رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إخفاء أمريكا لجثث قادة الجماعات الإرهابية.. الأسباب والنتائج

جريدة الدستور

كثفت الولايات المتحدة عملياتها ضد الجماعات الإرهابية وخاصة قادتها عبر العالم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وكان آخر وأبرز القادة الذين قتلتهم القوات الأمريكية أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي الذي قتل نهاية أكتوبر الماضي في سوريا بالقرب من الحدود التركية؛ إلا أن واشنطن قالت إنه تم دفن جثمانه بمكان سري في البحر على غرار كثيرين أخفت مكان دفنهم.

وتتبع واشنطن استراتيجية الغموض تجاه أبرز قادة الجماعات الإرهابية منذ 2001، حيث يتم إعلان مقتلهم دون الكشف عن جثثهم أو تقديم صور ومقاطع مصورة تؤكد مقتلهم، والبغدادي ليس أول الحالات ومن بين هؤلاء:

1- أبو مصعب الزرقاوي:
يعتبر "أحمد فضيل نزال الخلايلة" المكني بـ" أبي مصعب الزرقاوي" من أبرز قادة الجماعات الإرهابية الذين لاحقتهم واشنطن وهو من مواليد الأردن، وشارك في العمليات القتالية نهاية الثمانينات ضد الاتحاد السوفيتي خلال غزوه لأفغانستان وتعرف على أسامة بن لادن وبعد انتهاء الحرب عاد للأردن لكن حكم عليه بالسجن عام 1990 وظل فيه حتى 1999 وخرج بعفو من الملك عبدالله بعد توليه الحكم، وعاد مجددا لأفغانستان.

ومع دخول الولايات المتحدة في أكتوبر 2001 أفغانستان فر "الزرقاوي" منها، وعاد للعراق واتخذها مركزا لنشاطه واتهم في تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية، حيث أسس تنظيم "التوحيد والجهاد" ثم تحول لاحقا لمسمى "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" ليكون فرع تنظيم القاعدة في العراق بعد مبايعته لأسامة بن لادن عام 2004، وظل هناك حتى مقتله في يونيو 2006 على يد القوات الأمريكية.

ورغم أن الولايات المتحدة نشرت بعض الصور تظهر مقتله إلا أنه لم يتم الكشف حتى اليوم عن مكان دفنه وما زال كثيرون حتى اليوم يشككون في مقتله.

2- أسامة بن لادن:
يعتبر "بن لادن" زعيم تنظيم القاعدة السابق من أهم الشخصيات الذين لاحقتهم الولايات المتحدة لسنوات عديدة، فبعد أن كان حليفا لها في أفغانستان خلال تزعمه للجماعات الإسلامية التي كانت تقاتل الاتحاد السوفيتي خلال غزوه لأفغانستان لكن بعد خروج القوات السوفيتية من أفغانستان وتحقيق الولايات المتحدة هدفها انقلب عليها وانقلبت عليه.

ولد أسامة بن لادن في العاصمة السعودية الرياض عام 1957 لأثرة سرية فوالده محمد بن لادن ملياردير بارز، بدأ أسامة بن لادن الاتجاه إلى صفوف الجماعات المسلحة عام 1984 حينما أسّس منظّمة دعويّة باسم "مركز الخدمات" وقاعدة للتدريب على فنون الحرب والعمليات المسلحة باسم "معسكر الفاروق" لدعم المجاهدين الأفغانيين والعرب لقتال الاتحاد السوفيتي في أفغانستان وبعد انسحاب القوات السوفيتية خرج بن لادن عام 1991م من السعودية.

اتجه أسامة بن لادن إلى السودان وأسس مركزًا للعمليات العسكرية في السودان لكن بسبب الضغط على الخرطوم خرج ابن لادن إلى أفغانستان بحكم علاقته القوية بنظام طالبان وظل هناك حتى مقتله حيث أسس سنة 1998م التنظيم الجديد باسم "الجبهة العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبين" بالتعاون مع أيمن الظواهري الأمين العام لجماعة الجهاد الإسلامي بمصر، لتكون امتداد لتنظيم القاعدة الذي أسسه في أفغانستان ركز على استهداف الأمريكيين وحلفائهم.

وجه أسامة بن لادن ضربات قوية للقوات الأمريكية في اليمن والسعودية؛ إلا أن الهجوم الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة كلها كان هجمات 11 سبتمبر 2001، وظلت واشنطن تتبعه حتى تم قتله في 2 مايو 2011 في مدينة إسلام آباد الباكستانية.

وقالت الولايات المتحدة قوتها إنه قتل بالرصاص في رأسه وتم دفن جثته في البحر ولم تكشف عن مكان الدفن حتى اليوم.

3- أنور العولقي:
كان من أبرز قيادات القاعدة الذين لاحقتهم الولايات المتحدة لسنوات ومثل مقتله دعما قويا للرئيس باراك أوباما، حيث قتل في 30 سبتمبر 2011 بعد بضع شهور من مقتل "بن لادن".

