رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صبحى عسيلة: منظمات مشبوهة تستخدم الاستطلاعات ضد مصر

الدكتور صبحى عسيلة
الدكتور صبحى عسيلة

حذر الدكتور صبحى عسيلة، رئيس وحدة الرأى العام بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، من إمكانية استخدام استطلاعات الرأى كأسلحة سياسية، موضحًا أن الكثير من المؤسسات المشبوهة المعادية تحاول استغلال نتائج استطلاعاتها غير الدقيقة للتحريض ضد مصر وتوجيه الرأى العام المصرى بما يخدم مصالحها.

ورأى «عسيلة»، فى حواره مع «الدستور»، أن السبب وراء حدوث ثورة ٢٥ يناير كان الشحن الخارجى للشعب ضد قيادته بهدف إسقاط الدولة المصرية، مشيرًا إلى أن الشعب أصبح أكثر وعيًا ويجهض كل المؤامرات التى تحاك ضده، وهو ما اتضح فى ثورة ٣٠ يونيو التى أطاحت بجماعة الإخوان الإرهابية.

وشدد على أن الشعب المصرى يواجه حاليًا «حربًا إلكترونية» هدفها نشر الشائعات والفوضى فى مصر، داعيًا إلى ضرورة الالتزام بمجموعة من القواعد الضرورية للسماح لأى منظمة بإجراء استطلاع رأى فى مصر، أهمها الكشف عن مصادر تمويلها.

■ بداية.. ما تعريف الرأى العام؟ وكيف يجرى رصده؟
- الرأى العام هو حاصل مجموع رغبات الجمهور فى أى مجتمع، ويتم رصده عبر فحص عينات عشوائية تمثل جميع أطياف الشعب، بهدف معرفة ما يفكر فيه الناس. وعلى الرغم من حتمية وجود «هامش خطأ» فى النتائج، لأننا بصدد علوم اجتماعية لا علوم طبيعية، ساعدنا العلم على الوصول إلى نتائج دقيقة إلى حد كبير، نستطيع وصفها بأنها «رأى عام».
وهناك عناصر يجب مراعاة الفرق بينها عند رصد الرأى العام، مثل توجهات الرأى، واتجاهات صاحبه وسلوكه، لذا نوضح لصناع القرار أن هناك مسافة كبيرة بين الرأى والسلوك ومتخذ القرار، فمن الممكن أن يكون لأحدهم رأى، لكنه غير مستعد لتحويله إلى سلوك.
على سبيل المثال، قد يشعر الإنسان بزيادة سعر منتج معين، لكن ليس كل من يشعر بذلك يكون مستعدًا للاحتجاج، فالرأى لا بد من أن يتحول إلى توجه ثم اتجاه ثم حكم ثم سلوك.
■ كيف نختار القضية التى نستطلع الرأى العام بشأنها؟
- يجب أن تكون قضية مهمة وملحة ومؤثرة على عموم الناس، مثل قضية زيادة الأسعار، أو كرة القدم. والآن، نرى دول العالم تستفسر عن آراء المواطنين فى كل شىء تقريبًا، وهنا لا نتحدث عن حكومات الدول، بل مؤسسات كبرى متخصصة فى إعداد مثل تلك الدراسات، أشهرها مؤسسة «جلوبال»، التى بدأت عملها عام ١٩٣٦.
ولكى يصل الباحثون إلى نتيجة حقيقية تمثل الرأى العام يجب ألا يكتفوا بإجراء استطلاع رأى واحد، لأنه لن يكون دقيقًا بمفرده، بل لا بد من أن يتم إجراء أكثر من استطلاع مع مقارنة نتائجها لكى نصل إلى حقيقة الرأى العام بشأن أى موضوع.
