رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حازم حسين يرسم خريطة أحلام المثقفين فى بورسعيد

أمين عام مؤتمر أدباء
أمين عام مؤتمر أدباء مصر حازم حسين

حسين: مطالبات بتوحيد جهات النشر وعدالة توزيع الثقافة 
حسين: الدور الذي تلعبه الثقافة الآن أقلُّ ممَّا يُناط بها ويتوجَّب عليها
أمين عام "أدباء مصر": المؤسسة الثقافية بكاملها خارج المعادلة
حسين: الثقافة استثمار وصناعة ثقيلة ومن الخطأ أن ننظر إليها باعتبارها خدمة أو ترفيهًا
أمين عام "أدباء مصر": نحتاج إلى تجديد الخطاب الثقافي


انطلق مساء أمس الاثنين، مؤتمر أدباء مصر، بحضور وزيرة الثقافة، واللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد، والدكتور أحمد عواض، رئيس هيئة قصور الثقافة، والكاتب والفنان عز الدين نجيب، رئيس المؤتمر، وذلك بمسرح المركز الثقافي، وبمشاركة أكثر من 350 أديبا ومثقفا.

وبدأ حفل الافتتاح بفقرة فنية تضمنت عددا من أغاني السمسمية البورسعيدية، كما قدم عددا من المواهب الشابة بالمحافظة أغنية خاصة بالمؤتمر، وقد لاقت تفاعلا كبيرا من الحضور.


وخلال فعاليات المؤتمر، ألقى أمين عام مؤتمر أدباء مصر حازم حسين، كلمة أثارت جدلا كبيرا طيلة الساعات الماضية، حتى أن البعض اعتبرها استجواب ثقافي للوزيرة.

 

وقال في كلمته: "أرفع إلى مقاماتكم جميعا تحية الأمانة، مبتهجين بالتئامنا في هذا المحفل، بينما يُوقد شمعته الرابعة والثلاثين، حافظا لمن سبقونا فضل التأسيس، ومتطلعا لأن يصون لاحقونا العهد، وأن يُقوِّموا ما اعوج، ويغفروا لنا السهو والزلل".


وأضاف: سعينا عبر دورتين لأن نحفظ للبئر ماءها الصافي، وأن نردَّ عنها ما تُثيره الأيام من غبار، قدر طاقتنا وما تسمح به بنية المؤتمر ومنظومة العمل ومسموحات اللوائح وقيودها، ولا نقول إننا قبضنا من الغاية ما يملأ الكفَّ، ولن نُبرَّر استباقًا ما قد تُسجِّلونه علينا من ملاحظات، لكننا نرى أن الهمَّ أكبر من دورة، وأعمق من ثلاثة أيام وبضع موائد وجلسات.


وتابع: إننا إذ نلتقي في ذلك الحيز المدهش من أرض مصر، يقع على عاتقنا أن نتلمَّس السياق الذي أفرزته بورسعيد، وعاشته وسجلته في الذاكرة الجمعية، وأن نستلهم الحالة العضوية التي تضافر فيها الوعي الفردي مع الهمِّ العام، فكانت الثقافة شريكًا أصيلاً في الجبهة، بالشعر والغناء والمُقاتلين المبدعين، ولسوف تشُوه وجوهُنا جميعًا؛ إن ظللنا على الحياد، أو أحجمنا عن المعركة بينما يُحمى وطيسُها.


وأشار إلى أن الدور الذي تلعبه الثقافة الآن أقلُّ ممَّا يُناط بها ويتوجَّب عليها، وما تزال المؤسسة الثقافية بكاملها خارج المعادلة، وهو الأمر الذي يفرض علينا البحث عن تأسيس جديد للمنظومة كلِّها، المؤتمر والهيئة والوزارة وأطر العمل، وكلُّها دون ما نصبو إليه، وما يُرتِّبه السياق ويُلقيه الظرف الراهن على عواتقنا.

