رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالصور| أدب الطفل فيه سم قاتل.. قصص قصيرة تروّج للإرهاب والقتل والتعذيب

جريدة الدستور

حكاية الدمية الكبيرة المحشوة بقطن من بقايا الأكفان، أو شخصية أم رٍجل مسلوخة التى يخيفون بها الصغار، كلها كانت قصص خرافية تقال بهدف الترهيب، مع الوقت أصبحت مجرد أضحوكة ، ومثلما تطور كل شيء حولنا تطورت الحكايات، لكن للأسوأ، حيث أضيفت خلطات من تمجيد العنف والدموية، بل وترسيخ ذلك كفعل مقبول في أذهان الأطفال داخل قصص مصورة باللغتين العربية والإنجليزية تباع لصغار السن على الأرصفة.

البداية كانت من منشورين على موقع "فيسبوك" كلاهما لسيدتين تسجلان كلمات العنف والدموية بالقصص، التى قادتنا لجولة حول أرصفة سور الأزبكية، والفجالة لنعرف ما الذي حدث لأدب الطفل حتى تحول من مصدر لرفع وعي الصغار ومخاطبة مخيلتهم، إلى أداة تمجد القسوة والوحشية.

ذبح وحرق واغتصاب فى حكايات للأطفال

"ضرب الرجل القرد ضربًا شديدًا لكي يساعده في العمل، ولكنه كان يرفض ذلك حتى جاء صاحب العمل بالمعزة وربط يديها أمام القرد ثم ذبحها حتى تكن عبرة له لكي يعمل، وبالفعل قام القرد وبدأ العمل وتخلص من الكسل". هذه الفقرة ليست جزءًا من فيلم رعب، ولكنها تُباع على أرصفة سور الأزبكية ضمن العديد من قصص الأطفال لكاتبها محمد عادل السحار، بعنوان "الحداد والقرد"، وبالصدفة تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي من خلال منشور لإحدى الأمهات التى كتبت: "اشتريت القصة لبنتي وفوجئت بالتفاصيل الدموية فيها، فلم أكمل قراءتها".

أما المنشور الثاني فكان قصة تحكي عن لصوص تعاملوا مع فتاة بقسوة، وتم قطع إصبعها بعد وفاتها بسبب سرقة خاتم ذهب، جاء فيها: "وبعد حين دخل رجال العصابة إلى المنزل كانوا سكارى، وكانوا يجرون معهم فتاة أخرى كانت تصرخ، ولكنهم لم يكترثوا بصراخها، وأجبروا الفتاة على احتساء الخمر حتى خارت قواها، وعبثوا بها ثم قتلوها، وأبصر أحد اللصوص خاتمًا ذهبيًا في يد الفتاة لم يتمكن اللص من نزع الخاتم بسهولة، فأخذ فأسا وقطع بها أصبع الفتاة".

تتبعت «الدستور» المنشورين، وردود الأفعال حولهما، وأسفرت الجولة عن رؤية العديد من القصص الكارثية التى تباع بأسعار زهيدة موضوعة داخل أغلفة جذابة يمكنها بالفعل خطف الأنظار، لكن بداخلها سما قاتلا.

"المختار الثقفي".. ترسخ للانتقام

قصة قصيرة مصورة للأطفال بعنوان "المختار الثقفى"، صدرت عن دار المحجة البيضاء ببيروت، تشجع على العنف الوحشى المشبع بالدماء والقتل، وتنمى فى الأطفال فكرة الإرهاب المقبول للدفاع عن شىء ما أو شخص ما، القصة من وحى ذكرى عاشوراء، تستعرض ما قام به المختار الثقفى عندما ثأر من قتلة الإمام الحسين، فتصور منظر القتل من قطع الرءوس والذبح وقطع الأيدى والحرق، وجاء فيها: "أيها الجزار اقطع يديه ورجليه، أمرهم أن يلقوا هذا اللعين في النار حتى يحترق.. هذا رأس المجرم انتقامًا لما فعله بالأطفال في كربلاء".

على الرغم من كونها مجموعة قصص دينية عن الأنبياء والصحابة بالألوان والرسومات وموجهة خصيصًا للأطفال، فإنها تضم تفاصيل عن الحروب لا يستوعبها الصغار، صور توضح الدماء، وأجساد ممزقة ورقاب تنزف، تحت عنوان: "معارك إسلامية خالدة".

تفجرت أزمة عام 2015 داخل وزارة التربية والتعليم، حين لفتت انتباه البعض قصة بعنوان: "طيور في خطر"، بمنهج اللغة العربية للصف الثالث الابتدائي، وتتناول الكيفية التي نجح بها ملك العصافير في استدراج الصقور الأشرار داخل خيمة، وحرقهم، بينما الطيور تغني فرحًا بالانتصار، بكل ما يحمله ذلك من عنف يتنافى مع الطفولة، ومع الضغط الذي مثله ظهور داعش على المسرح، وقيامها بإحراق الأسرى بنفس الكيفية، رضخت وزارة التعليم، وقامت بحذف القصة من المقرر، غير أن تداول القصص العنيفة بهذه الكيفية يدعو للقلق، وجعلنا نتساءل عن الرقيب على هذه القصص.

