رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتب: الموسيقى لغة تعبير يتم إنتاجها من واقع حياة الناس

جريدة الدستور

على خلفية الجدل الدائر حول الفنان شعبان عبد الرحيم٬ وتصنيف ما قدمه على أنه موسيقى وفن أم قبح يشوّه الذوق العام، قال الكاتب وليد علاء الدين في منشور عبر فيسبوك:" الموسيقى في أبسط تعريفاتها هي فن التوليف بين الأصوات والسكتات (الصمت) عبر الزمن! فما الذي يجعل من موسيقى راقية ومن أخرى هابطة؟

سؤال يبدو شديد السهولة، لكنه فخ شديد التعقيد ولا إجابة له تقريبًا، لأن إجابته ستتعدد إلى عشرات، بل ربما مئات الإجابات الصحيحة سيضع أحدهم ساقًا فوق الأخرى ليقول لك إنها بلا شك الموسيقى الغربية ومؤلفات العظام، ثم يعدد لك بعض الأسماء التي تشبه أسماء الأدوية بالنسبة للناس.

أحدهم سيستعيذ بالله من التغريب الذي جعلنا نتبع الغالب على قاعدة ابن خلدون وننسى موسيقانا العربية الأصيلة، وقبل أن يكمل كلامه سيتصدى له أحد المدافعين عن الثقافة المصرية "الأصيلة كذلك" ليقول له إننا (المصريين يعني) بالأساس أمام حالة التغريب هذه في الحالتين سواء مع الموسيقى الغربية الكلاسيكية أو الموسيقى العربية أو سمّها الشرقية، ما علاقتنا بالموشح أو بالقصيدة أو بالطقطوقة.. أين موسيقانا المصرية؟ لا بدّ وأن أجدادنا تركوها لنا بشكل أو بآخر في البرديات أو على جدران المعابد أو في محتويات المقابر، شاب نابه سيخرج من نهاية الصف ليدافع عن موسيقى الميتال فيصرخ محب الجاز في وجهه وينتحب مشجع البلوز ويغادر المكان محب الراب وهو يتمتم بكلماته.

كل الإجابات صحيحة ما المشكلة إذن؟ المشكلة في العقلية المرجعية والسلفية التي تحكم ثقافتنا، نحن نحب ما يحدده السلف ونرفعه إلى المقام العالي ثم نعتبر ما دونه إسفافًا وتخريبًا وتراجعًا فلا نقبل التعامل معه ونسد آذاننا وعقولنا عنه ظنًّا منا أننا بذلك نقتله ونحمي الموسيقى الراقية من شروره.. تمامًا كما تظن النعامة أنها في مأمن عندما تخبئ رأسها في الرمال، أو تظن طفلتك الصغيرة أنك لا تراها عندما تغمض عيينها.

الواقع البسيط أن الموسيقى لغة تعبير يتم إنتاجها يوميًا من واقع حياة الناس وانشغالاتها وتفاصيلها وهمومها وأحزانها وأفراحها، يستحيل أن تفرض عليهم لغة أخرى باعتبارها الأرقى والأهم، لن يفهمك، لن يحسك، لن يتواصل معك، سينتظر أن تنتهي من محاضرتك ثم يدندن بما يشبهه ويحبه.

اخلع قفازاتك وفتح عينيك واسمح لأنفك بالشم وأذنيك بالسمع وعقلك بالتفكير في كل موسيقا تطرح نفسها لأنها ليست فِطرًا أو عفنًا على وجه خبز سيادتك، إنما هي خبز اليوم صنعه أهله بما يمتلكون من مكونات.. إن لم يرق لك خبزهم اعطهم مكونات أخرى، ازرع المزيد من القمح أو الشعير أو الذرة، وفر ماءً أنقى وزيوتًا غير مصنعة وزبدًا نقيًا وحليبًا ليمنحك الخبازون خبزًا تحبه أشهى من الكراوساوه والباتون ساليه والمادري إيه.
وواصل: المهرجانات موسيقى، وفقا لتعريف الموسيقى المبدئي، وموسيقى المواويل الشعبية والأفراح والموالد موسيقى شعوب مثل بقية شعوب العالم.. لا يمكنك الوقوف أمامها، ستكتسحك، كل ما يمكنك فعله أن تستقبلها بمحبة وتساعد في تحويلها إلى مولود شرعي، حتى تنمو في النور وتتخلص من أزمة المواليد غير الشرعيين، يكبرون ويتحولون إلى رجال ويتزوجون وينجبون ويكونون أسرًا لكن على هامش المجتمع نافرين منه مخاصمين له، تجاهلك لهم لن يقتلهم ولن ينفيهم فقط ستخسر إضافتهم إلى منتجك الثقافي، تمامًا كما يفعل كهنة اللغة العربية "الفصحى" الذين يترفعون عن لغة الشارع وهي في معظمها أكثر فصاحة من تفاصحهم.