رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: المدلسون.. ممدوح حمزة.. المعددة التى خانت نفسها ثلاث مرات

محمد الباز
محمد الباز

دخل فى عداء مع نظام مبارك بعد إبعاد مكتبه عن مشروعات الدولة من قِبل محمد إبراهيم سليمان

سطا على جزيرة فى النيل وطرد أهلها منها وألقى بهم فى السجن مستغلًا نفوذه بعد ثورة يناير

عندما وجد نفسه خارج كل وأى شىء بعد ثورة ٣٠ يونيو وقف على ضفة الخصوم وبدأ تشويه الإنجازات

على حسابه الشخصى بـ«تويتر» كتب المهندس الاستشارى ممدوح حمزة: «هذه العنصرية الفجة ليست سلوك مصرى أصيل ولكنها طفح نتيجة التدهور الأخلاقى منذ ٣٠ يونيو».. وإلى جوار كلامه نشر رابطًا يوثق واقعة السخرية من الشاب الجنوب سودانى «جون مانوث»، التى تفجرت فى القاهرة فى الأسبوع الثانى من نوفمبر ٢٠١٩.
الواقعة يعرفها الجميع، ثلاثة من الشباب تورطوا فى السخرية من طالب من جنوب السودان، وقد تم القبض عليهم والتحقيق معهم بمعرفة النيابة، وأدانت وسائل الإعلام المختلفة الفعل ومن قاموا به، قبل أن تنتهى الواقعة بتنازل جون عن بلاغه وخروج الشباب الثلاثة من محبسهم.
السلوك المرفوض يمكن أن تبحث عن أسبابه ودوافع أصحابه وطريقة التربية التى تلقوها، لتفهم لماذا أقدموا على ما فعلوه، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الجهد والبحث والتقصى، لكن ممدوح حمزة وحده قرر أن يقول الرأى الفاصل فى القضية بتحميل ثورة ٣٠ يونيو المسئولية كاملة.
لو كان ممدوح حمزة منصفًا، ولا أحسبه كذلك أبدًا، لما ارتكب هذه الحماقة الجديدة من حماقاته.
فلو كانت هناك ثورة مسئولة عن تدهور الأخلاق فى مصر وانحطاطها وتدنيها حتى وصلت إلى القاع لكانت ثورة يناير، لكننا لن نفعل مثله، لأننا بذلك سنكون سطحيين جدًا ومبالغين جدًا ومغرضين جدًا، ونحن لسنا كذلك.
ما قاله ممدوح حمزة، ويقوله دائمًا، عن ثورة يونيو ليس إلا تعبيرًا عن كراهيته الشديدة لها، ولن تكون فى حاجة لأن أقول لك إن هذه الكراهية نابعة من ضياع ما تبقى من أحلامه فى أن يكون له شأن، أى شأن، فى المجتمع المصرى.
وقد تسألنى: ولماذا يكره ممدوح حمزة ثورة ٣٠ يونيو بهذا الشكل الذى وصل به إلى مرحلة المرض؟
الإجابة لا يمكن أن تكون مباشرة.
الحكاية طويلة.
يمكن أن نمسك بخيط بدايتها من العام ٢٠٠٤.
قبل هذا العام لم يكن ممدوح حمزة اسمًا معروفًا فى الأوساط السياسية أو الصحفية العامة، بالكاد يعرفه مجتمع المهندسين والجهات التنفيذية فى الدولة، باعتباره مهندسًا استشاريًا له أعمال مع وزارات الدولة المختلفة، ولا يستطيع أن ينكر أن السيدة سوزان مبارك كانت معجبة به، وكان يفخر بذلك.
حالة الود بين ممدوح حمزة ونظام مبارك لم تدم طويلًا.
بمرور السنوات كان نفوذ محمد إبراهيم سليمان، الذى تولى مسئولية وزارة الإسكان فى العام ١٩٩٣، قد تضخم للدرجة التى كان يتم التعامل معه على أنه أحد رجال نظام مبارك الأقوياء.