لكن إذا استهدفنا- مثلًا- معرفة رأى الناس حول الأوضاع الاقتصادية، فى ظل أزمة اقتصادية، فيجب أن نتوقع أن تؤثر الأحداث الجارية على آرائهم. فمثلًا لو أجرينا استطلاع رأى حول مدى رضا الناس عن الولايات المتحدة الأمريكية، فى ظل قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، نقل سفارة دولته إلى القدس، فمن المؤكد أن الرأى العام سيكون محتقنًا، لذا من يعمل فى هذا المجال يدرك أن الأحداث الجارية تؤثر دائمًا فى الرأى العام، وقد يتغير هذا الرأى بمرور فترة على حدوث واقعة معينة.
■ هل يمكن توجيه الرأى العام عبر استغلال واقعة معينة؟
- نعم، بالتأكيد.. دائمًا ما يتم استغلال استطلاعات الرأى، وهناك نظرية تفسر سلوك الرأى العام، تسمى «دوامة الصمت»، توضح أن الناس ينقسمون إلى شريحتين، الأولى تمثل من يكون لهم رأى واضح، والأخرى تمثل المترددين الذين لم يكونوا آراءهم الخاصة بعد، وهؤلاء المترددون غالبًا ما يميلون إلى تأييد رأى الأغلبية.
على سبيل المثال، حينما نجرى استطلاع رأى حول ممثل ما وترجح النتائج أنه أحسن ممثل فى نطاق ما، فإن المترددين يؤيدون هذا الرأى، لمجرد أن اسم هذا الفنان تردد أكثر من مرة أمامهم، لذلك ليس من الصدفة أن يُجمِع العاملون باستطلاعات الرأى على ضرورة تخصيص وقت للصمت قبل إجراء أى انتخابات، يُمنع خلاله تنظيم الحملات الانتخابية وإجراء استطلاعات رأى، لأن الدعاية دائمًا ما تكون فاعلة بالنسبة للمترددين، فبمجرد انتباههم إلى تكرار اسم معين ينجذبون إليه.
■ ما مدى تأثير نتائج استطلاعات الرأى فى قرارات الجمهور المستقبلية؟
- دائمًا ما تستخدم نتائج استطلاعات الرأى لتوجيه الجمهور وتوصيل رسائل معينة للشعوب، فعلى سبيل المثال، أجرت مؤسسة عربية استطلاع رأى، ثم أعلنت نتيجته، قائلة: «الشعب المصرى هو الأكثر كراهية لأمريكا»، لكن دون أن توضح الأسئلة التى سألتها للناس خلال الاستطلاع، ومنها: «لماذا تكره أمريكا؟».
الإجابات هنا تعلقت بسياسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، لذا فإن النتيجة محسومة، لكنها غير واقعية، لأن من العينة العشوائية أوضحت رأيها فى سياسات الحكومة الأمريكية، ولم تقل رأيها فى نموذج الحياة الأمريكى، الذى يعجب الكثيرين بالطبع.
ومن المؤكد أن هناك دولًا تستغل نتائج استطلاعات الرأى للمتاجرة بها لتحقيق أهداف سياسية معينة، فمن الممكن أن يتسبب استطلاع رأى فى إحداث أزمة بين دولتين، أى أن استطلاعات الرأى يمكن أن تستخدم كأسلحة سياسية.
■ هل نتائج استطلاعات الرأى ملزمة لأى جهة؟
- لا.. يضع صناع القرار نتائج استطلاعات الرأى فى الحسبان، ولكن لا يتخذون قراراتهم استنادًا إلى تلك النتائج فقط. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تأثير الرأى فى القضايا الداخلية يكون أكبر بكثير من تأثيره فى القضايا الخارجية، فمثلًا لو تحدثنا عن الأسعار فسيكون الرأى العام طرفًا مهمًا فى معادلة صناعة القرار، وهذا لا يحدث عادة فى القضايا الخارجية.
