رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا لو سقط الولى الفقيه؟


الذين يعرفون حقيقة نظام الملالى الذى أرسى دعائمه آية الله خمينى بعد ثورة إيران فى ١٩٧٩، وتأسيسه مبدأ الولى الفقيه، يدركون جيدًا معنى الهتاف للمرة الثانية خلال عامين فقط بسقوط هذا الولى الفقيه قائلين: «الموت لخامنئى.. الموت للديكتاتور»، ومعنى أن يحرق المتظاهرون الإيرانيون فى عشرات المدن صور المرشد الأعلى للثورة على خامنئى، جهارًا نهارًا ودون خوف، أنها بالنسبة لكثيرين هى بداية النهاية، حتى لو استغرق الأمر سنوات أخرى، فقد عاش ملايين الإيرانيين الذين يعتنقون عقيدة الشيعة الإثنى عشرية، التى تعنى ببساطة أن الخلافة فى نسل الإمام على بن أبى طالب- كرم الله وجهه- الإثنى عشر، وآخرهم الإمام المهدى، الذى تاه وهو فى السادسة من عمره فى سرداب فى العام ٢٦٠ الهجرى، وهم يعتقدون أنه المهدى المنتظر، وأن ظهوره يعنى نهاية الزمان.
«اخترع» الخمينى مبدأ الولى الفقيه، ليمنح نفسه ومن يخلفه سلطة مقدسة وإلهية، بل ليحكم كما لو كان «ظل الله فى الأرض»، لذلك فإنه وفقًا للدستور الإيرانى الذى وضعه الخمينى، فإن المرشد الأعلى هو نائب الإمام المهدى، وتنص المادة الخامسة على أنه «فى زمن غيبة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة فى جمهورية إيران الإسلامية، بيد الفقيه العالى المتقى، البصير بأمور العصر، الشجاع، القادر على الإدارة والتدبير».
وقد قال قائد ميليشيا الباسيج العميد غلام حسين غيب برور، «إنه لا فرق بين قتلة الحسين ومن خرج على خط الولى الفقيه، وأن المرشد الأعلى الإيرانى، على خامنئى، هو تجسيد للإسلام الخالص، وإنه ترجمة فعلية له». لكن الشعب الإيرانى الذى لم ير فى ظل نظام الولى الفقيه سوى مزيد من الفقر والبطالة، فى الوقت الذى ينفق هذا الحاكم المليارات على دول المنطقة من أجل السيطرة عليها، تحت شعارات تصدير الثورة، حيث قدر خبراء اقتصاديون ما أنفقته إيران خارجيًا خلال ٤٠ عامًا على كل حروبها وحتى اليوم بثلاثة تريليونات دولار. وتشير تقارير إعلامية إلى أن إيران تنفق سنويًا ثلاثين مليار دولار فى معاركها وصراعاتها بالخارج، ووصف معلقون ما قامت به إيران خلال العقد الأخير، بأنه انتحار قومى لدولة أبت أن يعيش شعبها بطريقة تريدها الشعوب كلها، لذا ثار الإيرانيون فى نهاية ٢٠١٧ بسبب تكاليف الحروب والتدخلات السياسية والعسكرية فى اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وانفجر مؤخرًا لنفس الأسباب عقب الزيادات الضخمة فى أسعار البنزين. لقد كانت القدسية الزائفة حول المرشد الأعلى للثورة، هى السياج الذى يحميه والذى يبرر قمع المعارضين بكل عنف، ولكن الإيرانيين الذين يعرفون حجم ثروات بلادهم، وأنها تنفق الكثير والكثير خارج الحدود لم يجدوا أى مبرر للاستمرار فى تبجيل وتقديس من يزيدهم فقرًا عامًا بعد عام، ويحرم أبناءهم من أى أمل فى المستقبل.