فرط القوة التى كان يتمتع بها إبراهيم سليمان كان وراء زحزحة ممدوح حمزة ليس عن مشروعات كان من المفروض أن تصل إلى مكتبه الاستشارى، ولكن عن دائرة سوزان مبارك، ولم يكن الأمر خافيًا على أحد، فقد أزاح حمزة لصالح المكتب الاستشارى الذى كان يملكه شقيق زوجته ضياء المنيرى.
تحول الود الذى كان يحمله ممدوح حمزة لنظام مبارك إلى عداء شديد، حاول أن يستعين برموز النظام لحل مشاكله، لكن أحدًا لم ينصفه أو يقف إلى جواره، فبدأت المواجهة.
من يعرفون ممدوح حمزة يصفونه بأنه رجل لا يستطيع السيطرة لا على كلامه ولا على انفعالاته أيضًا، وإذا أردتم توصيفًا دقيقًا له، فهو رجل يفكر بلسانه دون أن يمنح عقله ولو فرصة للتأمل فيما يقوله أو يرد به على من يتحدثون معه.
فى العام ٢٠٠٤ وصل ممدوح حمزة إلى قمة غضبه من نظام مبارك ورجاله.
وأنا فى صالة تحرير جريدة صوت الأمة، وجدت رئيس التحرير، عادل حمودة، يتواصل معى ويخبرنى بأنه تم القبض على مهندس استشارى مصرى فى بريطانيا بتهمة تخطيطه لقتل أربعة من رموز نظام مبارك، وهم زكريا عزمى وفتحى سرور وكمال الشاذلى ومحمد إبراهيم سليمان.
سألت عن الاسم فعرفت أنه ممدوح حمزة، ولم يكن الاسم يعنى شيئًا على الإطلاق، وتأكدت من ذلك عندما طلب منى عادل حمودة أن ننشر الخبر بالصفة وليس بالاسم، وكان مبرره أنه لا أحد يعرف اسم ممدوح حمزة.
بعد أيام أصبح اسم ممدوح حمزة يدوى كالطبل فى كل مكان.
نظر له البعض على أنه رجل شجاع، يتحدث بجرأة ويهدد شخصيات لم يكن أحد يستطيع أن يتفوه باسمها بينه وبين نفسه، قال إنه سيقتلهم، وهو ما تعامل معه جهاز «سكوتلاند يارد» على أنه تهديد حقيقى قابل للتنفيذ، فألقوا القبض عليه، فلم يتخيل الجهاز الأمنى البريطانى أن يكونوا أمام «فنجرى بق».
لم يكن ممدوح حمزة بالفعل أكثر من «فنجرى بق».
فهو كثير الكلام بشكل يجبرك على الانصراف عنه، خاصة أن ما يقوله يخاصم أى منطق وأى عقل وأى ضمير أيضًا، وهو ما جعل البعض ينظرون له على أنه مجرد شخص متهور.
حمزة ليس متهورًا فى كلامه فقط، ولكن فى تقلباته وتحولاته الكثيرة أيضًا.
قبل أن يدخل فى منافسة مع محمد إبراهيم سليمان وينكسر أمامه، كان معجبًا بنظام مبارك، وكان أحد المساندين له، ولم يكن فى هذا شىء غريب، فقد كان يخدم مصالحه وينحاز لمن يحققونها له، لكنه وبعد أن تفرقت سبل المصالح تعامل مع نظام مبارك على أنه الشيطان الرجيم.
لم يكن غريبًا أن يظهر ممدوح حمزة وبقوة فى ثورة يناير، ليس كمحتج فقط ولكن كممول للاحتجاجات، فقد لعب دورًا فى تقديم الدعم اللوجستى للمتظاهرين فى ميدان التحرير.
كان ممدوح يحلم بأن يعوض كل ما فاته وفقده فى عصر مبارك، لكن ولأن الثورة سقطت فى حجر الإخوان فقد خابت كل آماله، ووجد نفسه يجاهد من جديد من أجل الوصول إلى ما يريده.