 

وأوضح أن مؤتمر أدباء مصر تأسس في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ليكون مُلتقىً اجتماعيًّا بالدرجة الأولى، ووقتها كانت تلك المسألة ضرورة وغاية، لكن اليوم لم يعد هذا التأسيس كافيًا لاحتمال البناء وما تُراكمه السنوات من خبرات وأحجار، ولا بديل عن الالتفات إلى المؤتمر بقدر أكبر من الجدية، وإعادة تأسيسه وفق معطيات الراهن، ليكون قاعدة رصينة لإنتاج الأفكار لا تداولها فقط، اتصالا بإستراتيجية ثقافية شاملة، وعملاً على خلق بيئة فاعلة في ذهنية صُنّاع الثقافة، وليست مُهندَسةً بمنطق المؤلَّفة قلوبُهم، ويجدر بالمؤتمر أن يكون منتدىً حقيقيًّا لأدباء مصر، وليس لأندية الأدب فقط، وأن يكون شريكًا في تخطيط الرؤى وصَوغ الاستراتيجيات. ومن مُنطلق تلك الجدارة، وما يُغلِّفها من تطلُّعات، أدعو وزير الثقافة إلى تشكيل لجنة فنية من كبار المثقفين وذوي الخبرة؛ لاقتراح آليات عملية لإعادة الهيكلة، سعيًا إلى مأسسة المؤتمر، وإكسابه الشخصية الاعتبارية المستقلة، مع إنجاز ما يتطلَّبه ذلك من استقلالية الميزانية، ووضع تصوُّرات عادلة للتمثيل الموضوعي، بما يُغطِّي فضاء الثقافة المصرية في نوعيَّته وثرائه، وليس في أوزانه النسبية وحصصه الجغرافية.

 

وقال: لقد انحزنا في التأسيس الفكري للدورة الحالية، إلى مُساءلة الحالة الثقافية في تجلِّياتها التداولية، انطلاقًا من مفارقة العلاقة الطردية بين تنامي موجات الحراك، واتّساع الخطابات المُغلقة على يقينيات قديمة ودوائر انتماء أوّلية هشَّة، بين استهلاك الحداثة وإعادة إنتاج الأصولية، بل وتحويل شطر من نتاج الحداثة نفسها إلى أصوليات جديدة. وإذا كان ارتفاع منسوب التطرُّف مُرتبطًا بأزمة وعي حقيقية، فالأمر ليس بعيدًا عن ميكانيزمات الحراك وقادته أيضًا، والحقيقة أن تلك الحالة بكاملها ربّما تخصُّ الدولة أكثر من المجتمع، لا سيَّما أن الروافع المؤسَّسية لمنظومة الثقافة شبه مُعطَّلة، وإن سارت تسيح على غير هدى، فالمؤسف، وما لا نستطيع نُكرانه، أننا لا نملك إستراتيجية ثقافية حقيقية، ومثالا فإن وزارة التخطيط خاطبت الثقافة خلال إعداد "رؤية مصر 2030" قبل سنوات؛ لوضع خُطَّة شاملة للقطاع، لكن الخطاب انزلق إلى أدراج المجلس الأعلى للثقافة ولم يخرج، وبالتبعية لم تتضمَّن الإستراتيجية شيئا ذا قيمة عن الثقافة، جرى ذلك في وقت يتفرَّغ فيه المجلس لتنظيم الندوات والأمسيات على طريقة أندية الأدب، بينما يُفترض فيه أن يكون عقلا وبيت خبرة، لا مُتعهِّد حفلات وأفراح. تلك الوضعية المؤسفة تفرض على الدولة التدخل؛ لإصلاح حال المجلس، وإعادة هيكلة لجانه وآليات عمله، أو إلحاقه بمجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية، ليُنجز ما يتعيَّن عليه إنجازه بعيدًا عن البنية العتيقة واللجان المُلتئمة على طريقة ملوك الطوائف.

 

