رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الركود إلى النهوض «5»

محمد الباز يكتب: نهاية عصر خداع الجماهير.. الإعلام يعبر حواجز الدجل والشعوذة والإلهاء والفوضى

محمد الباز
محمد الباز

محمود سعد رفع السقف فى «ماسبيرو» فى إطار خطة لسحب الناس مرة أخرى ليجلسوا أمام التليفزيون المصرى

يسرى فودة وقع مع قناة أخبار كان يشرف عليها أحمد عز قبل أحداث يناير بأيام قليلة

الإعلام كان أداة من أدوات الإلهاء والتغييب خلال السنوات الأخيرة من عهد حسنى مبارك

ما حدث فى الإعلام بعد ٢٠١٦ كان دافعه الأساسى هو عبور حواجز التضليل والفوضى




فى بدايات تسعينيات القرن العشرين قررت الدولة المصرية دخول عصر الريادة الإعلامية، ورغم لمعان الفكرة وبريق الهدف ورقى الغاية ونبل المقصد فإن التنفيذ كان هزيلًا للدرجة التى لم تتناسب أبدًا مع قيمة دولة كبيرة مثل مصر، تمتلك عمقًا حضاريًا وتراثًا ثقافيًا هائلًا.
ظللنا عقودًا طويلة نستسلم لقناتين يمتلكهما التليفزيون المصرى، ظهرت بعدهما القناة «الثالثة» التى كانت تغطى محيط القاهرة الكبرى، وبعدها بدأ السيل فى التدفق، فظهرت القناة «الفضائية المصرية» والقنوات المحلية، ثم لحقت بها القنوات المتخصصة، فوجدنا فى طريقنا قنوات «المعلومات» و«الأسرة والطفل» و«المنوعات» و«الدراما» و«السينما» و«الثقافية» وقناة «التنوير» التى لم تصمد طويلًا.
تعاملت الدولة المصرية مع الريادة على أنها متغير كمى فقط دون الاهتمام بالمضمون الذى تقدمه، فكان أن انكشفنا تمامًا أمام القنوات العربية التى بدأت تزاحم فى عالم الفضائيات.
كانت الفضائيات العربية يقف خلفها دول ورجال أعمال من العيار الثقيل، ينفقون ببذخ هائل، وكان غريبًا مثلًا أن تجد الفنانين المصريين على هذه القنوات فى قمة تألقهم وتدفقهم وحديثهم الممتع، بينما عندما يظهرون فى القنوات المصرية تجدهم متخشبين إلى درجة كبيرة، لا يخرج منهم الكلام إلا بعد معاناة شديدة.
كان ما يحدث لافتًا، ولم أعرف له سرًا، حتى كنت ضيفًا على برنامج «اسهر معانا» الذى كانت تقدمه الإعلامية اللامعة سلمى الشماع، وكان معى الناقد الكبير الراحل عصام بصيلة، وطرحت هذه الفكرة باحثًا لها عن تفسير.
دون تفكير قال بصيلة: الأمر طبيعى جدًا، النجم المصرى عندما يظهر على هذه القنوات يحصل على مبالغ مالية كبيرة جدًا، ولذلك إذا طُلب منه أن يقف فى الاستديو ليرقص عشرة بلدى، فلن يمانع، لكنه عندما يظهر على الشاشات المصرية لا يحصل على أى شىء، ولذلك يتحدث بشروطه والطريقة التى يريدها ولا تستطيع أن تطلب منه شيئًا لا يريده، بل إنك لو طلبت منه ما لا يعجبه فلن يتجاوب معك على الإطلاق.
الاستضافة المدفوعة للفنانين المصريين تحولت مع السنوات إلى احتكار كامل ولسنوات عديدة، ورغم المكاسب الكثيرة التى حققها هؤلاء الفنانون، فإنهم كان يتم تجميدهم أحيانًا، فلا ينتجون شيئًا، بل إن بعض الفضائيات العربية بدأت فى شراء تراث السينما المصرية بحجة أنها تقوم بترميمه، وبدأنا نشاهد أفلامًا على هذه القنوات ممنوع عرضها على التليفزيون المصرى، بل وجدنا أنفسنا نشاهد مواد فيلمية ليست موجودة فى مكتبة التليفزيون رعم أنه يملكها، وكان التفسير الوحيد لذلك أنها خرجت من مبنى ماسبيرو بفعل فاعل، فى عمليات سرقة واضحة.
