رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: براجماتية الدولة فى مواجهة انتهازية الإعلام

محمد الباز
محمد الباز

الرئيس يرى أن الإعلام لا يقوم بما يجب عليه ليكون رقمًا مهمًا فى المعارك التى تخوضها الدولة

الدولة تريد أن يكون الإعلام قيمة مضافة لها.. ولولا وقفتها الجادة لضاع الإنتاج الدرامى

بعض الإعلاميين يعيشون فى وَهْم أنهم صنعوا ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو وأعادوا صياغة البلد

يجب ألا تكون هناك مواجهات بين الإعلام والدولة ونحتاج لحوار لتصبح الصورة واضحة للجميع


على هامش الأسئلة التى نحاول أن نفض غموضها حول العلاقة بين الدولة والإعلام، سألنى صديق له باع طويل فى الإعلام الحكومى: هل تعتقد أن الدولة تكره إعلامها؟
لن أخفى عليكم ما جرى، فقد كان الصديق أكثر صراحة ووضوحًا عندما قال لى: أشعر أن الرئيس لا يحب الإعلام.. فهل إحساسى صحيح؟
كان الصديق يتحدث تحديدًا عن «ماسبيرو»، على اعتبار أنه أحد جناحى إعلام الدولة، حيث تمثل الصحف الحكومية الجناح الآخر، ورغم أن هذا المعنى أصبح ضيقًا تمامًا الآن، فكل الوسائط الإعلامية فى الدولة مفروض أنها تمثل إعلامها، لأنه حتى الوسائط المعارضة تمثل جزءًا من جسد الدولة التى لا تستطيع أن تعيش أبدًا دون إعلام معارض.
الإعلام المعارض يمثل فى النهاية حيوية لا يستطيع أى حاكم أن يستغنى عنه.
صحيح أن هناك مدارس مختلفة فى التعامل مع هذه المعارضة، التى تستطيع أن تنتزع لنفسها مساحات كبيرة أحيانًا، ويتم تضييق الخناق عليها أحيانًا أخرى، لكنها تظل موجودة دائمًا دون أن يستطيع أحد إخفاءها أو إقصاءها.
ولو أردتم الحقيقة العارية تمامًا، فإن المعارضة المصرية على طول تاريخها كانت أداة من أدوات الدولة، ولن يكون غريبًا بالنسبة لك عندما تعرف أن الدولة فى أوقات كثيرة كانت تسهم بقدر كبير فى تمويل صحف المعارضة، سواء بمنحها أموالًا مباشرة فى صورة دعم، كان يصرف من لجنة شئون الأحزاب، أو من خلال تسهيل نشر إعلانات المؤسسات الحكومية على صفحاتها، بما يضمن بقاءها وقيامها بدورها، وكان هذا أمرًا معروفًا ومعلنًا فى عصر مبارك.
ولكم أن تتخيلوا مثلًا أن صحيفة العربى المعارضة، التى خاضت حروبًا طاحنة فى عهد مبارك، كانت فى نفس العدد تنتقد وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان بعنف وحدّة، فلا تبقى منه على شىء، وفى الصفحة الأخيرة تجد إعلانًا من أموال الوزارة نفسها.
ستقول لى إن الأمر كان طبيعيًا، فالإعلان شىء والتحرير شىء.
سأقول لك إن هذا وَهْم كبير، فقد كانت هناك توجيهات واضحة للوزارات أن تمد الصحف المعارضة بالإعلانات للحفاظ على بقائها دون تعثر أو مشاكل.
حدث ما هو أكثر من ذلك، فعندما استضافت قناة «دريم»، التى يملكها رجل الأعمال أحمد بهجت، الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على شاشاتها فى عام ٢٠٠٣ عبر حوارات أجرتها معه الإعلامية الكبيرة هالة سرحان، وأذاعت محاضرته الشهيرة التى ألقاها فى الجامعة الأمريكية، وتحدث فيها عن التوريث بشكل مباشر، اعتقدت بعض مؤسسات الدولة أن القناة خرجت عن الخط المرسوم لها، فبدأت فى استخدام أدواتها فى التضييق على صاحب القناة، ففتحت ملفاته ومستحقاتها لديه وبدأت فى مطالبته بها.