ومثل "العولقي" تحديا ومشكلة أساسية للولايات المتحدة فهو من أصول يمنية وولد بالولايات المتحدة عام 1971 في نيو ميكسيكو، وكانت واشنطن تعتبر ان الإرهابيين أصبحوا متطرفين بسبب نشأتهم في البيئات الشرقية إلا أن ولادة "العولقي" بأمريكا ثم عودته لليمن وتلقى تعليمه هناك، إلا أنه عاد إلى كولورادو في 1991 وحصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة ولاية كولورادو 1994، ثم حصل على شهادة الماجستير في القيادة التربوية من جامعة ولاية سان دييجو وقد بدأ الحصول على درجة الدكتوراه في تنمية الموارد البشرية من واشنطن.

إلا أنه اتهم بالتورط في هجمات سبتمبر وعمليات أخرى ليعود إلى اليمن عام 2007 وأصبح أحد قادة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ولعب دورا قويا حتى مقتله وحتى اليوم لم يتم الكشف عن جثته فقد قالت الولايات المتحدة إنه تم قتله خلال غارة جوية وتفحمت جثته بالكامل وتم دفن بقايا منها، لكن عائلته لم تتعرف على الجثمان.

4- حمزة بن لادن:
أعلنت الولايات المتحدة في أغسطس 2019 قتل حمزة بن لادن، نجل مؤسس القاعدة أسامة بن لادن، في غارة جوية، لكن لم تكشف الولايات المتحدة معلومات عن الجثمان او نشر صورا له بخلاف ذلك لم تعلن القاعدة حتى اليوم مقتل حمزة الذي كان سيخلف والده في قيادة التنظيم بدلا من المصري أيمن الظواهري الذي اعتبر ضعيفا وأضعف التنظيم لصالح داعش.

فقد كان القاعدة يقدم حمزة على أنه شاب يمتلك شخصية قوية سيقود التنظيم قريبا من أجل جمع شتاته الذي تفرق وانضمت قيادات بارزة منه لداعش أو أسست تنظيمات جديدة مثل جبهة النصرة التي أسسها محمد الجولاني في سوريا.

ويبلغ حمزة بن لادن حوالي 30 عاما وسبق أن نشر رسائل صوتية ومرئية يدعو فيها إلى شن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها، وقد رصدت الحكومة الأمريكية مكافأة قيمتها مليون دولار، لمن يدلي بمعلومات تقود إلى الكشف عن مكان اختفائه.

5- أبوبكر البغدادي:
اعتبر من أهم وأشرس قادة التنظيمات الإرهابية، حيث استطاع السيطرة على مساحة تتخطى 300 ألف كم في سوريا والعراق، معلنا تأسيس دولة الخلافة ونجح في شن هجمات عدة عبر دول العالم بخلاف فروع التنظيم في العديد من الدول، وظلت الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما يلاحقانه حتى قتلته القوات الأمريكية في 27 أكتوبر 2019 في سوريا على بعد 5 كم من الحدود التركية.

والبغدادي هو "إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي" وشهرته أبوبكر البغدادي ولد في يونيو 1971 بالعراق، وقاد تنظيم القاعدة في العراق بعد وفاة أبومصعب الزرقاوي، ولاحقا تحولت لـ"دولة العراق الإسلامية"، ثم تحول لاحقا اسم تنظيم إلى "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، وذلك بعد أن وحد جماعات مسلحة في العراق وسوريا تحت رايته ثم تحول بعد ذلك إلى تنظيم "دولة الخلافة الإسلامية" معلنا منتصف عام 2014 تأسيس دولة الخلافة وحصل على مبايعات من قبل العديد من التنظيمات سواء في ليبيا أو اليمن أو باكستان والصومال ونيجيريا ودولا أخرى.

ولقوة التنظيم وشراسته قادت الولايات المتحدة في عام 2014 "التحالف الدولي ضد داعش" شاركت فيه عشرات الدول لطرد داعش من الأراضي التي سيطر عليها في سوريا والعراق، ليعلن القضاء على التنظيم نهائيا من آخر معاقله بالعراق نهاية 2018 وفي سوريا أعلن طرده من آخر نقاطه في مارس 2019.

وجاءت الضربة الكبرى لداعش حينما قتل البغدادي ذاته نهاية أكتوبر الماضي في عملية خاصة للقوات الأمريكية وقتل فيها قادة آخرون بالتنظيم بخلاف أبنائه وزوجاته، ومثل سابقيه لم تعلن الولايات المتحدة مكان دفنه لتقول إنه دفن في البحر وفقا للشريعة الإسلامية.

وتتعلل الولايات المتحدة بأنها تخفي مكان جثامين قادة الجماعات الإرهابية حتى لا يتحول قبره إلى رمز ومسار من قبل عناصر الجماعات الإرهابية وداعميهم، ما يجذب الكثير من الأفراد إليهم.

إلا أن إخفاء واشنطن الدائم لجثث قادة التنظيمات الإرهابية واللجوء للسيناريو ذاته يشكك في روايتها وحقيقة تبعية هؤلاء ومن يقف ورائهم، فالرئيس دونالد ترامب حينما أعلن عن مقتل البغدادي قال إن روسيا كانت على علم بالعملية وبالتنسيق معها لتخرج موسكو وتنفي هذا الأمر تماما وتؤكد أنها لم تكن على علم بالعملية أو نسق أحد معها ما زاد من شكوك قتل البغدادي حتى بعد إعلان التنظيم رسميا قتل البغدادي واختيار خليفة جديد له وهو "إبراهيم القرشي".