كانت الدولة المصرية عاجزة تمامًا عن فعل شىء فى مواجهة الوحش العربى، الذى يبدو أنه كان يتحرك بخطوات ثابتة لسرقة الريادة المصرية التى لم نحسِّن صنعها.
كان لا بد أن تتحرك الدولة، فخففت الضغط قليلًا على رجال الأعمال، وسمحت لهم بتأسيس قنوات فضائية، فظهرت قناتا «دريم» و«المحور» وبعد سنوات طويلة ظهرت قنوات نجيب ساويرس التى أطلق عليها فى البداية «o tv» ثم استقرت بعد ذلك لتصبح قنوات «on tv».
اجتهدت هذه القنوات فى تقديم محتوى إعلامى له قيمة، لكنها فى الوقت نفسه كانت قنوات لأصحابها، حيث حرصوا على تحقيق أهدافهم وحماية مصالحهم، وهو ما بدا من ممارسات كثيرة كانوا خلالها يظهرون أنيابهم عبر شاشاتهم فى مواجهة من يهددونهم، أو محاولة كسب ود النظام والتخديم عليه.
استطاعت هذه القنوات أن تنافس وبشدة زحف القنوات العربية بما قدمته من مواد إعلامية ودرامية وما صنعته من نجوم الشاشات الذين تمكنوا من صياغة الإعلام على هواهم لسنوات طويلة.
أعادت قناة دريم لهالة سرحان كرامتها ومجدها.
كانت الإعلامية الكبيرة قد غادرت قنوات «art» بعد خلاف مع الفنانة صفاء أبوالسعود، زوجة صاحب الشبكة، الشيخ صالح كامل، وهى المغادرة التى جرت على خلفية سرقة الكاميرا منها فى «الخيمة الرمضانية»، برنامج المنوعات السنوى الذى كانت الشبكة تحرص على تقديمه كل عام، ويجتمع فيه كل النجوم المصريين.
خرجت هالة سرحان مجروحة، ولأن من يعرفها يثق فى أنها لا تقبل الهزيمة أبدًا، فقد قبلت عرض أحمد بهجت للعمل فى قناة «دريم»، ولأنها كانت تريد تحقيق أكبر نجاح فى أقل وقت، فقد عمدت إلى استخدام كل أشكال الإثارة التليفزيونية، فلم تكن تناقش إلا القضايا الجدلية التى تثير صخبًا وغبارًا، ولا تستضيف إلا النجوم الذين يملأون الدنيا ويشغلون الناس، وكانت طوال الوقت تعد الجمهور بأنها ستصل بشبكة قنوات دريم- كانت تتعامل معها على أنها شبكة رغم أنها لم تكن تملك إلا قناة واحدة- إلى خمس قنوات فى إشارة إلى منافستها لشبكة غريمتها صفاء أبوالسعود.
الإثارة التليفزيونية قادت هالة سرحان إلى أن تزل قدمها مرتين.
الأولى، عندما قدمت حلقة استضافت فيها كل راقصات مصر، وكان أحمد بهجت حاضرًا فى الاستديو، ورغم أن الحلقة حظيت بأكبر نسبة مشاهدة فإنها قلبت الدنيا على رأس هالة سرحان، ووضعتها فى مرمى السهام، فقد كانت الحلقة تُذاع وحادث قطار الصعيد المروع- وقع فى العام ٢٠٠٢- لا يزال يزلزل قلوب المصريين، ويطاردهم بالكوابيس فى أحلامهم، بسبب صور الجثث المتفحمة التى كان يحملها الناس خارجين من حطام القطار.
اتهم الجميع وقتها، وكنت أحدهم، هالة سرحان بأنها إعلامية غير مسئولة، ولم يكن لائقًا أبدًا أن تقدم حلقة بكل هذا الصخب وكل هذا الرقص وكل هذه البهجة المصطنعة، وبيوت مئات المصريين يلفها الحزن ويقيم فيها القهر على أولادهم الذين راحوا بلا ثمن.