وأكد أنه منطلقا من الباب نفسه، لا يصحُّ أن تُبدِّد المؤسَّسات طاقتها وتأكل نفسها، كما يحدث في ملف النشر الذي تنشط فيه كلُّ أجنحة الوزارة، دون مُبرِّر مثلا لأن يكون المجلس الأعلى أو صندوق التنمية أو قطاع الفنون التشكيلية ناشرين، بينما تملك الوزارة ناشرًا عملاقًا ومُتخصِّصًا مثل هيئة الكتاب، وإلى الآن ما تزال توصيات لجنة توحيد النشر خارج التطبيق، لذا يتعيَّن النظر أيضًا إلى فلسفة العمل الثقافي في المركز والأطراف، وإلى عدالة توزيع المحتوى والمُخصَّصات. تملك هيئة قصور الثقافة زهاء ستمائة موقع، لكن ميزانيتها لا تتناسب مع حجمها، وبينما ينفق البيت الفني للمسرح ملايين على عدة عروض، تعمل فرق المحافظات بقروش وملاليم، حتى يعرضوا أسبوعًا أو عشرة أيام، وإذا كان المنطق والضرورة يقتضيان دعم صُنَّاع الثقافة على جبهة الحرب الحقيقية، في القرى والنجوع وعلى مقربة من معاقل الانغلاق والتطرُّف، فمن الواجب أيضًا أن تتدفَّق الفرق الكبرى وعروض الأوبرا والبيت الفني إلى الأقاليم بانتظام، وليس بالصدفة أو الهوى.

 

وقال إنه ربما يكون المؤتمر فرصة لتذكرة الدولة أن مصر المثقفة الواعية هي أنجع ما نُحارب به الإرهاب، وأن الثقافة استثمار وصناعة ثقيلة، ومن الخطأ أن ننظر إليها باعتبارها خدمة أو ترفيهًا، إذا كانت الدولة قد أنجزت أمورًا ملموسة في معركة الإرهاب، وأوشك الرصاص أن يتوقَّف تمامًا بعدما حُوصر الإرهابيون في كلِّ مسلك، فإن معركة الوعي أصعب وأطول، وما لم نتجهَّز لها بالرؤى والأفكار والتمويل الكافي، فإننا نغامر بإهداء المُتطرِّفين مَعينًا لا ينضب من الأرواح التي تتشقَّق عطشًا للمعرفة والثقافة والتنوير، وللأسف تنفذ الأفكار السوداء من شقوقها؛ لتزحم علينا الواقع، وتُهدِّد باختطاف المستقبل.

 

وتابع: نتحدَّث كثيرًا عن حاجتنا إلى تجديد الخطاب الديني، وهو حديثُ حقٍّ، لكن الأولى أن نتجاوز الفرع إلى الأصل، وأن نعمل على تجديد الخطاب الثقافي؛ باعتباره الغلاف الجامع لكل الخطابات الجزئية، لذا أطالب الحكومة، ممثلة في الوزير المُختصِّ، بالتخطيط لمؤتمر مُوسَّع حول الثقافة، يُعهَد إليه بوضع ركائز تأسيسيَّة لصياغة استراتيجية ثقافية شاملة وبصيرة، إذا اتّفقنا أن الثقافة مِفتاح كلِّ مُغلق، فلا عبور إلا بالوعي والبأس، ولا فوز ما لم يأمن المحاربون على واقعهم ومستقبلهم، والحقيقة أن أهل الثقافة مطحونون دون غِطاء، وإذا كُنَّا في الدورة الحالية قد كرَّمنا كلَّ الراحلين خلال العام، فإننا نُطالب الهيئة ووَزارة الثقافة بأن يظلَّ ذلك الأمر تقليدًا دائمًا في كلِّ الدورات، وأن تُراجع مكافآت التكريم دوريًّا، وأُطالب بوضع صيغة قانونية وتمويلية لتأسيس صندوق تكافل تحت مظلَّة الوزارة، يرعى الأدباء ويُساند المحتاجين وأُسرَ الراحلين منهم.

 

وفي ختام كلمته، وجه الشكر لزملائه أعضاء الأمانة، على ما تكبَّدوه خلال دورتين، وما أنجزوه، وقيادة بورسعيد وشعبها ومثقفيها، على الأُلفة وكرم الضيافة، وقيادات الهيئة وكوادرَها، على ما أبدوا من تعاون وما أنفقوا من جهد حصيفٍ، قدرَ ما تسمح به اللوائح العقيمة والمُخصَّصات الزهيدة، ولا أستثني منهم أحدًا، حتى مُنتفخو الذوات وصانعو العثرات، وقبل أن أُغادر موقِفي هذا أُحيِّي روح شخصية الدورة وعلامتَها الناصعة، الأب المُؤسِّس والمُبدع الذي صنع حراكًا واعيًا، محمود بيرم التونسي، أو بالأحرى، محمود بيرم المصري.