رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإفتاء: طيور انتحارية وحيوانات مفخخة.. استراتيجية "داعش" الجديدة

جريدة الدستور

بمناسبة مرور 71 عامًا على إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يوافق العاشر من ديسمبر، كشف المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية وللأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن (93%) من فتاوى التنظيمات المتطرفة تتعارض مع حقوق الإنسان ومقاصد الشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى تكفير تلك التنظيمات للقائلين بالحقوق السياسية والدساتير الدولية والانتخابات والأحزاب السياسية والديمقراطية وحرية الاعتقاد والحق في الحياة والحق في السفر.

وأوضح المؤشر أن خطايا تنظيم "داعش الإرهابي" وباقي التنظيمات الإرهابية لم تكتفِ بهدر دم الإنسان وحقوقه؛ بل تخطتها لتشمل الحيوانات أيضًا، فبحسب ما رصده المؤشر فإن التنظيم الإرهابي استعان بعددٍ من "الطيور الانتحارية" ليدرِّب أطفاله على الذبح، تمهيدًا لذبح معارضيه، كما نشر مقاطع فيديو في سوريا والعراق - أثناء سيطرته على بعض الأراضي فيهما - أوضحت اعتماده على تزويد بعض الطيور بأحزمة ناسفة ليسهل حملها وتدريبها على استهداف الطائرات الحربية وتفجيرها، فضلًا عن تفخيخ بعض الحيوانات لتنفجر في المواطنين.

فتاوى تنظيم القاعدة
سلَّط مؤشر الفتوى العالمي الضوء على فتاوى التنظيمات الإرهابية، كالقاعدة وداعش، التي تتنافى مع حقوق الإنسان في الحرية والتعبير عن الرأي، مشيرًا إلى أنها تتمحور عند تنظيم القاعدة حول أربعة محاور من الفتاوى؛ أولها فتاوى الكفر بالدساتير والانتخابات، والتي جاءت بنسبة (35%).

وأورد المؤشر نصًّا في هذا الإطار لزعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، الذي وصف الدولة بالكفر ما دام دستورها يعترف بمعاملات البنوك أو يسن قوانين وضعية تجيز ذلك، وقال:" فلو التزم الناس بجميع أحكام الإسلام، إلا الالتزام بتحريم الربا مثلًا، وأباحوا البنوك الربوية: فإن دستور هذه الدولة يُعتبَر دستورًا كفريًّا؛ لأن هذا التصرُّف يتضمن اعتقادهم عدم كمال الشريعة وكمال منزِّلها سبحانه وتعالى، ولا يخفى أن هذا كُفرٌ مُخرِجٌ مِن الملَّة".

وأضاف المؤشر أن ثاني الحقوق التي عارضها القاعدة وكفَّر متبعيها المتعلقة بالمشاركة المجتمعية والسياسية، مثل "تكفير الأحزاب السياسية"، وجاءت بنسبة (25%)، واستشهد المؤشر بقول أسامة بن لادن نصًّا في خطابه الثاني والعشرين: "ينبغي الحذر من الدجالين الذين يتكلمون باسم الأحزاب والجماعات الإسلامية، ويحثون الناس على المشاركة في هذه الردَّة الجموح، ولو كانوا صادقين لكان همهم في الليل والنهار إخلاص الدين لله تعالى والتبرؤ من الحكومة المرتدة وتحريض الناس على جهاد الأمريكيين وحلفائهم، فإن عجزوا فلينكروا بقلوبهم وليتجنبوا المشاركة في برامج المرتدين أو القعود في مجالس الردة".

وأكد المؤشر أن فتاوى القاعدة القائلة بتكفير الديمقراطية جاءت ثالثة بنسبة (20%)، ومن ذلك قول القيادي أبو مصعب الزرقاوي: "أعلنا الحرب اللدود على هذا المنهج الخبيث (يعني الديمقراطية) وبيَّنا حكم أصحاب هذه العقيدة الباطلة والطريقة الخاسرة، فكل من يسعى في قيام هذا المنهج بالمعونة والمساعدة فهو متولٍّ له ولأهله، وحكمه كحكم الداعين إليه والمظاهرين له.. وحكمهم في دين الله: الكفر والخروج عن الإسلام".