الزلة الثانية، كانت عندما خصصت هالة سرحان حلقة من أحد برامجها لمناقشة العادة السرية، وفعلت ذلك بشكل مكشوف، اعتبره البعض فاضحًا، وهو ما عرّضها لحملة صحفية كبرى قادتها وقتها جريدة الوفد، خرجت بعدها من قناتها التى رفعت أسهمها إلى السماء، وقيل وقتها إن هالة سرحان لا تُعاقَب على مناقشتها العادة السرية، ولكنها تدفع ثمن تحمسها لاستضافة الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل فى حوارات مطولة لم تعجب أركان النظام المصرى وقتها.
ولو سألتنى عن تصدى جريدة الوفد للهجوم على هالة سرحان- وهو الهجوم الذى يصل إلى مرحلة التصفية المعنوية وهى جريدة معارضة- إذا كان رجال النظام الذين تعارضهم الجريدة هم الذين غضبوا؟
سأقول لك إن هذه كانت حيلة من حيل نظام مبارك، فقد كان يصفى من يعتبرهم خصومه باستخدام خصومه أيضًا، وكم كان عبقريًا فى ذلك.
الفضائيات الخاصة وتحديدًا قناة «دريم» أعادت أيضًا صياغة منى الشاذلى، المذيعة الشابة وقتها التى قدمت أكثر من برنامج على شبكة الشيخ صالح كامل، ومنها «ألو art» و«القضية لم تحسم بعد»، وهى البرامج التى صنعت لها جماهيرية محدودة فى أوساط بعينها، وهى الأوساط التى استقرت عليها لتقدم البرنامج الأشهر فى دريم «العاشرة مساء».
كانت منى الشاذلى فى برنامجها أحد عناصر الإثارة فى المجتمع المصرى، فعبر برنامجها ظهر أعضاء جماعة الإخوان المسلمين لأول مرة تقريبًا فى الإعلام المصرى، وهناك من يؤكد أن «منى» تم استخدامها لاختراق النظام من خلال تقديم رموز معارضته وتلميعهم وتقديمهم إلى الرأى العام بصورة مغايرة تمامًا لتلك التى حرص نظام مبارك على تقديمهم من خلالها.
لكننى عندما تحدثت معها عن ذلك قالت إنها لم تكن تفعل أكثر من ممارسة عملها الإعلامى، فهى مذيعة تقدم برنامجًا سياسيًا، وكان السياق العام يسمح بأن تظهر المعارضة فى الإعلام ومن بينها الإخوان، ولم يكن هناك ما يمنع ذلك أو يحول دونه، وإذا كان ظهور أفراد بعينهم فى برنامجها جعلهم يحققون أهدافًا معينة، فهى ليست مسئولة عن ذلك، فكل ما تعرفه أنها أدت دورها الإعلامى على الوجه الأكمل.
واستطاعت الفضائيات المصرية الخاصة أن تعيد صياغة نجم إعلامى جاءها من مدرسة أخرى تمامًا، وهو يسرى فودة، الذى عرفه المصريون من برنامج «سرى للغاية» الذى ظل يقدمه لسنوات على شاشة قناة الجزيرة.
جاء يسرى فودة ضمن صفقة سياسية ادخره النظام المصرى لها، هو نفسه قال لبعض المقربين منه «لقد عدنا لنساعد الولد فى الوصول إلى الكرسى»، وكان يقصد بالولد تحديدًا جمال مبارك، وهو ما بدا حقيقيًا وواضحًا عندما وقع يسرى لقناة الأخبار الجديدة التى كان يُشرف عليها أحمد عز بنفسه، وقد جرى التوقيع قبل أحداث يناير ٢٠١١ بأيام، لكن أحداث الثورة أطاحت بكل شىء، وأنقذت يسرى فيما يبدو.
عندما عاد يسرى فودة إلى القاهرة كانت الصفقة لا تزال فى مرحلة التجهيز، ولأنه لا بد أن يعمل فقد بدأ الظهور عبر قناة نجيب ساويرس «on tv» من خلال برنامجه «آخر كلام»، وكان لافتًا للانتباه جدًا أن يستضيف إسرائيليين فى حلقته الأولى التى قدمها فى ٦ أكتوبر ٢٠٠٩.