ضاقت الدنيا على أحمد بهجت، وجد نفسه محاصرًا من كل مكان، وأعلن لبعض المقربين منه أنه لن يتحمل كل هذه الضغوط، وأنه إن لم يكن هناك حل فسيغلق القناة وينتهى تمامًا من وجع الدماغ الذى يحاصره، فهو يريد أن يسهم فى العمل الإعلامى بكل طاقته، لكن عندما يكون ذلك على حساب مصالحه، فلا داعى له من الأساس.
عرف صفوت الشريف، وزير الإعلام وقتها، بما قاله أحمد بهجت، ورغم استيائه مما تقدمه القناة، فإنه استدعى صاحب قناة دريم، وطلب منه بحسم أن ينسى تمامًا حكاية إغلاق القناة، فليس معقولًا أن تغلق وسيلة إعلامية أبوابها لأنها تعارض أو تقول رأيها، وتمت تسوية الأمر.
استغنى بهجت عن هيكل الذى لم يظهر على شاشة دريم مرة أخرى، إلا بعد ثورة ٢٥ يناير، وانتهت مشاكل أحمد بهجت مؤقتًا.
هنا تظهر الفكرة التى أعتقد أنها جديرة بالتأمل، وهى فكرة يمكن أن نصيغها عبر ثنائية واضحة جدًا، وهى براجماتية الدولة وانتهازية الإعلام.
لقد كان صفوت الشريف براجماتيًا فى موقفه عندما رفض إغلاق قناة فضائية، لأنه كان يرفض أن يقال إن نافذة إعلامية أغلقت بسبب رأى معارض، لأن هذ يسىء إلى وجه النظام الذى يمثله، وكان أحمد بهجت انتهازيًا عندما عرف أن سبب أزمته فى هيكل فاستبعده.
هذه الثنائية تمكننا أيضًا من الإجابة عن السؤال الذى وجدته يؤرق صديقى الإعلامى بشدة: هل تكره الدولة الإعلام؟
واقع الحال يقول إن الدولة فعليًا لا تحب ولا تكره، فهذا ليس من سمات الدول على الإطلاق.
هى فقط تقرب وتبعد بناءً على ما تراه فى مصلحتها.
تمنح وتمنع بناءً على ما تراه يحقق أهدافها.
تفتح الأبواب أو تغلقها بقدر الريح الذى يأتيها منها.
ولذلك لا يمكن أن نقول إن الدولة تكره ماسبيرو أو تحبه، ولكن لا بد أن نسأل عن القدر الذى يسهم به ماسبيرو فى تحقيق أهداف الدولة؟ فهو وحده الذى يجعلنا نعرف موقف الدولة منه سواء بالدعم أو الإهمال، هذا إذا كان هناك إهمال بالطبع.
صحيح أن الدولة عبارة عن مجموعة من الأشخاص الذين يشغلون مناصب محددة يديرون أمورها من خلالها، لكنها فى النهاية كيان اعتبارى بلا مشاعر على الإطلاق.
ستقطع علىَّ الطريق وتقول إن هؤلاء الأشخاص الذين يديرون أمور الدولة فى النهاية بشر، لديهم فى النهاية أفكارهم ورؤاهم وآراؤهم الخاصة، وحتمًا تقودهم اتجاهاتهم الشخصية على الحكم على الأمور بطريقة معينة.
لن أنفى ذلك بالطبع، لكن على الأقل لا بد أن نتفق على أن هؤلاء الأشخاص فى النهاية ينفذون سياسة دولة موضوعة بعناية، وليست بشكل عشوائى، وكثير مما يحدث فى الغرف المغلقة لا نعرفه، وبالتالى تأتى أحكامنا على الأشياء ناقصة ومبتورة وأحيانًا مشوهة.
قد يحتج البعض بأن موقف الدولة من الإعلام يبدو بوضوح من كلام الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى لا يترك فرصة تقريبًا إلا ويُظهر عدم رضاه عما يقدمه الإعلام، وهو الذى جعل البعض يذهبون إلى صورة غير واقعية تمامًا، وهى أن الرئيس يكره الإعلام، ويتمنى أن يستيقظ من نومه فلا يجد إعلامًا فى مصر من الأساس.
هذا قول بالطبع لا يجافى الحقيقة فقط، بل يتنافى مع المنطق تمامًا.
