رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكتاب المصرى


هناك مقولة غير صحيحة، روجها بعض اللبنانيين للترويج لكتابهم، وهى أن الكتب تُكتب فى مصر، وتُطبع فى بيروت، وتُقرأ فى العراق.. والواقع أن تلك المقولة كانت صحيحة إلى عهد قريب. فالقاهرة فى الوقت الحاضر، تكتب وتطبع وتنشر وتقرأ، وأعتقد أن السوق المصرية للكتاب واعدة، ويمكننا مراجعة أرقام مبيعات الهيئة المصرية العامة للكتاب وحدها وسنكتشف أن الكتاب الورقى ما زال بخير والإقبال عليه يتزايد رغم التكور التكنولوجى.
الواقع أن سلاسل الكتب التى تنشرها الهيئة العامة للكتاب ومراكز النشر المختلفة فى المؤسسة الرسمية للدولة اضطلعت بدور كبير فى نشر الكتب الرصينة، وكتب الثقافة الرفيعة، التى لا يمكن نشرها فى دور النشر الخاصة. ولعل سلسلة تاريخ المصريين والنشر العام فى الهيئة المصرية العامة للكتاب، وغيرها من السلاسل المختلفة تعد من قبيل النشر الثقيل فعلًا. فقط يحتاج الأمر لتوحيد النشر فى تلك الهيئات، والتنسيق بينها لمنع تكرار النشر، وكذا ينبغى المزيد من الاهتمام بنوعية الورق والتجليد والأغلفة والفهارس، لتصبح الكتب المصرية فى طليعة النشر العربى كله.
فى الآونة الأخيرة، ما زلنا فى مرحلة سجال فى المفاضلة بين الكتاب الإلكترونى والكتاب الورقى، ومدى تأثير انتشار الحاسب على إقبال الناس على الكتاب، وتبنى بعض المثقفين نظرية أفول عصر الكتاب الورقى لصالح الكتاب الإلكترونى، إذ يستطيع القارئ تخزين آلاف الكتب فى جهاز حاسب صغير، بينما يتبنى فريق آخر نظرية عدم الاستغناء عن الكتاب الورقى، وأنه ستبقى له مكانته لدى القراء، وأن كثيرًا من الناس يرون فى الشكل الورقى تجسيدًا لمضمونه، وأن منهم من يجد متعة فى أخذ الكتاب بين يديه، وتقليب صفحاته، وطى بعضها، ووضع ملاحظاته عليها، ووضع علامات هنا وهناك. ومما لا شك فيه أن الكتاب الورقى ما زال محتفظًا بمستواه المتقدم فى ظل تحديات ثورة التكنولوجيا الحديثة والتطور فى عالم الكتاب الإلكترونى، كما نرى أن الكتاب الإلكترونى لن يحل محل الكتاب الورقى مهما تطورت التكنولوجيا، وسيبقى الكتاب الورقى هو المرجع، وخصوصًا للباحثين. يمكننا فى مصر أن نجعل من الكتاب المصرى سلعة للتصدير لجلب العملات الصعبة، مثل أى صناعة نحرص عليها، ونحسن جودتها، لنصدرها، لو تمت دراسة الموضوع دراسة متأنية ووفرنا له عوامل إنتاجه التى يمكن إجمالها فى: أفكار المؤلف، الناشر، الطباعة، وأخيرًا التوزيع. فالعمل الذهنى الذى يختص به الكاتب، أمر محلى، والكاتب لا يتقدم بعمله إلا بعد استيفائه من حيث سلامة اللغة والسرد وجودة الأسلوب فى الأعمال الأدبية، وبقية الكتاب مسئولية الناشر والمؤلف، وهى مسئولية مشتركة بين الناشر والمؤلف يحكمها القانون.
أما عملية الطباعة والتوزيع فهى ما نريد أن نتكلم فيه، ونطالب بتدخل الدولة فيها فى بعض المواضع. وهى عملية تكنولوجية تحكمها معدات وأدوات، بلغت من التقدم العلمى، أنه بإمكانها طباعة آلاف النسخ فى ساعات محددة، ولدينا من تلك المطابع العديد فى الهيئة العامة للكتاب، والمؤسسات الصحفية، والجامعات المصرية، وتستغلها المؤسسات الصحفية على نطاق تجارى واسع فى طبع الكتب المدرسية. وعلى ذلك فلدينا فرصة لتصدير الكتاب المصرى، بما يحتويه من فكر وفن وثقافة وعلوم متنوعة إلى مختلف الدول العربية، ويصبح الكتاب موردًا من موارد العملة الصعبة. لا نريد لمركز الثقل الثقافى العربى أن يخرج من القاهرة، القاهرة بمبدعيها وعلمائها، فهى قادرة على تأسيس منارات للعلم فى الدول العربية كلها، وليس العكس.
عملية الإنفاق على الثقافة ضرورية، فى ظل دولة تريد أن ترسى أطر التقدم وبناء دولة حديثة، وتشجع القطاع الخاص على التدخل لملء مكانة مصر الثقافية التى كانت منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى بداية مطلع القرن العشرين.