تعلق حمزة بأحبال الدعوة إلى الثورة على الإخوان، تحول إلى شاعر بربابة يروج لـ٣٠ يونيو ويدعو لها.
شارك فى وقفة احتجاجية بنقابة المهندسين فى ٩ يونيو ٢٠١٣، وأعلن عن تأييده حركة تمرد التى تطالب بسحب الثقة من محمد مرسى، وتدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، يومها قال: ٣٠ يونيو سيكون يوم الفرج من الحكم الطائفى لمصر.
كان لديه مبرره المعلن، وهو أن المصريين لا يثورون لمعاناتهم من نقص فى تدينهم، أو حتى يصبح عصام العريان ومحمد البلتاجى القياديان بجماعة الإخوان زعيمين للبلاد.
فى شبين الكوم، وفى ١٤ يونيو ٢٠١٣، شارك فى أحد مؤتمرات تمرد، وهناك قال: ٣٠ يونيو هو يوم الخلاص والخروج فى مسيرات حاشدة من كل مكان فى مصر فى المحافظات، وإذا تمكنوا من إغلاق الطريق لقصر الاتحادية سيكون البديل ميدان التحرير وأمام الوزارات.
لم يكتف ممدوح بذلك، خرج ليعلق لافتات على الكبارى وفى الشوارع، وفى تسجيل صوتى له يقول: ٣٠ يونيو هى الثورة الحقيقية، التى كان يجب أن تكون ولم تكن، أنا لا أعرف حكومة ولا هشام قنديل ولا محمد مرسى، هؤلاء هم المر والعلقم.
وبعاميته العصبية قال: "هنطرش المر والعلقم ده.. هنطرش السموم من جسمنا عشان ينضف".
ظل حمزة مخلصًا لثورة يونيو، حتى إنه كان يهاجم كل من يطرح المصالحة مع الإخوان مجرد طرح حتى ولو كان للتفكير، قال: التصالح مع الإخوان يهدد بفشل ثورة ٣٠ يونيو، وليس مقبولًا أن يقول لنا أحد إن هذه الجماعة تمثل فصيلًا وطنيًا.
ما الذى جرى حتى ينقلب المناصر بقوة لثورة ٣٠ يونيو إلى خصم عنيد وشرس؟
يمكنك أن تدعونى إلى احترام قناعات ممدوح حمزة، وتقدير ملاحظاته على المشروعات القومية التى يتحدث عنها من خلفية خبير.
ويمكنك أن تدعونى كذلك إلى الاهتمام بوجهات نظره المختلفة فى كل القضايا التى يحرص على أن يدلى بدلوه فيها، تأسيسًا على أنه معارض، والمعارض من حقه أن يتحدث.
هنا لا بد أن أضع أمامك حقيقة لا يمكن أن تنكرها علىّ أو على غيرى، وهى أن كلام المعارض ممدوح حمزة ليس مقدسًا، وكما يمنح نفسه حق الحديث، فعليه أن يقبل نقد كلامه وكشف العوار فيه.
وإذا كنت تريد منى عدم اتهامه بشىء وهو يقول ما يريده، فعليك ألا تتهمنى بشىء أيضًا وأنا أرفض كلامه أو كلام غيره، جملة وتفصيلا.
وقبل الحوار حول ما يقوله لا بد أن أثبت لك واقعة موثقة، وهى واقعة القبض على ممدوح حمزة بتهمة نشر الأخبار الكاذبة عبر منصاته الإلكترونية.
ففى ١٧ فبراير ٢٠١٩ قررت النيابة العامة إخلاء سبيل حمزة على ذمة التحقيقات التى تجرى معه فى القضية رقم ٣١ لسنة ٢٠١٩ بكفالة ٢٠ ألف جنيه.
كانت نيابة وسط القاهرة قد طلبت حضور حمزة للتحقيق معه دون الإفصاح عن التهمة الموجهة إليه، وعندما وقف أمام النيابة عرف أنه متهم بنشر أخبار كاذبة حول تطوير جزيرة الوراق، ولم تكن النيابة هى من وجهت له الاتهام، ولكنها كانت تحقق فى بلاغ تقدم به المحامى سمير صبرى يتهم حمزة بنشر الأخبار الكاذبة.