فنظريات العلوم السياسية تقول إن الرأى العام دائمًا ما يهتم بالقضايا الداخلية بشكل أكبر، لأنه يتأثر بها بشكل مباشر، وهذا يفسر عدم تعامل الناس بجدية مع استطلاعات الرأى بشأن أحداث خارجية. وعلى الرغم من أن الشعب الأمريكى رفض حرب العراق، فإن البيت الأبيض تصرف على أساس أن الشعب غير مهتم بالسياسة الخارجية. صانع القرار يكون حريصًا على معرفة الرأى العام فى بلاده، لكنه يعى فى الوقت نفسه إمكانية استغلال جهات معينة نتائج استطلاع معين، لذا يتم التأكد من سبب إجراء الاستطلاع، والأسئلة المطروحة وكيفية عرض النتائج.
■ كيف ترى طرق وأساليب إجراء استطلاعات الرأى فى مصر خاصة وعلى مستوى الوطن العربى والعالم بصفة عامة؟
- بوجه عام، هناك من يستخدمون «السوشيال ميديا»، أو «بريد القراء» فى الصحف، أو الاستطلاعات الهاتفية على القنوات لمعرفة «نبض الشارع».
وفى مصر، يعد استطلاع الرأى أمرًا مكلفًا جدًا، ويحتاج إلى تصاريح، لأنه من الضرورى أن تعرف الدولة مصدر تمويل الجهة التى تريد استطلاع رأى المصريين، فهناك منظمات مشبوهة ومعادية تريد الوصول إلى نتائج معينة، ولأن هذه المنظمات التى تعمل «تحت بير السلم» تعرف أن حيلها باتت مكشوفة، تلجأ لإجراء استطلاعات رأى عبر الهاتف، أو عبر ملء استمارات إلكترونية، والنتائج بالطبع تكون مسيسة وغير دقيقة.
وللأسف، دراسات الرأى العام العربى متأخرة جدًا مقارنة بالعالم، لذا تتولى هيئات حكومية عربية مهمة رصد الرأى العام، عبر الاستعانة بالمقالات والإعلام والإذاعات، وأرى أن المصطلح الصحيح لهذه العملية «نبض الرأى العام». أما الدول الأجنبية، فكانت تعتمد فى الماضى على النزول إلى الناس فى الشارع وسؤالهم بشكل مباشر عن الأمر محل الدراسة، ومع الوقت تطور الأمر، وأصبحت الولايات المتحدة على سبيل المثال تتواصل مع المواطنين عبر الهواتف المحمولة والإنترنت، وتستطيع الآن رصد الرأى العام خلال ٤ ساعات.
■ لماذا لم تتطور آليات استطلاع الرأى العام فى مصر؟
- لأن هناك من يرون أن آراءهم غير مهمة، وهذا إرث قديم، يمنعنا من أن نواكب الدول المتقدمة، فعادة ما يقول الشخص: «هو رأيى هايعمل إيه؟»، ويتضح هذا جليًا فى نسب المشاركة فى الانتخابات البرلمانية، فهناك من يقاطعون لأنهم غير مؤمنين بجدوى أصواتهم. هذه الأفكار السلبية تعتبر عقبات أمام تطور آليات استطلاع الرأى العام فى مصر، فضلًا عن أن المواطن المصرى قد يشك فيمن يطلب منه معلومات.
والحقيقة أن هذا الوضع بدأ يتغير الآن مع العمل الجاد لإجراء استطلاعات الرأى، فبدأ المصريون فى التجاوب مع الأمر. ونحن دائمًا نحتاج إلى نشر ثقافة الرأى العام بين الناس، وعلى الدولة مساعدة الباحثين فى إزالة بعض المعوقات الخاصة بالتمويل والتصاريح.
■ كيف تؤثر الشائعات فى توجيه آراء الناس؟
- نعيش الآن فى حرب إلكترونية تهدف إلى نشر الشائعات التى تبدأ عادة من مواقع التواصل الاجتماعى، وتطلقها جهات خارجية بهدف التلاعب بالرأى العام المصرى، لإحداث اضطرابات داخل الدولة المصرية وإشعال الفتن، لكن عادة ما تفشل هذه المخططات.
