رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"خلوة النبى".. "الدستور" فى الجزائر: جولة بـ"قدس الأقداس" فى "غرداية"

جريدة الدستور

كانت البداية من أحد الشيوخ المشهود لهم بالإيمان فى الجزائر، يسمى الشيخ أحمد الولى، وهو رجل صوفى يقال إن النبى، صلى الله عليه وسلم، جاءه فى رؤيا بالمنام، يطلب منه إنشاء «خلوة»، لذكر الله تعالى واستقبال البركات والعطايا الإلهية، فاستيقظ الشيخ من منامه وبدأ بالفعل فى إنشاء الخلوة التى سميت بـ«الخلوة المحمدية»، فى ولاية «غرداية».

ومن وقتها ويأتى إلى «الخلوة المحمدية» المريدون من كل بقاع الأرض لـ«التطهر من أدران الروح»، وفق ما يعتقده مريدونها. فحسبهم «يأتى إليها المريد، لا يضع أمامه سوى رضا الله، تاركًا الدنيا بكل ما فيها، قلبه معلق بالله وبحبيبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويمكث فيها لمدة شهر كامل، يذكر الله ليل نهار حتى يرى أنوارًا وكشوفات وتجليات داخل الخلوة، تجعله يعود إلى أهله كيوم ولدته أمه».

ربما ستطوف روحك بين السموات السبع مثلما شعر أحد المريدين، ربما تحدث لك «الجذبة»، لكنك على أى حال ستكون شاهدًا على تلك الروحانيات والأسرار العجيبة، التى تحيط بتلك الخلوة.
«الدستور» دخلت «الخلوة المحمدية»، وعاينت أسرار أهل الله، الذين تركوا الدنيا وراء ظهورهم وجاءوا من أقصى المشارق والمغارب للتشرب من روحانيات ونفحات تلك الخلوة.

مريدون من المغرب وليبيا: نقيم فيها شهرًا حتى حدوث «الجذبة».. ودخولها بـ«إذن إلهى»