الاتهام لم يقف عند نشر الأخبار الكاذبة فقط، بل تجاوز إلى التحريض على مؤسسات الدولة والتهكم على سياسات الدولة ورئيس الجمهورية.
ما حدث مع ممدوح حمزة يمكن أن يقودنا إلى السياسة العامة التى تتبعها الدولة مع المعارضين، فهى لا تعترض طريقهم ولا تنتقم منهم بسبب ما يقولونه وهو كثير، يخرج فى الغالب من مساحة النقد الموضوعى إلى الاتهامات الباطلة والتشويه ونشر الشائعات والإهانة، لكن القضاء لا يتردد عندما يتم تقديم بلاغ ضد معارض بعينه عن استدعائه والتحقيق معه، طبقًا لمواد القانون.
لكن هذا الأداء القانونى لا يرضى المعارضين، الذين يصدرون أنفسهم على أنهم مضطهدون، وأن الدولة تسعى إلى القضاء عليهم من خلال حصارهم قضائيًا، وهو منطق تفضحه الوقائع، فلا يوجد سجين واحد دون تهمة، ولا يوجد من يتم استدعاؤه أمام النيابة دون أن يكون هناك بلاغ تم تقديمه ضده، وفيه اتهامات واضحة، وفى هذه الحالة لا يستطيع القضاء أن يتخلى عن دوره.
يحلو للمعارضين أن يقوموا بما يمكن اعتباره إرهابًا للدولة، فهم يخوفونها حتى لا يقترب منهم أحد، يقولون ما يحلو لهم، بالطريقة التى يريدونها، ويغضبون جدًا إذا ما تمت مؤاخذتهم على ذلك ولو بالكلام حتى.
لقد منح ممدوح حمزة نفسه الحق فى أن يتهم الحكومة بأنها تخطط لبيع جزيرة الوراق إلى مستثمرين عرب، دون أن يقدم دليلًا واحدًا على ذلك، متجاهلًا كل ما تقوله الحكومة عن مشروع تطوير الجزيرة، بما يعنى أنه يتعمد الكذب للتشهير بالنظام.
الغريب أن المعارض الذى يروج أكاذيب عن جزيرة الوراق، لم تهتز فى رأسه شعرة واحدة وهو «يشفط» جزيرة كاملة فى العياط، وهى الواقعة التى كشفتها بالمستندات والصور والفيديوهات فى يوليو ٢٠١٧.
القصة بدأت عندما طالبته طليقته برد عدد من أراضى أملاك الدولة التى استولى عليها، ومن بينها فيلا «العطف»، وهى فيلا موجودة بمدينة العياط بالجيزة، كان حمزة قد قام بشرائها قبل ثورة يناير، وهى مقامة على ٣٢ فدانًا، وتحيط بها ٤ جزر فى النيل يعيش عليها ١٠ أسر يزرعون ويصطادون، كما كانوا يقومون بحراسة الفيلا.
كانت الواجهة البحرية للفيلا عبارة عن ١٥٠٠ متر، قام حمزة بردم النيل بطولها لعمق ١٠ أمتار، كما قام بشفط المياه بين جزيرته وجزيرة أخرى، لتتحول مساحة فيلته من ٣٢ فدانًا إلى ٦٨ فدانًا، وعندما اعترضت الأسر التى كانت تعيش على الجزيرة أحضر لهم الشرطة وألقاهم فى الحجز.
لا يمكننا أن نصدق ممدوح حمزة المعارض الذى يبكى على جزيرة الوراق، وهو نفسه ممدوح حمزة، رجل الأعمال والملياردير، الذى يسطو على جزيرة فى النيل ويطرد أهلها منها، بل يستغل نفوذه، الذى تعاظم بعد ثورة يناير، ويلقى بهم فى الحجز، منتقمًا منهم، ورافعًا فى وجوه كل من يعارضه عصاه الغليظة.
