رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد موزة الـ120 ألف دولار.. عجائب الفن المفاهيمي بدأت بـ"مبولة"

جريدة الدستور


"جثث بشرية، ملوخية، مخرطة، تكييف، تفاحة ومبولة" عناصر استخدمها فنانون مصريون في معارضهم وأحدثوا جدل

اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي مساء أمس الأحد بالتعليقات على خبر نشرته الجارديان البريطانية، عن الفنان الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان الذي صمم عملًا بعنوان "كوميديان"، وهو عبارة عن موزة معلقة على جدار، اشتراها لاحقًا جامع أعمال فنية فرنسي بسعر 120 ألف دولار. وعرضت الموزة في معرض "آرت بازل" للفن المعاصر في ميامي بيتش (الولايات المتحدة).

هذا الجدل شغل أهل الفن التشكيلي أيضًا، وانقسموا حوله في حالة أعادت من جديد النقاش حول ماهية الفن المعاصر، والفن المفاهيمي واتجاهات ما بعد الحداثة.

الفنان رمضان عبد المعتمد مدرس النحت بكلية الفنون الجميلة بالأقصر قال لـ"الدستور"، استقبلت هذا الجدل باعتباره اتجاه حداثي يتفق مع مجريات الحركة التشكيلية المعاصرة، والفن المفاهيمي في الغرب، والذي ربما وصل لمراحل متقدمة في التعاطي مع الفن المفاهيمي، لكن على جانب آخر فإن ترويج أصحاب المعارض في الغرب لهذا الاتجاه في الفن يستهدف شريحة معينة من الأثرياء، لكنني غير متفق مع من ينعتون مقتني "الموزة" بأنه يرسخ لرأسمالية الفن، أو استخدام الفن كفناء خلفي لغسيل الأموال.

وأضاف عبد المعتمد "أنا مختلف تماما مع شرائح المحافظين في الفن ممن اعتبروا الموزة ليست عملًا فنيًا، وفي المقابل يعرضون هم لوحاتهم التي لا ترقى أحيانا لمستوى الفن، أو بشكل أدق؛ لا تتخطى تصوراتهم عن الفن التشكيلي التقليدي، وتباع أيضًا بمبالغ مالية كبيرة رغم أنها أعمال رديئة".

واعتبر عبد المعتمد أن الفن التشكيلي يتفاعل مع الذوق العام، وربما يكون الذوق العام في الغرب يتفق مع هذا الاتجاه، ففي بدايات القرن العشرين صنع الفنان دو شامب "مبولة" واعتبرها عملًا فنيا، وكان طرحها ثورة وقتها، في تفاعل الناس مع الفن ومفاهيمه، وبدأ الفنانون في طرح قطع فنية جريئة وغير نمطية بعد خطوة دو شامب ومبولته.

وقال "الموزة في خارج المعرض شيء وداخل معرض شيئ آخر، فهي معلقة على حائط بلاصق أسود، وكل ما يعلق على حائط المعرض يمكن اعتباره فنًا، طالما وجد السياق لذلك، وطالما طرحت "الموزة" مفهوما ما، واستقبلها البعض بنظرة مغايرة بعيدا عن الشكل الظاهري للمفهوم، فهي بالطبع قطعة فنية.
لذلك من اشترى الموزة بمبلغ 120 ألف دولار، هو لا يدفع ثمن الموزة بل يدفع ثمن الفكرة التي وراءها.

وأشار إلى المعرض الذي انشأه الفنان المصري أحمد قرعلي بقطع من الجثث البشرية، الممزوجة بالبوليستر، حتى أن الجثث تعفنت أثناء المعرض، وأصدرت روائح كريهة، وهو ما أحدث حالة غضب كبيرة حينها ومُنع الفنان من العرض مرة أخرى وفق هذه الطريقة المفاهيمية.

الفنانة البصرية إيمان الشقيري قالت لـ"الدستور" إنها لا تتحمس لهذه الممارسات الفنية، رغم أنها لا تعترض ولا تختلف على كونها فنًا، "فعلا الفن المفاهيمي لا يهتم بالخامة وبقائها، لا يهتم إن كانت الموزة ستفسد بعد أربع ساعات من عرضها طالما أدت وظيفة مفاهيمية خلال هذه الساعات المعدودة قبل أن تذهب الفكرة والموزة للعدم".

وأضافت: "للأسف هذه الممارسات تساعد على تعاطي البعض مع الفن بشكل هزلي، رغم أن هذه الممارسات وبحكم الواقع تحدث ثورة في الفن، فالفن قبل "مبولة" دو شامب شيء وبعده شيء آخر، وربما نرى بعد فترة أن الفن قبل "موزة" ماوريتسيو كاتيلان شيئ وبعده شيء آخر".

وأشارت الشقيري إلى عدة معارض نظمت في مصر استخدم الفنانون فيها هذه الأساليب مثل استخدام ماكيت تكييف، أو استخدام الملوخية والمخرطة، ورغم ذلك ولم تحدث هذا الجدل العالمي، "أظن أن الجدل الأكبر يمكن في سعر شراء الموزة، لو بيعت هذه الموزة ب 20 دولارًا لما أحدثت هذا الجدل كله".

الفنانة هبة صالح شاركت في صالون الشباب بفكرة حصدت عليها على الجائزة التشجيعية عام 2015، فقد جلست تجلس القرفصاء، لتعمل على تخريط ملوخية خضراء، وكان هذا الأسلوب الذي استخدمته يعرف في الفن باسم "البيرفورمانس" أو الأداء الحركي

تعرضت هبه صالح لموجة بين السخرية لكنها دافعت عن ذلك وقالت إنها اختارت الملوخية، لأنها نبات اعتاد المصريون استخدامه في الطعام، وهو جزء من الثقافة المصرية، كما يعده كل إقليم في مصر بطريقة مختلفة، ومنذ أيام الفراعنة، وأصبحت أكلة مصرية مميزة، وتم الاهتمام بها وتعميمها على هيئات وقطاعات الدولة لرعايتها، وهى رمز في العمل.

يعتبر البعض أن الفن الناجح هو الفن الذي ينجح في إثارة نقاشات في محلها عن قضايا مهمة، والحقيقة الموزة نجحت في ذلك، فيما اعتبر البعض علاقة العمل الفني بسوق الفني علاقة مركبة جدا، وغير مرتبطة بالجودة لأن "الجودة" معيار متغير وأحيانا عبثي.

وهو ما يحيل إلى قصة عمل فني آخر أحدث جدلا واسعا عام 1966 للفنانة اليابانية الكبيرة "يوكو اونو" وكان عبارة عن تفاحة خضراء على قاعدة، وأثناء زيارة نجم فريق البيتلز جون لينون للمعرض، التبس عليه أمر التفاحة، ولم يدرك أنها معروضة ضمن القطع الفنية للفنانة فقضم منها قطعة، وغضبت "يوكو اونو" لكن للمفارقة أن هذه التفاحة كانت بداية لقصة حب بينهما انتهت بالزواج.