عندما تراجع ما قاله الرئيس عن الإعلام ستجد أنه يعرف حجم تأثيره جيدًا، ولذلك يلوم القائمين عليه ويعاتبهم لأنهم من وجهة نظره لا يقومون بما يجب عليهم ليكونوا رقمًا مهمًا فى المعارك التى تخوضها الدولة، ورغم أن العتاب يأتى قاسيًا فى بعض الأوقات، فإنه لا يعبر أبدًا عن موقف سلبى من الإعلام، بقدر ما يعبر عن رغبة فى أن يكون قيمة مضافة للدولة المصرية.
ما لا يعرفه الكثيرون أن الرئيس يمنح الإعلام وقتًا كبيرًا رغم مشاغله الكثيرة وتحركاته التى تعكس حالة من الرغبة فى الإنجاز الكبير بأسرع وقت ممكن.. يتابعه بدقة، لا يكتفى بالتقارير التى تقدم له ملخصًا لما ينشر فى الصحف ويذاع عبر القنوات الفضائية وتتم مشاركته عبر منصات التواصل الاجتماعى، ولكنه يقرأ بنفسه مقالات بعينها وتحقيقات صحفية تلفت انتباهه، يشاهد برامج مسائية ولديه عليها ملاحظات محددة، بل إنه أيضًا يتابع أعمالًا درامية ولديه فيها رؤية.
يمكننى هنا أن أكشف لكم عن موقف كان مسئول كبير فى السلطة طرفًا فيه، وهو الموقف الذى يمكن أن يفك ألغازًا كثيرة فيما يتعلق برغبة المسئولين فى الدولة فى صناعة دراما مختلفة، لها أهدافها الواضحة والمحددة والتى تصب فى النهاية فى المشروع الكبير الذى يعمل عليه الرئيس وهو بناء الإنسان.
استدعى المسئول كبار مساعديه وسألهم عن القيمة التى يمكن أن يضيفها مسلسل مثل «فوق مستوى الشبهات» إلى الحياة العامة فى مصر.
المسلسل أنتجته شركة «العدل جروب» فى عام ٢٠١٦، وأذكر أننى تحدثت مع الدكتور مدحت العدل وقتها، وكان يزورنى فى مكتبى بجريدة «البوابة»، قال لى إن يسرا هذا العام ستكون مختلفة جدًا، فقد تعود الناس عليها شخصية مثالية جدًا، لكنها هذا العام ستكون مستفزة للجميع لأنها ستقدم شخصية تجسد من خلالها الشر المطلق عندما يتمكن من الإنسان، وعندما تم عرض المسلسل الذى لعبت الفنانة الكبيرة يسرا بطولته أدركت ما الذى كان يقصده مدحت العدل.
كان المسلسل يحكى قصة أستاذة جامعية متخصصة فى التنمية البشرية اسمها رحمة حليم، تظهر أمام الجميع طول الوقت بمظهر السيدة الناجحة فى جميع مجالات حياتها وعملها، لكنها فى المقابل تخفى وجهًا آخر أكثر قبحًا ووحشية وشرًا.
ملاحظة المسئول على المسلسل، الذى رأى فيه خطرًا كبيرًا على المجتمع المصرى، كانت بعيدة عن القصة والأبطال والخط الدرامى وجهة الإنتاج، لم يتحدث عنهم من قريب أو بعيد، كان يملك ملاحظات عامة، وضعها أمام من يتولون ملفات الإعلام والدراما.
قال لمساعديه: «الدراما عندنا قدرت السنوات الماضية أن تشيطن الحارة المصرية، للدرجة التى يتم التعامل مع أهالى الحارة على أنهم مجرمون وبلطجية وتجار مخدرات، وهو ما نعانى منه بشدة فى الخارج، فليست هذه هى الحارة المصرية التى تربينا فيها، والآن تتحول الدراما إلى شيطنة الكمبوندات التى تعيش فيها طبقات اجتماعية معينة، فليس معقولًا أن تكون حياتهم كما صورها المسلسل كلها خيانات زوجية وجرائم ومرضى نفسيين».
وتساءل المسئول بأسف: «بعد ما خلّصوا على الحارة ودلوقتى بيخلصوا على الكمبوندات، هيخلصوا على إيه تانى؟».