اعتقد ممدوح حمزة أن استرداد مصر من الإخوان، وقد قام بدور فى ذلك لا ينكره عليه أحد، يمكن أن يمنحه مساحات قوة ونفوذ افتقدهما، دون أن يعى أن الدولة التى تحررت لا يمكن أن تتحرك بمزاج أفراد مهما بلغت قوتهم، أو وصلت قدرتهم على الحديث والقدح فى حق الآخرين.
فرح ممدوح حمزة مثلما فرح غيره بخارطة الطريق، لكن عندما بدأت فى التنفيذ وجد نفسه خارج كل وأى شىء، فوقف على ضفة الخصوم، وهؤلاء وسيلتهم واحدة وهى رفض وتشويه كل وأى شىء.
الآفة التى نعانى منها فى خطاب المعاندة، أن من يصيغونه يقفون بتفكيرهم عند يوم ٣ يوليو لا يبرحونه، ويريدون أن يعودوا إليه مرة أخرى، ولذلك لا بد من هدم كل شىء يتم بناؤه أو إنجازه، فلو اعترفوا بأن هذا إنجاز فما الذى يدعوهم إلى التخلى عنه.
الحقيقة أن لدى ممدوح حمزة معيارًا واحدًا، وهو أن الإنجاز لا بد أن يعود عليه بالنفع وبشكل مباشر، ودون ذلك فلا يمكن أن يعتبره كذلك، وهو أمر لا بد أن يضيق به أى عاقل، فليس مطلوبًا أن يتم تفصيل مصر على مقاس أحد، حتى لو كان هذا الأحد فى حجم ممدوح حمزة.
حاول أن تتصفح حساب ممدوح على تويتر مثلًا.
ستجده يتنكر لكل الاستحقاقات الدستورية التى حصدها الشعب المصرى، فهو لا يتحدث عن الرئيس عبدالفتاح السيسى إلا بلقب المشير، ورغم أن هذه رتبة عسكرية حصل عليها السيسى، إلا أنه الآن هو الرئيس الذى انتخبه المصريون مرتين فى انتخابات، فى الغالب قاطعها ممدوح ولم يشارك فيها، وإذا احتج ممدوح بأنه لم يخطئ، فإنه لا يمكن أن ينكر أن هذا ما يكنه فى صدره دون أن يفصح عنه.
من حق ممدوح أن يكون له رأيه الخاص.
لكن ما لا يمكن إقراره عليه هو التدليس المطلق الذى يمارسه.
فهو يستسلم لتقارير صحفية عشوائية عن تحركات الرئيس الخارجية، فيكتب على هامش زيارته إلى الإمارات «صلح مع قطر.. ومصر حتغنى ظلموه».. دعك من أن المعلومة خاطئة تمامًا، وتؤكد أنه يستقى معلوماته من منصات التواصل الاجتماعى العابرة، ودقق فقط فى حالة التشفى، التى يتحدث بها عن مصر.
وبغيبوبة تامة يكتب ممدوح «عداء لتركيا وعداء لإيران وعداء لقطر وعداء لشعب السودان وعداء لشعب ليبيا وعداء لشعب اليمن.. الحكم القادم عليه مجهود كبير لإزالة هذه العداوات وترجع مصر الكبيرة وسط البلاد العربية مرة أخرى».
ما كتبه ممدوح هنا لا يؤكد فقط أنه منعزل عن الواقع، ولكن يشير كذلك إلى أننا أمام مهندس لا يفهم إلا فى الخرسانة، هذا إذا كان يفهم فيها، فأى تلميذ فى ابتدائى لا يمكنه أن يقول هذا الكلام عن موقف مصر من الدول التى ذكرها، فأى عداء تحمله مصر لشعوب ليبيا والسودان واليمن، وهى التى تبذل جهدًا خارقًا للحفاظ على الدول الوطنية، التى هى الضمانة الأساسية فى الاستقرار.
ثم ما الذى ينتظره ممدوح حمزة من مصر تجاه قطر وتركيا، وهما يعلنان عليها الحرب علانية ودون مواربة أو خجل.
