رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السِفاح.. ما مصير الأطفال مجهولى الهوية فى دور الأيتام (إنفوجراف)

جريدة الدستور

"طلقتها قبل ما تولد التاني"، تلك الجملة أطلقها مغنٍ شعبي كان محور حديث مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية، بعد أن انتشرت صورة طفليه كالنار في الهشيم، وبعد أن هدأت القضية عادت من جديد بإعلان تسلم الأم للطفلين، وخلال هذه الرحلة ماذا لو ظل الطفلان حبيسا الشارع ولم يعترف والداهما بوجودهما.

حالة الطفلين يعيشها نحو مليونَي طفل من مجهولي النسب (الِسفاح) حسب آخر إحصائيات المجلس القومي للطفولة والأمومة في 2016، فتجد الأم تتخلص من الطفل، لأنها لا تريد أن ينسب إليها، ففي كثير من الأحيان يأتي الطفل بطريق غير شرعي.

والوقائع على ذلك كثيرة، كانت آخرها في 18 نوفمبر الماضي، وهي واقعة أم الطفلين "يازن" و"شادي"، صاحبي الـ5 أشهر والـ4 سنوات من عمريهما على الترتيب، وهي زوجة المطرب الشعبي شادي الأمير، حيث تبرأت منهما على "بير سلم" طليقها، لأنه رفض مشاركتها في العناية بهما، وتركتهما يواجهان مصيرًا مجهولاً، لينتهي الأمر بتسلم الأم للطفلين من دار الرعاية الاجتماعية بطنطا، بعد أن قررت النيابة العامة إيداعهما دار الرعاية.

وتعلق مها أبوبكر، المحامية المختصة بقضايا الأحوال الشخصية، بأنه عند العثور على أحد الأطفال الرضع في لفائف على جنبات الطرق، أو أمام المساجد أو بجوار صناديق القمامة، يكون الطفل مجهول النسب بالنسبة للجهات المختصة، حتى تكتمل التحقيقات اللازمة للوصول لنتيجة سلبية كانت أم إيجابية، وإن لم تصل التحقيقات لنتيجة إيجابية، يتم أخذ الطفل إلى مركز الشرطة التابع للمنطقة التى عُثر فيها على الطفل، ومن هناك يتم تسليم الطفل إلى دور الأيتام أو مكان يحصل فيه على الرعاية.

وأضافت "أبوبكر"، في حديثها مع "الدستور"، أنه إذا تم القبض على الأم أو الأب في هذه الحالة تتم كتابة تعهد على نفسهما داخل مركز الشرطة بعدم تكرار الفعلة مره أخرى والالتزام برعاية الطفل بشكل كامل، وفي أسوأ الحلات يتم تحرير محضر إهمال، وينتهي بدفع غرامة.

وأكدت على ضرورة وجود "الأسر البديلة"، لتعطى الطفل مجهول النسب الذي تم العثور عليه حقوقه من الرعاية، وفرصة عيش حياة كريمة، مختتمة بجملة: "الطفل ملك للمجتمع وليس ملكًا لأسرة".
في 6 ديسمبر الماضي، تحرر محضر في قسم العجوزة يتضمن عرض سيدة طفلها من السِفاح للبيع عبر إحدى صفحات "السوشيال ميديا"، وبعد الوصول إليها قررت النيابة حبسها وإيداعها أحد المستشفيات تحت الحراسة المشددة لحين وضعها للطفل وتقديم الرعاية اللازمة لها وضبط وإحضار والد الطفل الحقيقي.

رحلة الطفل السِفاح ليست سهلةـ فهو يهبط إلى الدنيا بدون ذنب سوى بسبب خطأ رجل وامرأة جعلا رغبتهما ومتعتهما فوق كل شئ، وحين يأتي خبر تكون جنين في بطن الأم تزول المتعة، ويسعيا بكل الطرق للتخلص منه، لكن ينجُ البعض ويأتي الدنيا ويواجه مصيره، أما باب مسجد، أو ملقَ في كيس أسود داخل القمامة، أو بجوار صرف صحي، وغيرها من الوقائع التي تقرأ عنها كل يوم.

ولرصد رحلة هذا الطفلة، انتقلنا إلى إحدى المستشفيات الحكومية بمنطقة إمبابة، لنتقابل مع الأخصائية الاجتماعية فيها، فهناك أولى خطوات حبو الطفل إلى الدينا بعد أن تلده أمه داخل المستشفى.

حوارنا كان مع نهلة ياسر، أخصائية اجتماعية في إحدى المستشفيات الحكومية، تقول إنه على منَ يجد طفلاً ملقيًا في الشارع يتواصل مع عربة إسعاف والتي تنقلها بدورها إلى أقرب قسم شرطة، ثم يتم تحرير محضر في قسم الشرطة.

ولأن الطفل يكون غير مكتمل النمو فيتم نقله إلى مستشفى للاطمئنان على الحالة الصحية له، فإذا كانت غير مستقرة يتم حجزه في المستشفى بقسم المبتسرين، وفي البداية كان هناك نقاط للشرطة في المستشفيات هي من تقوم بتحرير المحاضر ثم تختمه من القسم التابعة له ثم تحضر إذن من النيابة، ثم نتواصل نحن كمستشفى بمركز رعاية الأمومة والطفولة في مدينة العمال في إمبابة.