قال محمد الشيخى، أحد المقيمين فى «الخلوة المحمدية»، إنه جاء من المغرب قاصدًا تلك الخلوة المباركة، التى سمع عنها كثيرًا من مريدى الصوفية، لكى يتعرض للبركات والروحانيات بها.
وأضاف «الشيخى»: «سمعت الكثير من العجائب والغرائب عن تلك الخلوة الربانية، وما تفعله فى المريد الذى يزورها ويمكث فيها، لذلك أخذت القرار وعقدت النية أن آتى من بلادى إلى الجزائر لكى أتعرض لأنوار هذا المكان الذى يتجمع فيه أهل التصوف كل عام، خاصة فى ذكرى المولد النبوى، لينهلوا من الروحانيات والنفحات التى تحدث فى هذا المكان الذى لا ينقطع عنه ذكر الله».
وواصل المريد المغربى: «عندما أتيت ودخلت المكان، تملكنى شعور غريب فى البداية، حيث وجدت شبابًا وناسًا كثيرين يذكرون الله، حتى إن رأسى يصدع ويوجع من كثرة الذكر، إلا أننى فى اليوم الثانى وجدت نفسى منجذبًا للذكر وأشارك فيه، وشعرت وكأن روحى خرجت منى وطافت السموات السبع وعادت لى مرة أخرى». وأقسم المريد الصوفى قائلًا: «فوالله شىء عجيب وغريب يحدث فى هذه الخلوة النبوية الربانية. كنت فى البداية أعتقد أن ما سمعته غير صحيح، إلا أننى عندما جربت بنفسى وجدت الأمر حقيقيًّا».
وبَيَّن «الشيخى» أن مريدى الصوفية يأتون من مصر وليبيا والمغرب والعراق وكل دول العالم، لتلك الخلوة «المباركة»، للاختلاء مع أنفسهم، حتى يغفر الله لهم ذنوبهم، مضيفًا: «هذا المكان مبارك بالله وأهل الله، ومن يأتى إليه ينال الخير الكثير، فكل من كانت له حاجة أو طلب عند المولى سبحانه، يأتى لهذا المكان ويدعو المولى سبحانه بنية خالصة، فتقضى له حاجته وأنا جربت ذلك بنفسى».
واتفق أحمد وجدانى، من دولة ليبيا، مع ما ذكره «الشيخى»، قائلًا إنه يأتى إلى «خلوة النبى»، أو «الخلوة المحمدية»، بصفة مستمرة، ومعه الكثير من المريدين والمحبين الذين يكونون عطشى لتلك الروحانيات والبركات التى لا توجد فى أماكن كثيرة، معقبًا: «عندما نسمع أن هناك مكانًا مقدسًا مباركًا كهذا، نذهب إليه، لندعو الله فيه».
وأضاف: «هذه البقاع مباركة ومحفوظة ومحاطة بأسرار معينة، تجعل من يأتى إليها يتقرب أكثر وأكثر للحضرة التى يحضرها ويراها النبى، صلى الله عليه وسلم. من الممكن أن من يقرأ هذا الكلام لا يصدق ما نقوله، لكن إذا جاء وتعرض لأنوار هذه الخلوة وما يحدث فيها من تجليات نبوية وربانية سيغير رأيه بكل تأكيد».
وذكر «وجدانى» أنه عندما جاء أول مرة لـ«الخلوة المحمدية»، وجد المريدين كالسيل الجارف، وعندما سأل أحد المترددين على المكان، قال له: «يأتون من كل أنحاء العالم، لهذا المكان، لكى ينهلوا من بركاته، فكل إنسان يأتى إلى هنا تكون له حاجة يطلبها من المولى سبحانه، إضافة إلى أن الأسرار الإلهية الموجودة بالمكان تجعل له طابعًا خاصًا، فكل من يأتى ويمكث داخل هذه الخلوة السرية، لمدة شهر كامل، تحدث له (الجذبة)»، موضحًا أن «الجذبة» هذه تعنى أن الله يجذب قلب المحب له، ويجعله معلقًا به، فيكون دائم الذكر لله، ودائم الصلاة على رسول الله.
وشدد على أن الدخول لهذه الخلوة والمجىء إليها يتطلب «الإذن»، وهذا «الإذن» ليس من الشيخ القائم على الساحة، بل يكون «إذنًا إلهيًّا» من المولى سبحانه، وفق تعبيره، موضحًا أنه «لا يأتى إلى الخلوة إلا المصطفون من قبل رب العباد، فمثلما جاءت البشارة للشيخ بإنشاء هذه الخلوة، تأتى البشارة للمريد بالزيارة، والمكوث داخل هذه الخلوة الربانية التى تكون لأهل الله المختارين من قبل معية المولى سبحانه وتعالى».