وقال مؤشر الفتوى إن "تكفير غير المسلمين" جاءت في المرتبة الرابعة والأخيرة بين فتاوى القاعدة المتعارضة مع حقوق الإنسان في المواطنة وحرية الاعتقاد، وجاءت بنسبة (20%) أيضًا، مثل ما أفتى به أبو قتادة الفلسطيني في يناير 2019 تحت عنوان: (الفرائد والقلائد): "كل من لم يفرِّق بين مسلم وكافر في الولاء والبراء، وكل من والى وعادى على غير الله فهو مشرك، ولكن الجهلة يقولون كلامًا لا يفهمونه".

وأوضح المؤشر العالمي، أن تنظيم "حراس الدين" التابع للقاعدة، أفتى بـ:"الكافرون بكل مِللهم وعقائدهم يكنُّون للإسلام وأهله حنقًا وحقدًا عقديًّا ظاهرًا، وتظهر هذه العداوة والبغضاء على أفعالهم، ثم إنهم لا يهدءون ولا يفترون عن حرب المسلمين حتى يصدوهم عن دينهم، ولن يرضوا بدون ذلك من التنازلات".

فتاوى داعش لا تسمح بحرية الاعتقاد
أشار المؤشر العالمي للفتوى إلى أن تنظيم داعش الإرهابي تتعارض فتواه مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، غير أن أهمها عدم السماح لحرية الاعتقاد، وجاءت بنسبة (40%) مثل ما ورد في صحيفة النبأ التابعة للتنظيم (عدد 154): "أجاز لنا الشرع قتل كل بالغ من الذكور إذا لم يكن لهم مع إمام المسلمين الشرعي عهد ولا ذمة، كما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع يهود بني قريظة". كما جاء في صحيفة النبأ أيضًا (عدد 197) أن: "الكفار والمرتدين لا يدخلون الجنة مطلقًا".

مما سبق أيضًا استباحة وهدر دماء كل المخالفين للدين الإسلامي، واستدل المؤشر على ذلك بما جاء في صحيفة النبأ، العدد 155، 30 صفر 1440، تحت عنوان: "دولة الخلافة تنفذ وعيدها في نصارى مصر"، حيث جاء فيها: ""إن جميع النصارى في مصر اليوم هم نصارى حربيون ليسوا بأهل ذمة ودمهم هدر، سواء أحملوا علينا السلاح أم لم يحملوه، ولا يُعصم دمهم إلا بإيمان منهم أو أمان من خليفة المسلمين إليهم، وهو ما لم يتحقق فيهم. فهم لم يخضعوا لأحكام الإسلام، فلا جزية دفعوا ولا هم صاغرون، بل هم يحاربون دين الله تعالى ويصدون عن سبيله..".

وفي السياق نفسه جاء في الصحيفة ذاتها (النبأ) العدد 191، 15 ذو القعدة 1440، تحت عنوان: "التيار الجهادي المزعوم والولاءات المتناقضة": "إنْ نالَ كافرٌ من مسلم في مشرق الأرض، انتقم له أخوه في مغربها، وإن سالَمَ الإمامُ كافرًا في بلد كان تأمينه واجبًا على جنود الخلافة في كل مكان، فسِلْمُه سِلْمُهُم وحَربُه حربُهم، والدم الدم، والهدم الهدم..".

وأكد المؤشر أن فتاوى انتهاكات تنظيم داعش لحقوق المرأة جاءت في المرتبة الثانية بنسبة (30%)، أبرزها كان يتعلق بختان الإناث من سن 11 إلى 46 عامًا، وزواج القاصرات.