صحيح أن من حدثهم من إسرائيليين كانوا جنرالات سابقين فى جيش الاحتلال الإسرائيلى، وذكرهم بالتأثير النفسى لحرب أكتوبر عليهم ساخرًا منهم، لكنه استضافهم فى النهاية، ورغم أن ما فعله كان غريبًا ومستهجنًا فى آنٍ واحد، إلا أن أحدًا لم يشعر به ولا ببرنامجه، فقد ظل يعمل فى الظل حتى قامت ثورة ٢٥ يناير، فأعاد تقديم نفسه من جديد كمناضل كبير ومحرك للأحداث فى الشارع وشريك فى الثورة، رغم أنه ظل فى بيته على كورنيش المعادى يترقب ما يحدث على الأرض، وبعد أن تأكد من انتصار الشباب فى الشارع، نزل ليشارك فى تغطيات بائسة على الهواء مباشرة لما يفعله الأبطال الحقيقيون على الأرض.
أسهمت قناة «دريم» فى تصنيع إبراهيم عيسى من جديد.
كان إبراهيم يعانى من استبعاده وإغلاق صحفه الواحدة تلو الأخرى، حتى قابله أحمد بهجت فأبدى إعجابه الشديد بخفة ظله وثقافته، فعرض عليه أن يقدم برنامجًا على شاشته، فظهر برنامج «ع القهوة»، وهو البرنامج الذى كان مناسبًا لشخصية إبراهيم وأدائه، لكنه تمكن من ترك القهوة بعد ذلك وقدم عدة برامج دينية استخدم فيها مخزونه الثقافى كله.
وجد التليفزيون المصرى نفسه فى مأزق، فبدأ هو الآخر يعيد تدوير إعلاميين ظهروا فى قنوات أخرى، وكان من بين هؤلاء الإعلامى الكبير محمود سعد، الذى سُمح له أن يتجاوز سقف ماسبيرو فيما يقوله، وهو ما منح محمود جماهيرية كبيرة، وهى الجماهيرية المفهومة تمامًا، فأن تقول كلامًا مختلفًا فى التليفزيون المصرى فهو أمر يحسب لك، دون أن ينتبه الناس أنه محسوب أيضًا لمن سمح به، رغم أنه لم يُسمح به إلا فى إطار خطة واضحة وممنهجة لسحب الناس مرة أخرى ليجلسوا أمام شاشات ماسبيرو بعد أن انصرفوا عنها تمامًا.
إلى جوار هذه القنوات بدأ ما يمكن أن نسميه البيزنس الفضائى الخفى، ولأنه كان لا بد من تشغيل النايل سات، فقد سُمح لقنوات عديدة أن تظهر، وكان يمكن لأى رجل أعمال يملك عدة ملايين أن يكون صاحب قناة، ولأنهم لم يكونوا قادرين على الاستعانة بنجوم كبار فى عالم الميديا، فقد تحولت هذه القنوات إلى مرتع لنشر الدجل والشعوذة والرقية الشرعية وشيوخ الفتاوى الشاذة، ولأنها كانت حريصة على جذب الانتباه فقد تحولت فيها البرامج الحوارية إلى ما يشبه ساحات العراك والشجار العبثى، للدرجة التى كان الضيوف فيها يتبادلون الشتائم ولا يترددون عن رفع كراسى الاستديو فى وجه بعضهم البعض.
كنت قد تلقيت اتصالًا من سيدة عربية تشكو لى أن أحد الشيوخ نصب عليها، فقد طلبت منه شيئًا وبعد أن حصل منها على ١٠ آلاف دولار لم يف لها بوعده، لم تقل لى السيدة العربية شيئًا عما طلبته ممن أطلقت عليه شيخًا، لكننى عندما بحثت عنه وجدت أنه ليس إلا دجالًا يعمل فى محافظة الشرقية.
نشرتُ القصة الكاملة للدجال مع السيدة العربية، لأجد إحدى القنوات المجهولة، التى يمكن أن تطلق عليها «قنوات بير السلم» وأنت مرتاح الضمير تمامًا، تتواصل معى للظهور فى أحد برامجها، قالوا لى إن موضوع الحلقة هو النصب باسم الدين، وكانت المفاجأة أنهم تواصلوا مع السيدة العربية نفسها التى حدثتنى عن دجال الشرقية.