صوفيون يأتون إليها من مصر وتونس.. وشيخها أنشأها استجابة لـ«رؤيا» أتته فى المنام

ذكر محمد بوزيد، مريد صوفى جزائرى، أن «الخلوة المحمدية» أنشأها شيخها بإذن من الله، فى «رؤيا» أتته بالمنام، مشيرًا إلى أنها تحوى العديد من «الأسرار العجيبة»، فمنذ إنشائها حاول السلفيون هدمها أو إغلاقها فى أوقات كثيرة، ولم ينجحوا فى ذلك، لأن المولى سبحانه حاميها وحارسها وحافظها، وفق قوله.
وأضاف «بوزيد»: «شيخ الساحة قال فى بعض المرات إن ملائكة من السماء تحمى هذه الخلوة الربانية، من شر الأشرار وكيد الفجار، وكل من يسعى ويحاول منع هذا الخير وتلك البركة عن المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها لن يوفقه الله، فهذه الخلوة أنشئت وأسست بإذن ربانى، فلذلك يجب على الجميع أن يلتزم بذلك الإذن، ولا يتعدى حدود الله، حتى لا تحدث مشكلات له».
وواصل: «المريدون يأتون إلى الخلوة المحمدية من كل حدب وصوب، فلا يقتصر الحضور على صوفية الجزائر فقط، بل إن هناك آلاف المريدين من المغرب وليبيا وتونس ومصر والعديد من الدول الأخرى يأتون لهذا المكان لكى يكونوا فى معية المولى سبحانه».
وأرجع ذلك إلى أن «هذا المكان مبارك بسر النبى، صلى الله عليه وسلم، باركه الله بالرؤيا الربانية التى رآها الشيخ الذى أنشأ هذه الساحة المباركة، فلا يمكن بعد هذا كله أن نقول إن بركات وكرامات هذا المكان دجل أو شعوذة».
وقال محمد ماهيا، صوفى جزائرى، إن التيارات والجماعات السلفية المتشددة فكريًّا حاولت كثيرًا منع الطقوس والاحتفالات التى تقام داخل هذه «البقعة الطاهرة»، لكنها فشلت، لأن «هذه الخلوة الربانية محمية من المولى سبحانه، ولا يمكن للسلفية أو غيرهم غلق هذا المكان الذى يذكر فيه اسم الله ليل نهار، فهذا المكان مبارك بالشيوخ الأفاضل الموجودين فيه، وكذلك مبارك ومحفوظ من النبى محمد صلى الله عليه وسلم».
وأضاف «ماهيا»: «المريدون يأتون من كل أنحاء العالم، لذكر المولى سبحانه، فما المشكلة فى ذلك؟ هل ذكر الله حرام بالنسبة للسلفية والتيارات المتشددة أم ماذا؟، نحن لم نجد أى مبرر يجعل هذه الجماعات المتشددة فكريًا تتربص بأهل الطرق الصوفية، الذين يقصدون هذا المكان المبارك».
وأكد الشيخ محمد الطاهر، من مريدى الصوفية بدولة الجزائر، أن «الخلوة المحمدية» أنشئت وفق رؤيا نبوية شريفة، والشيخ الذى شاهد هذه الرؤيا معروف عنه الصلاح والتقوى، لذلك لم يعارض أحد إقامتها، خاصة أنها معدة للذكر والصلاة وقراءة الأوراد، وإقامة الحضرات الصوفية المجمعة، وغير ذلك من الأمور، لذا يقصدها مريدو التصوف من أنحاء الجزائر والعالم الإسلامى، لأنهم وجدوا فيها الخير الكثير.
أما بالنسبة للطقوس التى تقام فيها، فذكر أنها طقوس إسلامية مباركة، لا توجد فيها مخالفة للدين الإسلامى الحنيف، موضحًا أن أهم طقوس الخلوة الذكر الدائم، وقراءة القرآن الكريم، وإقامة الصلاة فى أوقاتها، وغير ذلك من الأمور الحميدة، كما أن الذكر لا يكاد ينقطع منها ليلًا أو نهارًا.
وتابع «الطاهر»: «هذه الخلوات المباركة موجودة عند أهل الصوفية فى كل أنحاء العالم الإسلامى، والهدف الرئيسى منها هو ذكر الله، وتأديب المريدين، وجعلهم يسلكون طريق أهل الله، دون وجود أى مغالاة أو تطرف، وهذا يهدف لتصحيح الصورة السيئة التى انطبعت عند الطرف الآخر عن الإسلام والمسلمين، فهذه الخلوات تؤسس للوسطية الدينية سواء فى الجزائر أو غيرها».
وقال حمزة آل سيد الشيخ، مدير الملتقى الدولى الثالث للطريقة الشيخية فى الجزائر، إن «الخلوة المحمدية» خلوة مباركة يزورها الناس، ويذكرون الله فيها، إضافة إلى أنها تحوى بعض آثار الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تحدث فيها أشياء مخالفة للشريعة كما يدعى البعض، مضيفًا: «نسأل الله أن تكون هذه الخلوة من الخلوات الصالحة التى يتجمع فيها الناس لذكر المولى سبحانه».
واختتم: «الخلوات الصوفية موجودة بكثرة فى الجزائر، وهدفها تنقية النفس من الذنوب والمعاصى، وذلك من خلال قراءة القرآن والذكر الصوفى الدائم الذى يحدث داخلها».