وتطرق المؤشر إلى فتاوى انتهاكات تنظيم داعش لحقوق الأطفال الذى جاء في الترتيب الثالث بنسبة (20%)، مشيرًا إلى إطلاق "داعش" عدة فتاوى طوَّعها التنظيم لجهاد الصغار، منها إصدار أبو سعيد الجزراوي، عضو الهيئة الشرعية للتنظيم، فتوى قضت بجواز استخدام الأطفال في تنفيذ عمليات انتحارية بعد "تفخيخ أجسادهم"، كما دأب التنظيم الإرهابي على تلقين أشباله فتاوى تدعو إلى ضرورة نصرة الدين ومحاربة الدول الكافرة وقتل كل من يخالف الشريعة الإسلامية.

أما الفتاوى التي تتعارض مع حقوق الإنسان في التنقل والسفر لغير أماكن التنظيم، جاءت في الترتيب الرابع والأخير بنسبة (10%)، فأصدر أعضاء التنظيم فتاوى اعتبرت أن السفر لبلاد غير "الدولة الإسلامية" فرارًا من الجهاد"، على حد زعمهم،على نحو ما ورد في الإصدار المرئي (سجون الخوارج في اليمن يونيو 2019)، الذي تضمن طلب أحد أعضاء التنظيم السفر لزيارة أهله فتم سجنه، وقال بعدها: "علمت أن كل مَن في السجن هكذا، طالبوا بالزيارة فسجنوهم فتيقنت أنهم عندما كانوا يقولون من أراد السفر أوصلناه إلى بيته إنما كان فخًّا حتى لا يهرب الشخص هروبًا فيقوم بمصارحتهم بحسن نية، وبعدها يقومون بإدخاله في هذا السجن".

تفخيخ الحيوانات
في سياق آخر، ذكر مؤشر الإفتاء أن تنظيم داعش لم يكتف بانتهاك حقوق الإنسان في أماكن تمركزه؛ بل سلب حقوق الحيوانات، فهو يحاول ابتكار أساليب جديدة في قتل الأبرياء لإثبات وجوده بعد مقتل زعيمه "أبو بكر البغدادي"، لذا لجأ إلى تفخيخ الحيوانات والدفع بها تجاه مناطق سكنية في العراق.

وقال المؤشر إن التجربة الأولى للتنظيم في تفخيخ الحيوانات كانت بمحافظة ديالى العراقية، عندما فخخ بقرتين أصابتا مواطنا بجروح، ولفت المؤشر إلى أنه بعد أن عجز "داعش" عن العودة للسيارات المفخخة وخسارته المساحات التي كان يحتلها، لم يجد أمامه سوى الحيوانات ليجعلها أداة جديدة في تنفيذ مخططاته الدنيئة.

الشريعة الإسلامية كفلت حقوق الإنسان
أكد المؤشر على المقاصد الضرورية التي وجهنا الله سبحانه وتعالى لإقامتها، التي تجلب المنافع وتدفع الضرر، وتحقق الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، لافتًا إلى أن تلك المقاصد هي: "حفظ الدين، النفس، العقل، النسل، المال"، وتقوم عليها مصالح الناس وحياتهم، ولا غنى لهم عنها، بحيث إنها إذا اختل وجودها أو بعضها، اضطربت أحوالهم وتعطَّل نظام حياتهم.

وأختتم المؤشر بأن الشريعة الإسلامية كفلت كل حقوق الإنسان من خلال مقاصدها العليا، وسبقت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهى تميزت بعدة مزايا:

أولًا: الأسبقية والإلزامية، فقد مر عليها أكثر من أربعة عشر قرنًا.

ثانيًا: العمق والشمول؛ لأن مصدرها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: حماية الضمانات؛ هى جزءٌ من الدين جاءت في أحكام إلهية تكليفية لها قدسية تحدُّ من العبث بها، وجعلها أمانة في عنق كل المؤمنين.