عندما تحدثت أيقنت هوة الدرك الذى أوقعت نفسى فيه.
قالت السيدة إنها تواصلت مع دجال الشرقية، وطلبت منه أن يوفر لها خادمًا من الجن، وإنه طلب منها عشرة آلاف دولار أرسلتها له على الفور، لكنه خدعها ووفر لها خادمًا مسيحيًا من الجن، وهى لا تريد أن يدخل بيتها جنى مسيحى، لكنه رفض أن يستبدل لها الخادم.
لم تكن الصدمة فقط فيما قالته السيدة العربية، ولكنها كانت فى مقدم البرنامج الذى كان فى نفس الوقت، كما عرفت، أحد الشيوخ الذين يعالجون بالرقية، فقد تفاعل معها بشدة، وسألها عن تفاصيل كثيرة، ووجدته يتجاوب معها إلى النهاية، ولم يكن غريبًا بالنسبة لى بعد ذلك أن أجد مقدم البرنامج يعدها بأن يوفر لها ما طلبته.
لا أحكى لكم عن شىء سمعته أو شاهدته عبر الشاشة، لكننى كنت موجودًا فى الاستديو الذى استقبل المكالمة على الهواء، ولم أعرف وقتها بأى شىء أعلق، فقد أدركت أننا وصلنا إلى آخر درك فى تضليل الجماهير وخداعهم وإلهائهم.
هل يمكن لنا أن نمسك بالكلمة الأخيرة، وهى «الإلهاء»؟
أعتقد أننا فى حاجة لذلك تمامًا، ففى السنوات الأخيرة بعصر مبارك كان الدور الذى لعبه الإعلام هو الإلهاء حتى يُبعد الجماهير تمامًا عن القضايا الأساسية، وعندما اهتم بهذه القضايا كان ذلك لصالح جماعات بعينها، ولم يكن للصالح العام أى نصيب.
الإلهاء كان يستوجب ما يمكن أن نسميه التغييب الذى تم ببراعة شديدة، وقد استخدم فيه التركيز على عناصر الغيبيات التى استجاب لها المجتمع المصرى بشدة، وغرق فيها حتى أذنيه، للدرجة التى كنت تجد فيها قناة فضائية، حاصلة على ترخيص، يقوم صاحبها باستخراج الجن على الهواء مباشرة.
وكنت تسأل نفسك: أى بلد هذا الذى نعيش فيه؟
لكن للأسف الشديد لم يكن يجيبك أحد، لأنه لم يكن هناك من يريد أن يجيب، لأننا على الأرجح كنا أمام خطة كاملة لإغراق المجتمع المصرى من التيه.
ستقول لى ما تذهب إليه خطأ تمامًا، فكيف تتعامل مع إعلام السنوات الأخيرة فى عصر مبارك على أنه كان وسيلة للتضليل والتغييب والإلهاء، وهو الإعلام نفسه الذى شحن الشارع وجعل الملايين يخرجون إلى الشوارع فى ٢٥ يناير؟
سأرد عليك بما تعرفه على وجه اليقين: فما تقوله ليس صحيحًا بالمرة، لأن الذين خرجوا فى ٢٥ يناير كان من بين مطالبهم وضع ميثاق شرف إعلامى، وهو ما يشير إلى أن الناس كانوا يعرفون أن الإعلام كان ضدهم ولم يكن يومًا ما معهم، لكنهم لم يكونوا يعلمون بالتفاصيل الكاملة لما حدث.
بعد ٢٥ يناير وربما حتى سنوات متقدمة، قد تصل بنا إلى العام ٢٠١٦، كان الإعلام وجهًا من وجوه الفوضى.
وقبل أن تسألنى عن ملامح ذلك سأقول لك إن هذا حديث آخر؟
يكفى أن تعرف منه أن كل ما جرى فى الإعلام بعد عام ٢٠١٦ وتفاصيله ليس معروفًا على وجه الدقة لكثيرين، كان دافعه الأساسى هو عبور حواجز التضليل والفوضى.
وهو ما يجعلنا نعيد السؤال الذى لا بد أن يسيطر عليك الآن: وهل نجح فى ذلك؟
وحتى تعرف الإجابة، ما رأيك أن نفتح حديثًا جديدًا.