بائعو سور الأزبكية: قصص الرعب الأكثر رواجًا

أكد عماد عشري، أحد البائعين بسور الأزبكية، منذ عام 1983، أن انجذاب الأطفال لقصص الرعب مقارنة بالقصص الأخرى أصبح واقعًا، فعندما يأتي الطفل لشراء قصة يقلب بين الروايات، وفي النهاية يختار قصة رعب بهدف التشويق والإثارة.

وقال خلال حديثه لـ"الدستور": "الأطفال من سن 10 إلى 13 عامًا، يميلون إلى قصص الرعب والمغامرة"، مضيفًا أن أكثر سلاسل تباع هي صرخة الرعب، وهناك الجيل الأكبر سنًا أي 15 عامًا و16 عامًا يقرأون للكاتبة آجاثا كريستي، فهي تتضمن قصصًا بوليسية.

وأضاف أن السبب في تفضيل الطفل قصص الرعب يكمن في قدرتها على إثارة فضوله، لكنها تشكل خطرًا على نفسيته وتفكيره.

وقالت هبة كرم، بائعة بسور الأزبكية: "أعمل منذ 12 عامًا بالمكتبة، وأجد الإقبال على القصص والحكايات الهادفة والتي تنمي عقل الطفل وتساعده على اكتساب مهارات جديدة ضعيفًا، وتنصح الأمهات بضرورة تعويد الطفل على قراءة الروايات ذات المعانى الإنسانية، وأن تبحث عنها قبل المجيء للشراء حتى لا تشترى قصصًا تتخللها دعوة للعنف".
يقول الخبير التربوي الدكتور محمد منصور: "هناك نماذج من العنف المادي والرمزي داخل المناهج المدرسية، وعلينا ألا نتفاجأ من هذه الحقيقة، فالمحصلة ستكون مزيدًا من التطرف الذي يفضي إلى العنف، وهو ما يؤدي إلى إضعاف المناعة الفكرية والعقائدية، بشكل يجعل عقول المتعلمين مهيأة للتجنيد والاستقطاب العقائدي، من قبل الجماعات المتطرفة".

وتابع: "مناهج اللغة العربية والتاريخ بالتحديد، تحمل في أحيان كثيرة قيمًا متناقضة مع المعايير الإنسانية، تكرس للاستقطاب الديني، من خلال قصص بطولات حربية فى قالب دينى، يؤدي إلى شرعنة ما تضمه من عنف مبالغ فيه".
ويرى محمد عبد الحافظ، رئيس المركز القومي لثقافة الطفل، أن المركز دوره بحثي وتوعوي للأسرة وللطفل، وليس رقابيًا، فهذه النوعية من القصص هي نادرة والمسئول عنها اتحاد الناشرين، مضيفًا: "ليست لدينا جهة رقابية مسؤلة عن المحتوي الذى يقدم للطفل".

واستكمل: "هناك قصص تأتي تحت مسمى مغامرات بها رعب مقدم للطفل من عمر 14 إلى 18 عامًا، وهناك من الأطفال ما يحب ما تقدمه هذه السلاسل"، مؤكدًا أن دور النشر عليها ألا تتاجر بمستقبل البلد ولا تجعل الربح في المقام الأول كما تفعل هذه الدور التي تنشر السُم للأطفال.

وأشار إلى صعوبة السيطرة على سور الأزبكية وغيره من الأماكن التي تفتقد إلى الرقابة، فتأتي أبرز الكتب لهذه المناطق من أشخاص يبيعونها بالكيلو، أو من مكاتب مجهولة، لذا على الأسرة الذهاب لمناطق موثوق بها للشراء، مثل الهيئة العامة للكتاب، ودار المعارف، والهيئة العامة لقصور الثقافة.

"الدستور" تواصلت مع دار المحجة البيضاء الناشرة لقصة مختار الثقفي، وقال مديرها، الذى رفض نشر اسمه: "يعني علق رأس الإمام الحسين عليه السلام وقطع يدي أبى الفضل سلام الله عليه هذا أفضل أختي الكريمة من صرف النظر إلى الروايات الإباحية التي تفسد الشباب"، مستكملًا: "هذه القصة لم تخلف أي آثار والدليل أنها منشورة منذ زمن، ولم تخلف في نفوس الأطفال ما يستدعي حذفها أو التخلص منها".
من جهته، علق سعيد عبده، رئيس اتحاد الناشرين المصريين: "ليست لدينا رقابة على قصص الأطفال قبل النشر وليست هناك جهة مفوض لها هذا الأمر، لكن إذا تم تقديم شكاوي عن قصة تجتمع لجنة وتقرر التخلص منها وعدم تداولها".