رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وباء تنجانيقا




تلات بنات، قاعدين فى فصل دراسى، خرجوا عن حالة الدرس، وضحكوا بـ صوت عالى.
كنا فى ٣٠ يونيه ١٩٦٢، قرية كاشاشا الكائنة بـ تنجانيقا، المدرسة حبت تعاقب التلات بنات، بس اللى حصل، إنه باقى البنات فى الفصل، دخلوا هم كمان فى نوبة ضحك، خرج البنات من الفصل، وعلى حسهم خرج باقى البنات من فصولهم، ونوبة الضحك انتشرت فى المدرسة كلها.
خلوا البنات تروح، بس «الوباء» بدأ فى الانتشار، وامتد لـ فترات طويلة، لـ درجة إعلان ما يشبه الطوارئ، والموسم الدراسى سنتها اتلغى، خلصت الموجة دى، ولـ حد لحظتنا دي، محدش خالص فاهم إيه اللى حصل فى تنجانيقا ١٩٦٢
هل كان نوع من المرض؟
حالة نفسية ما؟
محدش عرف
إنما «وباء تنجانيقا» فتح باب كبير لـ دراسة الضحك، من زوايا مختلفة، أهمها طبعا: هل الضحك معدى؟ إنما مش بس كدا، عمومًا هل الضحك مرتبط بـ التجمع الإنسانى؟ فيه نتايج مبهرة فى الموضوع دا، أولها ما هو منطقى وبديهى، إنه الضحك معدى، وإن دا موضوع مرتبط بـ كيميا المخ. عشان كدا بدأوا فى الأعمال التليفزيونية الكوميدية، يحطوا صوت ضحك جماهير، مع إنه دا مش مسرح، والجمهور دا مش حاضر فى الاستوديو، بس صوت الضحك دا بـ يحفزك كـ مشاهد إنك تضحك.
فى المسرح، بـ يحطوا كام واحد فى الصالة، يضحكوا على اللى بـ يتقدم، فـ دا يحفز اللى قاعدين يضحكوا، حتى لو مفيش حاجة تضحك، طبعًا الموضوع نسبى ودرجات، يعنى دى حاجات تحفزك لـ الضحك، فـ تضحك أكتر من الطبيعى، لكن مش هـ يخلى مسرحية لـ شريف نجم مثلا تبقى مدرسة المشاغبين.
بعيدًا بقى عن إنه الضحك معدى، فيه علاقة عمومًا بين الضحك و«اللمة»، يعنى اللمة فى حد ذاتها بـ تطلب ضحك، دى حاجة ورثناها كـ بشر عن أسلافنا، وفى أحيان كتير، تلاقى اللمة نفسها قايمة على الضحك، دا بـ يخلى أى حاجة تتقال فى اللمة، تضحك، حتى لو هى بره اللمة «ما بـ تضحكش».
لـ ذلك، ممكن تشوف فيلم أو مسرحية، مع مجموعة من الأصدقاء أو مع العيلة «لو بـ تحب العيلة» فـ تموت من الضحك، بس بعد كدا تشوفه لـ وحدك، تلاقيه ما كانش يستدعى أوى. مش بس كدا، لو فيه إيفيه فى فيلم أو حتى مش إيفيه، يلمس معاك أو مع شلتك أو حاجة تخصك اجتماعيًا، بـ تضحك عليها، مهما كانت ما تضحكش.
فى فيلم «رجب فوق صفيح ساخن» عادل إمام كان طالع فلاح من قرية، فـ اسم القرية فى الفيلم «شنبارة الميمونة»، شنبارة الميمونة دى قرية موجودة فعلًا، فى محافظة الشرقية، ومنها بـ المناسبة وحيد حامد «مش هو كاتب الفيلم» إنما كان لى صديق من هناك، بـ يقول لى إنه أهالى البلد، بـ يضحكوا بـ شكل هيستيرى، لما ييجى اسم البلد فى الفيلم. الحكاية دى كمان بـ نشوفها، لما حد يحط كوميك أو إيفيه على صفحته، ويقول لك: لن يفهمها جيل الإيفون، لن يفهمها مواليد التسعينات، لن يفهمها غير الإسكندرانية، المنوفية ويل ريليت، وهكذا.
حكاية إنه الإنسان بـ يضحك أكتر، إذا الحاجات مسته بـ شكل شخصى، خلت صناع الكوميديا فى أمريكا يوجهوا المحتوى أحيانًا لـ فئة محددة، المسلسل دا لـ ربات البيوت، المسلسل دا لـ طلبة الجامعة، المسلسل دا لـ قراء الجريدة الغراء، يا سلااااااام! أعتقد إنه دا هـ يبقى أحلى مسلسل المهم اللمة.