ولا يعتقد أحد أن يسقط نظام الولى الفقيه بين يوم وليلة، ربما يحتاج الأمر لمراحل، تمامًا كما سقط شاه إيران السابق على مرحلتين، الأولى فى عام ١٩٥٣ عندما اضطر للهرب بعد ما سمى «انقلاب محمد مصدق»، لكنه عاد إلى الحكم ليهرب مرة ثانية وأخيرًا فى ١٩٧٩ بعد ثورة الإمام الخمينى.
لكن السؤال الذى يشغل بال الخبراء والمحللين هو: ماذا سيعقب سقوط نظام الملالى أو نظام الولى الفقيه فى إيران؟
الافتراضية الأولى هى تراجع حجم الإنفاق الرهيب الذى تضخه إيران، من أجل تحقيق أطماعها التوسعية فى دول الجوار، حيث يقدر خبراء قيمة المبالغ التى تدفعها إيران فى سوريا، ١٥ مليار دولار، كما أن هناك من يقدر الدعم المالى السنوى الإيرانى لحزب الله بـ٣٠٠ مليون دولار، ونشر أيضًا أنه تم تخصيص أربعة مليارات دولار للحزب من أجل الاستثمار، فى إفريقيا ولبنان ودول غربية، على أن تعود العائدات المالية للحزب للاستفادة منها، وقد اعترف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فى خطاب أذيع على شاشات التليفزيون مؤخرًا، بأن ميزانية الحزب بما فيها أسلحته ورواتب أعضائه وغذاؤهم من ميزانية إيران. أما فى اليمن فهناك من يقدر قيمة الأموال الإيرانية التى يتم إنفاقها هناك، بثمانية مليارات دولار حتى الآن، بالإضافة لدفعات شهرية يتم تأمينها بوسائل مختلفة لميليشيات الحوثيين، التى تمدها إيران بأحدث الصواريخ والطائرات المسيرة من أجل استمرار استيلائها على الحكم فى اليمن وتهديد أمن واستقرار السعودية، وفى حالة توقف هذا الدعم اليمنى للحوثيين فلن يستطيعوا الاستمرار فى القتال لأيام أو لأسابيع. لكل ما سبق فإن هناك اعتقادًا راسخًا بأن سقوط نظام الولى الفقيه فى إيران، سيعنى بالضرورة توقف ضخ مليارات الدولارات، التى تذهب سنويًا إلى الميليشيات والأحزاب الدينية المسلحة فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتى أدت بالفعل إلى إشعال النيران فى هذه الدول، وتهديد الأمن فى دول أخرى كثيرة بالمنطقة.
لكن هناك أيضًا من يتوقع تصدعات كبيرة داخل الدولة الإيرانية نفسها، إذا سقط نظام الملالى ومن يتبنون هذا الرأى يشيرون إلى أن الخمينى لجأ إلى تزكية التعصب الطائفى لدى الإيرانيين، لضرب العصبيات العرقية والقبلية والجهوية فى بلاده التى تضم الفرس والعرب والأكراد والبلوش والتركمان والأذريين وغيرهم، ولتغليب العنصر الفارسى الذى لا يتجاوز ٥٠ بالمائة من الإيرانيين، أى أنه كان لا بد من اعتماد المذهب الذى يجمع ٨٠ بالمائة من الشعب، بما يعنى أن جدواه تبدو أكبر من جدوى العرق.. ووفقًا لأصحاب هذا الرأى فإن انهيار نظام الملالى قد يعزز النزعات الانفصالية لدى بعض القوميات، خاصة فى مناطق الأحواز وعربستان والبلوش الذين يخوضون صراعًا منذ عقود بين كل من إيران وباكستان وأفغانستان للاستقلال بإقليمهم الغنى بالثروات.
معارك نظام الملالى التى لم تتوقف طوال أربعة عقود، جعلت كثيرًا من الدول والقوى الكبرى والإقليمية تتبنى سيناريوهات لـ«تفجير إيران من الداخل»، وقد ساعدت عقوبات ترامب على ذلك، وباركت دول إقليمية كثيرة وقوع هذا الانفجار، الذى لا يعرف أحد كم يحتاج من الوقت.