رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا هددت هدى شعراوي المطربة فاطمة سري بقضية آداب

جريدة الدستور

رغم أن بدايات تحرير المرأة المصرية مرتبطة باسم هدى شعراوي٬ والتي تحل اليوم الذكرى الـ72 لرحيلها عن عالمنا٬ إلا أنها عندما وضعت في أول امتحان لاختبار قناعاتها ومبادئها٬ أظهرت الوجه الآخر المتغطرس الأرستقراطي.

ولدت "هدى" في المنيا عام 1879، وهي ابنة محمد سلطان باشا٬ رئيس أول مجلس نيابي في البلاد في عهد الخديوي توفيق، تلقت تعليمًا جيدًا في بيت أهلها سيؤهلها فيما بعد لتحقيق إنجازات كبرى لصالح المرأة.

تزوجت مبكرًا في سن 13 عامًا، من ابن عمها الذي يكبرها بأربعين عاما، على عادة تلك الأيام٬ ليتغير اسم عائلتها إلى "شعراوي" على النمط الأوروبي٬ ورغم سنها الصغيرة فإنها استطاعت فرض شرطها بأن يطلق زوجها الزوجة الأولى٬ وعندما وصلها بعد فترة أنه أعاد زوجته الأولى إلى عصمته عاقبته بالفراق الذي دام لسبع سنوات٬ ثم أنجبت منه "بثينة"، و"محمد".

ذكر الروائي مكاوي سعيد في كتابه "القاهرة وما فيها"٬ والصادر عن الدار "المصرية اللبنانية" أن "فندق التحرير" والذي افتتح قبل عامين أمام المتحف المصري، بني في المكان الذي كان يشغله قصر هدي شعراوي، هذا القصر كان بهوه مسرحًا للحفلات التي تقيمها الزعيمة، احتفالًا بكل حدث مهم يخص نشاطاتها السياسية والاجتماعية المتعددة أو الحفلات الأسرية الخاصة، وفي إحدى هذه الحفلات دعت "شعراوي" المطربة أو العالمة المعروفة آنذاك "فاطمة سري"، التي تحيى الأفراح والليالي الملاح.

اتصلت إدارة القصر بالمطربة ورغم أن الطلب بالنسبة لها كان بمثابة تشريف كبير؛ لأن صورتها ستظهر في المجلات والصحف، إلا أن "سري" فاجأتهم بالاعتذار؛ لارتباطها بالتمثيل في إحدى مسرحيات يوسف بك وهبي.

وما كان من هدي شعراوي إلا أن اتصلت بمحاميها إبراهيم الهلباوي، وطلبت منه التوسط لديى يوسف وهبي؛ لإعفاء فاطمة سري من العمل في ليلة الحفل، فوافق وهبي على أن تحيي فاطمة الحفل٬ على أن تعود للمسرح لأنه سوف يرجئ دورها إلى نهاية المسرحية.

فاطمة سري مطلقة وتمتلك ولدين، وهي لم تبلغ العشرين بعد٬ من مطربات وعوالم شارع عماد الدين٬ بدأت حياتها مع فرقة "الجزايرلي" المسرحية٬ وكانت أول مغنية مصرية تغني مسرحية أوبرالية كاملة مسرحية "شمشون ودليلة".

في ليلة الحفل تزامنت لحظة وصول المطربة فاطمة سري على ظهر الحنطور٬ مع شعور محمد شعراوي نجل هدي بالملل، وكاد أن يغادر الحفل٬ إلا أنه ما أن سمع فاطمة تغني: "بدال ما تسهر على القهوة.. تعالي نشوي أبو فروة"، وكانت تعيد وتزيد في الكوبليه بعد كل مقطع٬ وهي تدير رأسها مع الحاضرين الذين أسكرهم الصوت واللحن٬ والتقت عيناها بعيني محمد شعراوي أكثر من مرة٬ فخيل إليه أنها ترسل له برسالة خاصة.

