارج كانت خير شاهد على النجاح الذى تحقق فى هذا الإطار.

ويمكن القول إن الأزهر نجح بشكل كبير فى تجديد الخطاب الدينى ببعض هذه الملفات، خاصة ملف المواطنة، الذى يعد خير شاهد على ذلك النجاح، خاصة بعدما شهدته السنوات الماضية من تنظيم عدة مؤتمرات وندوات، منها: مؤتمر حول الإرهاب وخطره على السلم العالمى ومؤتمر القدس ومؤتمر «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل» بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، وكذلك مؤتمر الأزهر العالمى للسلام بحضور بابا الفاتيكان، ومؤتمر «الإسلام والغرب.. تنوع وتكامل» وغيرها.

وكان لهذه المؤتمرات تأثير عالمى وإقليمى فاعل، خاصة أنها أدت فى النهاية إلى إخراج وثيقة «الأخوة الإنسانية» التى رسمت وأكدت قيم المودة والرحمة واحترام الآخر، وصححت الكثير من المفاهيم المغلوطة، ويكفى تأكيدًا على ذلك اللقاء التاريخى الذى جمع بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، ونتج عنه إخراج الوثيقة التى تعد واحدة من أهم المنجزات.

فضلًا عن كل ذلك، فإن الإصدارات العلمية للأزهر الشريف رسخت مفاهيم الإنسانية والعيش المشترك بين الناس، وهو ما أصبح واضحًا فى العمل الدعوى والوعظى وفى ملف التعاون مع الكنائس.

ووفقًا لكل ذلك، جاء تأكيد فخامة الرئيس السيسى على أن الأزهر منارة الفكر الإسلامى المعتدل، فى ظل المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتقه وعاتق شيوخه وأئمته الأجلاء فى تقديم النموذج الحضارى الحقيقى للإسلام فى مواجهة دعوات التطرف والإرهاب.

■ كيف ترى دور الإعلام فى مساندة جهود تجديد الفكر الدينى؟
- الإعلام قد يكون وسيلة هدم كما قد يكون وسيلة بناء، فى ظل دوره المهم والفاعل فى عرض وتقديم القضايا المختلفة التى تمس اهتمامات الناس بشكل مباشر، وتثقيفهم وتنويرهم.

ومسئولية الإعلام الكبرى تتمثل فى تبصير الناس بالحقائق بعيدًا عن التزييف والتحريف، وفق خطاب يناسب مختلف شرائح المجتمع، فضلًا عن التدقيق فيما يعرض على عقول الناس من معلومات حتى لا يجرى تضليلهم، وهو ما تجب مراعاته فى الاختيار الدقيق والصحيح لمصادر المعلومات، من خلال التعامل مع المتخصصين فقط.

على جانب آخر، ينبغى على وسائل الإعلام أن تدرك سمو الرسالة التى تؤديها، وأن تفرق بين من يدعو إلى تجديد الخطاب الدينى ويعمل له، وبين من يرى التجديد فى هدم الثوابت. وفى هذه النقطة يجب أن نؤكد أن الخروج على صحيح الدين بما يصدم الناس فى عقائدهم وآرائهم وعاداتهم ليس تجديدًا، كما أن الغلو فى الدين والتشدد فى تعاليمه ليس من الدين، وإن ادعى قائلوه ذلك.