ويقومون بإرسال عربة إسعاف لاستلام الطفل، فأُحضّر لهم محضر استلام وتقرير طبي بالحالة بعد تحسن حالته الصحية، ثم يذهب الطفل لمركز رعاية الأمومة والطفولة والتي تستلمه الأخصائية الاجتماعية هناك، وتكون "متولياه من كل حاجة"، وبعد فترة تعطيه لمربية تابعة للدار تقوم المركز ببحث حالتهم وزيارة منازلهم، وكل أسبوع تذهب به إلى المركز لوزنه ومتابعة مدى رعاية تلك المربية له.

وبعد أن يُتم الطفل 9 أشهر تسلمه المربية للشئون الاجتماعية في وزارة التضامن الاجتماعي، والتي تقوم بدورها بتسليم هؤلاء الأطفال للملاجئ، وتقوم الشئون الاجتماعية بفحص الملاجئ التي تقدم لهم الأطفال، من حيث مدى رعاية الأطفال فيها وبحث حالتهم كاملة.

وعبر الموقع الرسمي لوزارة الصحة، ذكرت فيه أن هناك برنامج رعاية الأطفال المعثور عليهم، وذلك
عن طريق 32 قسم بمراكز رعاية الأمومة والطفولة والمراكز الصحية لرعاية الأطفال المعثور عليهم موزعه على مستوى الجمهورية وتم تجهيزها بجميع الاحتياجات، ويتم دعمها بمستلزمات الأغذية والإعاشة.
ونتابع مع "نهلة" التي تتذكر معنا إحدى مواقف هؤلاء الأطفال، والذي يتعرضون له، تروي: "كان عندنا طفلتان أمهم ولدتهما في المستشفى وسابتهم وهربت".

وتتابع معنا: «تركتهما الأم وحاولت الهرب، لكن فشلت في الهرب بعد أن تم إيقافها على باب المستشفى، وتم تحويلها للقسم الذي قام بدوره بعمل مذكرة، وحاولوا تسليمها الأطفال لكنها أصرّت على عدم تسلمهم وهرولت من القسم تاركة لنا الأطفال".

وتم العثور عليها مرة أخرى بواسطتنا؛ فقد أحضرنا التذكرة التي دخلت بها إلى المستشفى للولادة القيصرية، والتي يتم تدوين بها صورة من البطاقة الشخصية، وبالفعل توصلوا لعنوانها واكتشفوا أنها غير متزوجة ورفضت تسلم الطفلتين حتى وقتنا هذا.

وأكدت على: "مفيش حد بيدخل المستشفى إلا لازم بطاقته عشان لو حصل حاجة أو يكون هربان من حاجة نعرف نجيبه، وبدونها لا نسمح بدخول المريض أو الأم التي تريد الولادة".
 موضحة أنه تتم مخاطبة القسم ليقوم بتحرير محضر بواقعة الطفل، ثم نرسله مركز رعاية الأمومة والطفولة في المنيب، مرفقًا معه تقرير طبي مكتوب فيه اسم الطفل (الذي وضعه له قسم الشرطة في المحضر والذي يكون اسمًا محايدًا لا يدل على إسلاميته أو مسيحيته، رغم أنه تتم كتابة الجميع في شهادة الميلاد مسلمي) بحالته الصحية ووزنه، (لأن هناك أطفالًا يكون وزنهم أقل من المعدل الطبيعي، فلا يتم تسلمهم لأنهم غير مكتملي النمو وليس لديهم مستشفى لرعايته).

أثناء حديثنا مع "نهلة"، ذكرت أن بعض الجمعيات الخيرية تكون على تواصل مع أقسام الشرطة، لتتعاون معهم في استخراج قرار من النيابة العامة يتمكنون من خلاله من الحصول على الطفل لوضعه فى إحدى دور الرعاية التابعة لها المجهزة لاستقبال هذه الأطفال والعناية بهم.

وفى ذلك، تواصلنا مع أحمد حواش، مسئول دور رعاية الأطفال المعثور عليهم بجمعية "الأورمان"، فقال إن الجمعية تتلقى خطابًا رسميًا من وزارة التضامن يفيد بوجود أطفال مجهولة النسب في أحد أقسام الشرطة، وبدورنا نذهب إلى الطفل المراد بعربة مجهزة للتعامل معه وبداخله توجد موظفة العيادة التي تكون مدربة للتعامل مع هذا الطفل، ومعها جواب رسمي من الجمعية يفيد بتفويضها لتسلم الطفل من قسم الشرطة، ثم تأخذه لتودعه أقرب دار رعاية من القسم، وبعد الاطلاع على بطاقتها الشخصية والكارنيه الذي يثبت تبعيتها للجمعية تتسلم الطفل.

ويحدثنا "حواش"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن هناك بروتوكول تعاون بينهم وبين أحد المستشفيات الخاصة، لأن أول خطوة مع الطفل هو عمل فحص شامل له، للتأكد من سلامته الصحية، ثم يتم إيداعه الدار، وتكون مسئولة عنه "الأم البديلة" التي ترعاه لمدة 3 أشهر إلى أن تختاره أسرة بديلة، لإيماننا بأن تربية الطفل في كنف أسرة أفضل له نفسيًا من التربية في دار رعاية.

وأكد أن الفترة الأخيرة خلال الـ3 أشهر الماضية دخل إلى الجمعية ما بين 40 و50 طفلًا من مجهولي الهوية.