نحن هنا أمام دولة تتابع بدقة وتقدم رؤية، وهو ما يشير إلى اقتناعها الشديد بأهمية الإعلام والدراما، ولذلك فأى حديث عن نفورها منهما لا أساس له من الصحة.
ما الذى يحدث على الأرض الآن، وربما منذ سنوات، فى مصر؟
هنا لا بد أن نستعين مرة أخرى بثنائية براجماتية الدولة وانتهازية الإعلام.
لقد أرادت الدولة ممثلة فى شركات الإنتاج الدرامى أن تضبط الخط العام للمسلسلات، على محورين:
- الأول، هو ضغط النفقات الأسطورية، فليس معقولًا أن يحصل ممثل، أيَا كان قدره، على ما يقرب من خمسين مليون جنيه، بينما لا يحصل الآخرون إلا على الفتات الذى لا يذكر.
أذكر أن الدكتور توفيق عكاشة عندما شن حملة ضخمة على الفنانين الذين يصرون على الحصول على الملايين فى الأعمال الدرامية، وأن هذا يؤثر بدوره على الصناعة كلها، لأن الممثلين يحصلون على القدر الأكبر من الميزانية، غضب جدًا الفنان هادى الجيار، واتصل بى وطلب أن يتحدث عبر برنامجى «٩٠ دقيقة»، ويومها قال إن الفنانين الذين يحصلون على الملايين أعداد قليلة جدًا، ولا يحصل الآخرون على شىء، وضرب المثل بنفسه وقتها وقال: «أنا أعمل منذ عشرات السنين فى الدراما ولم أحصل حتى الآن فى أى عمل على مليون جنيه فى أى منها».
لم يكن ما قاله هادى الجيار رفضًا لما قاله توفيق عكاشة، بقدر ما كان كشفًا لجانب آخر من المهزلة التى كانت تحدث فى الأعمال الدرامية التى أعتقد أنه تم ضبطها الآن إلى حد كبير، فتخيل أن فنانًا شابًا كان يحصل على ما يقرب من ٤٥ مليون جنيه، الآن لا يحصل على أكثر من ١٢ مليون جنيه، ورغم أن الرقم لا يزال كبير جدًا، فإن الفارق واضح.
- والثانى، أن تكون هناك خطوط درامية تخدم اتجاهات مشروع الدولة فى التنمية الإنسانية والاقتصادية، وتساعد فى توعية الناس بخطورة ما تتعرض له مصر من تحديات، وهو الأمر الضرورى لها، فلا بد أن تلعب الدراما دورًا فى رسم ملامح المجتمع المستقر السوى نفسيًا، ولا بد أن تعبر عن الواقع الذى يعيشه المصريون، بدلًا من تقديم قصص خيالية لا يشعر الناس بأنها ليست موجودة على الأرض، كما يجب أن تقدم نماذج إيجابية يقتدى بها الشباب، بدلًا من أن يكون البلطجية وتجار المخدرات والقتلة والسفاحون أبطال المشهد.
ولعلكم تذكرون الاجتماع الشهير الذى جمع عددًا من كتّاب الدراما وصنّاعها، ودار الحوار فيه عن الدور الذى يجب أن تقوم به الأعمال الدرامية، كانت رؤية الشركة أن هذه ضرورات ومقتضيات تُحتمها المرحلة، لكن كتّاب الدراما تعاملوا مع الأمر على أنه ضوابط وقيود وشروط، وكتبوا منتقدين إياها، دون استيعاب أننا أمام عملية تنظيم وليس تقييدًا، لأنه لا أحد يستطيع أن يُقيد الإبداع أو يحجمه أو يضع فى رقبته سلاسل حديدية.
لو لم تقف الدولة وقفتها الجادة من الإنتاج الدرامى الذى تعامل معه البعض على أنه منافسة وإزاحة من السوق وإخراج منتجين من الساحة رغمًا عنهم، لما وصلنا لأن يكون لدينا الوعى بأن ننتج مسلسلًا يجسد بطولة الشهيد أحمد منسى، وتخيل أنت المشوار الكبير الذى قطعناه، حتى يصبح هذا البطل هو القدوة لشبابنا، بعد أن كان النموذج الذى يعلو أمامهم هو نماذج «حبيشة» و«عبده موتة» و«الألمانى».