هنا يخرج ممدوح حمزة بما كتب من خانة المعاندة إلى خانة الكيد، وهو أمر مفهوم فى إطار دور المعددة التى لا تكف عن النواح، وهو دور يرتضيه ممدوح لنفسه طوال الوقت، فهو لا يقدم طرحًا يمكن أن تحاوره على أرضيته، فلا أرضية ثابتة أو متماسكة يتحرك عليها، حتى كتاباه اللذان أصدرهما مؤخرًا، وهما «الانفتاح على مصر.. تنمية الصحراء الغربية» و«كيف نبنى الوطن.. تشخيص حالة وعلاج»، لا تجد فيهما إطارًا إجرائيًا واضحًا يمكن أن نبنى عليه، بل مجرد رؤى نظرية بحتة لا قيمة لها، ما يحدث على الأرض بالفعل يتجاوزها بدرجة كبيرة، لكنه لا يريد أن يعترف بذلك.
ما يؤكد لى أننا أمام معارض نظرى لا يعرف من أصول المعارضة إلا الكلام ما كتبه ممدوح حمزة عن النائب أحمد الطنطاوى، الذى خرج علينا بمبادرة فارغة تمامًا من الواقعية وصدرها لنا على أنها مبادرة للإصلاح، وكان هذا قبل حتى أن يعلن عن مبادرته.
كتب ممدوح: «اتصلت بالنائب أحمد الطنطاوى تليفونيًا وطلبت منه أن يرشح نفسه للرئاسة لانتخابات ٢٠١٨ وسوف يلاقى كل الدعم وكان رده بعد الشكر على الثقة أن فيه مشكلة فى السن والاستعداد».
قد تسألنى: وما الذى يمنع أن يرشح أحمد الطنطاوى أو غيره نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية؟
سأقول لك إن من يميلون لترشح أحمد الطنطاوى أو من على شاكلته يعانون من مشكلة كبيرة، تتمثل فى أنهم لا يدركون المواصفات التى يجب أن تتوافر فيمن يشغل هذا المنصب، فليس مهمًا أن تكون قادرًا على الكلام أو لديك قدرة على صياغة الأفكار، فهذه وظيفة المفكرين أو المنظرين، وهؤلاء فى الغالب لا يملكون الأدوات التى ينفذون من خلالها أفكارهم.
الوضع المصرى معقد إلى درجة كبيرة، وأعتقد أن عجز المعارضين المصريين عن إدراك هذا التعقيد هو السبب الرئيسى فى إخفاقهم أو إقناع الناس بأنهم قادرون على أن يتصدوا له.
وقد تسألنى أخيرًا: ولماذا لا تصدق ممدوح حمزة؟
سأقول لك إننى لا أصدقه لأنه خان نفسه ثلاث مرات.
المرة الأولى عندما اختلف مع نظام مبارك وتفرقت بينهما السبل بسبب المصلحة، فجعل من نفسه خصمًا، رغم أنه لم يقدر على أى شىء، ولم ينقذه من السجن فى بريطانيا إلا أن رباعى نظام مبارك عفوا عنه وشهدوا فى صالحه، ووقتها قال لى كمال الشاذلى الذى كان واحدًا ممن هددهم حمزة بالقتل: ممدوح راجل طيب بس عقله على قده.
المرة الثانية عندما تحول إلى ديكتاتور صغير بعد ثورة يناير، التى شارك فيها، فبدلًا من أن يصون مبادئ يناير النبيلة، التى مات من أجلها كثيرون، إذا به يفسد سياسيًا تمامًا، ويتعامل مع نفسه على أنه صاحب الحق المطلق فيما يقوله، وليس من حق أحد أن يراجعه أو يحاسبه.
المرة الثالثة عندما وقف فى صف ٣٠ يونيو تمامًا وأصبح واحدًا من جنودها، وعندما وجد نفسه خارج الصورة، تحول إلى ناقد ثم إلى ناقم.. وفى النهاية أصبح عدوًا واضحًا.
ومثله بخياناته الثلاث لا يمكن أن نأمن له أو نستمع منه.