وأرى أن المعركة حاليًا معركة وعى، فالشعب المصرى أثبت أنه شعب واعٍ بما يحاك ضده من مؤامرات، لأن مثلث الدولة «نظام الحكم والأرض والشعب» مترابط فى مصر، لذا لن يستطيع هؤلاء التأثير فى أضلاع المثلث المتماسكة.
عادة ما يحاولون دائمًا فك الترابط بين ضلعى الشعب ونظام الحكم، لكى تسقط الدولة، مثلما كان سيحدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١، فحينها تمت تعرية النظام السياسى أمام الشعب، فسقط الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
■ هل حدثت ثورة ٢٥ يناير بسبب تأثير خارجى على المصريين؟
- نعم، بالتأكيد، وهذا ما يسمى انتزاع الرأى العام، والفكرة بسيطة، وهى هدم العلاقة بين الشعب ومؤسساته من جيش وشرطة، وهذا ما حاول «الإخوان» الاعتماد عليه، لكن الشعب المصرى عرف حقيقتهم وأطاح بهم فى ثورة ٣٠ يونيو.
قبل ثورة يناير ٢٠١١ كان المصريون يقولون إن النظام الأمنى للرئيس مبارك قوى جدًا ولا يمكن كسره بأى حال من الأحوال، وإنه سيستمر ولا يوجد شىء يمكن أن يؤثر فيه، ولكن حينما تم تفكيك الرابطة بين الشعب ودولة «مبارك»، سقط هذا النظام خلال أسبوعين، وانحاز الجيش للشعب المصرى.
أعداء مصر يستهدفون الرأى العام دائمًا بغرض تغييره لإسقاط الدولة المصرية، وإحداث فوضى، وهذا ما فعله الرئيس ترامب مع إيران، لأن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على طهران تسببت فى غضب شعبى.
■ كيف تتصدى الدولة لهذه التأثيرات الخارجية؟
- أن تكون مساحة التوافق بين صانع القرار والشعب كبيرة، فكلما زادت مساحة التفاهم والرضا كان الشعب سندًا لقائده، ولتحقيق ذلك يجب أن تعمل الدولة على توعية المواطنين، لأن المعلومة تحمى الشعب من الاختراق. يجب أن يعلم الشعب خطورة الشائعات والحرب الإلكترونية والنفسية، فأعداؤنا يعلمون أن نسبة الأمية فى مصر تصل إلى ٣٠٪، فضلًا عن أمية ثقافية تصل إلى ٨٠٪، وهم من لا يهتمون أصلًا بمتابعة الأحداث السياسية، فيتم التأثير على بعضهم من خلال بث معلومات مغلوطة الهدف منها إحداث فتنة فى مصر.
■ ما القضايا التى تقترح معرفة الرأى العام حولها؟
- جميع القضايا بجميع المجالات، فلا بد من معرفة كيف يرى الناس كل شىء، ولكن هناك مجالات يجب التركيز عليها لأنها تمس الناس، مثل المجال الاقتصادى. فمثلًا عند صياغة قانون للأحوال الشخصية، فإن استطلاعات الرأى العام تساعد فى جعله مناسبًا للمجتمع، لأنك ستعرف آراء الناس فى القرى والمدن، المتعلمين وغير المتعلمين. وكذلك تجب معرفة الرأى العام بشأن القضايا الداخلية التى تكون مبنية على ممارسة وخبرة، وكذلك القضايا الصحية والاجتماعية والسياسية، حتى مجالات الترفيه ككرة القدم والفن، فيجب معرفة متى يكون الناس مهتمين بمجالات أخرى غير السياسة. لا بد من معرفة مزاج الرأى العام المصرى، ومتى يتغير، فنحن نبحث عن إجابات لكثير من الأسئلة التى تساعد فى بناء استراتيجية مستقبلية لصناع القرار.