لقد حاول البعض تصوير الأمر على أن الدولة تخشى من الإعلام، ولذلك تسعى إلى حصاره بهدف تطويعه وجعله يسمع الكلام دون مناقشة.
وقبل أن تسألنى: وعلى أى شىء بنى هؤلاء موقفهم وكونوا رأيهم؟
سأقول لك إنهم انطلقوا من أرضية أن الإعلام يمثل قوة ذاتية قادرة على تغيير العالم، وإن النظام يخشى أن يقوم الإعلام- إذا لم تتم السيطرة عليه- بتسخين الشارع مرة أخرى، فيتكرر ما حدث فى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، على اعتبار أن الإعلام كان السبب الرئيسى فى قيام هذه الثورات، وهو قول يحتاج إلى مناقشة وإعادة تقييم بالطبع.
عندما تستعرض ما يجرى الآن فى مصر ستجد السياق العام مختلفًا تمامًا، فقد لعب الإعلام دورًا فيما جرى منذ ٢٥ يناير، لأن الأرض كانت مهيأة لأن يقوم بهذا الدور، قوى سياسية وحركات تعمل على الأرض منذ سنوات، تمويلات من الخارج وأجهزة دولية تعمل على زعزعة استقرار البلد، شباب وصل إلى مرحلة اليأس من أى إصلاح قادم، ظروف معيشية صعبة جدًا فاقت قدرة الناس على التحمل، فكان طبيعيًا أن يحدث الانفجار.
ولأن كل جهة أرادت أن يكون لها شرف صناعة الثورة، فقد أقدم الإعلام على مصادرة الحق لنفسه، فتعامل على أنه من أخرج الناس مرتين، وأسقط رئيسين، وأعاد صياغة البلد كله.
عاش كثير من الإعلاميين على هذا الوهم، ولأنه لا بد من ترجمته، فأصبحنا نسمع أن النظام يخشى من الإعلام، يخاف من الإعلاميين، يفكر كيف يسيطر عليهم ويدخلهم بيت الطاعة حتى لا يقفوا وراء إسقاطه من جديد، دون أن يفكر أحد فى المتغيرات التى حدثت على الأرض، ودون أن يفكر أحد أيضًا فى ثوابت العلاقة بين النظام، أى نظام، والإعلام، أى إعلام.
المفارقة التى لا بد أن نتوقف عندها أن هناك من يعتبرون الحديث عن الإعلام الآن وانتقاده نوعًا من المراجعة والتطهر، وأن هناك معركة انتصر فيها فريق على فريق آخر، استطاع أن ينتزع أرضًا جديدة كانت مصادرة منه وممنوع الدخول فيها، رغم أن ما يحدث الآن يأتى كنتيجة طبيعية جدًا لإجراءات قام بها أصحابها وتحملوا بسببها، ولا يزالون، ما لا يطيقه أحد.
لقد عانى الجميع، لأن الدولة، ممثلة فى مسئوليها، والإعلام، ممثلًا فى العاملين فيه، كانوا فى مواجهة، رغم أن الطبيعى ألا تكون بينهما مواجهات حادة، ورغم الحوارات التى جرت والمناقشات التى تمت فإن الصورة لم تكن واضحة بما يكفى، وأعتقد أنها لا تزال كذلك حتى الآن.
الدولة طوال الوقت براجماتية تعمل ما ترى أنه يحقق أهدافها، مهما تغير الأشخاص الذين يديرونها، والإعلام طوال الوقت انتهازى يسعى إلى تحقيق أكبر قدر من مصالحه.
هذه حقيقة مجردة أعتقد أن كثيرين سيرفضونها، على الأقل من باب التجمل.
لكننى أقول هذا الآن لأن هذه الصيغة هى الوحيدة التى ستضمن استقرار أى علاقة بين الدولة والإعلام.
ستقول لى إن كلامى ليس صحيحًا، فالمعارضة تريد مساحات فى الإعلام لتعبر عن نفسها وما تريده لمصلحة البلد، سأقول لك: أثق فى أن ذلك حقها تمامًا.
لكن اسمح لى أن أسالك سؤالًا، ولنتفق على أن نؤجل إجابته للغد: ما الذى يمكن أن تفعله أو تقدمه المعارضة عندما تتحدث؟
أدهشك منطق السؤال؟
أرجوك احتفظ بدهشتك حتى نعاود الحديث سويًا.