ما أن انتهت فاطمة سري من الغناء في حفل هدى شعراوي، حتى ركضت لتلحق بدورها في المسرحية٬ فتبعها محمد شعراوي حتى المسرح ولحق بالفصل الأخير من المسرحية، لتبدأ مطاردته لها في كل مكان٬ وهي تنفر وتعرض عنه مما أشعل الحب في قلبه وعرفت الصحافة بالأمر وأشارت إلي قصة حب بين فاطمة سري، وسليل الزعيمة السياسية هدى شعراوي التي سرعان ما انتهت بطفل تسلل لأحشاء فاطمة سري فحاولت اجهاضه، لكن الطبيب حذرها من خطورة هذا على حياتها ذاتها، فتمسك بها محمد شعراوي بعد أن كان قد فارقها وحاول أن يكتب لها شيكًا بمبلغ كبير إلا أنها رفضته ومزقته أمامه.

بعد عودته لفاطمة سري كتب محمد شعراوي إقرار جاء فيه: "أقر أنا الموقع على هذا محمد علي شعراوي، نجل المرحوم علي باشا شعراوي٬ من ذوي الأملاك ويقيم بالمنزل رقم 2 شارع قصر النيل، قسم عابدين مصر٬ أنني تزوجت الست فاطمة كريمة المرحوم "سيد بك المرواني"، المشهورة باسم فاطمة السري من تاريخ أول سبتمبر سنة 1924 ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين أفرنجية٬ وعاشرتها معاشرة الأزواج ومازلت معاشرًا لها إلي الآن، وقد حملت مني مسكنا في بطنها الآن٬ فإذا انفصل فهذا ابني٬ وهذا إقرار مني بذلك، وأنا متصف بكافة الأوصاف المعتبرة بصحة الإقرار شرعًا وقانونًا٬ وهذا الإقرار حجة عليَّ٬ تطبيقًا للمادة 135 من لائحة المحاكم الشرعية٬ وإن كان عقد زواجي بها لم يعتبر٬ إلا أنه صحيح شرعي مستوف لجميع شرائط عقد الزواج المعتبرة شرعا"، محمد علي شعراوي ــ القاهرة 15 يونيو 1925.

ما أن علمت هدى شعراوي بأم الإقرار حتى استشاطت غضبًا وثورة واستدعت ابنها فورًا٬ وتتهمه بمحاولة قتلها بسبب هذا الزواج٬ ومن ثم تأمره بأن يطلق فاطمة سري وتطرده من البيت، إلا أنه ترك مع أحد أصدقائه مبلغًا من المال ليوصله لفاطمة، ويطلب منها أن تنهي تعاقداتها وتلحق به إلي أوروبا.

لم تستسلم هدى شعراوي واستغلت نفوذها وعلاقاتها٬ فأرسلت إلى فاطمة أحد الرجال المهمين؛ ليهددها بتلفيق ملف سري في شرطة الآداب يتهمها بالدعارة٬ لكن الأخيرة لم تتراجع أو تضعف٬ وقفت أمام هذا الشخص المهم بتحد، وقالت أنها ستطلق الرصاص بنفسها على أي وزير داخلية يجرؤ على القيام بهذا التزوير.

لجأت "شعراوي" للترغيب فأرسلت لفاطمة مع محاميها٬ ليعرض عليها 25 ألف جنيه، وكان مبلغًا كبيرًا آنذاك، ووعدها برجل يتزوجها٬ ويكتب طفلها المرتقب على اسمه٬ مقابل الطلاق من ابنها وإلغاء هذه الفترة من ذاكرتها نهائيا، وردت فاطمة بما لا يجوز نشره على المحامي الذي فر مذعورًا من الذعر الذي تلبسها، وقبل أن تستسلم وتنهار وكان حملها قد بدأ في الظهور، ولم تجد أمامها إلا اللحاق بزوجها وقد كان.