رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

داعش.. FBI.. والمخدرات



أمام المحكمة الفيدرالية فى شيكاغو، وقف جيسون براون، الخميس الماضى، ليشاهد نفسه، فى مقطع فيديو، وهو يقوم بإخراج ٥٠٠ دولار من جيبه ويعطيها لآخر، ثم يطلب منه إرسالها إلى أحد مقاتلى تنظيم «داعش» فى سوريا. والمشهد نفسه تكرر فى مقطعين آخرين، ما يعنى أنه أرسل ١٥٠٠ دولار للتنظيم الإرهابى، عبر الوسيط نفسه، على ثلاث دفعات، أو ثلاث مرات.
براون «٣٧ سنة»، المعروف أيضًا باسم «عبدالجامع»، هو تاجر مخدرات وزعيم عصابة AHK، إحدى عصابات الشوارع فى مدينة شيكاغو التابعة لولاية إلينوى الأمريكية. وتم إلقاء القبض عليه، الأسبوع الماضى، وتضمنت أدلة الاتهام التى قدمتها الشرطة والمدعى العام المحلى إلى المحكمة، مقاطع فيديو وتسجيلات صوتية ووثائق عديدة، تثبت تجارته فى المخدرات وتورطه فى جرائم وأنشطة العصابة التى يقودها. وكذلك قيامه بـ«توفير الدعم المادى والموارد لمنظمة إرهابية أجنبية»، وهى التهمة التى تم توجيهها، أيضًا، إلى ٦ من أفراد عصابته، وقد تصل عقوبتها، حال ثبوتها، إلى السجن لمدة ٢٠ سنة.
مما تم تداوله، نقلًا عن أوراق الدعوى وعن بيان أصدرته وزارة العدل الأمريكية وآخر أصدرته المحكمة، عرفنا أن «براون» أو «عبدالجامع» كان قد اعتنق الإسلام خلال فترة سجنه فى ولاية جورجيا. وتأثر بأفكار «الداعية المتشدد عبدالفيصل الذى يحث المسلمين على مجابهة الكفار، الذى كانت نشاطاته ودعاياته تدخل إلى سجون كثيرة». وبعد الإفراج عنه سنة ٢٠١٨، صار يسلك سلوكًا يختلف عن ذلك الذى التزم به قبل خروجه من السجن. وكان جزءًا من هذا السلوك هو تحريض أفراد عصابته على مبايعة تنظيم «داعش»، وقيامه بضم عناصر جديدة إلى عصابته، كان معظمهم أعضاء سابقين فى عصابات أخرى واعتنقوا الإسلام.
مقاطع الفيديو، التى سجلتها كاميرات سرية، رصدت أحاديث يعلن فيها «براون» اعتزامه الذهاب إلى سوريا، ويبدى إعجابه بتنظيم «داعش»، وبقيام مقاتليه بقطع رءوس ضحاياهم، ويصف التنظيم بأنه استردّ «شرف وكرامة المسلمين أمام هجمات أعداء الإسلام». ويمكننا، تفسيرًا لذلك، أن نقول كلامًا كثيرًا عن كون السجون الغربية صارت أرضًا خصبة لتجنيد الإرهابيين، كذلك الذى نقلته شبكة «سى إن إن» عن بينيت كليفورد، خبيرة شئون التطرف بجامعة جورج واشنطن، التى لم تفاجئنا، أيضًا، إشارتها إلى أن تنظيم «داعش» ضم إلى صفوفه أشخاصًا ذوى خلفيات إجرامية.
العلاقة بين التنظيمات الإرهابية وتجارة المخدرات معروفة وثابتة: دراسة حديثة أعدها المعهد التونسى للدراسات الاستراتيجية، شملت ٨٢ إرهابيًا، عادوا من بؤر التوتر فى الخارج، انتهت إلى أن ٦٣.٤٪ منهم تعاطوا مواد مخدرة. وفى مارس الماضى، قامت السلطات العراقية بمصادرة طن كامل من المخدرات، خلال قيامها بإلقاء القبض على ٤ أشخاص ينتمون إلى تنظيم «داعش». كما أكدت تقارير أمنية ليبية أن غالبية من يديرون تجارة المخدرات، هناك، على علاقة بتنظيمات إرهابية. وسبق أن أثبت الصحفى التركى «عبدالله بوزكورت»، فى تقرير نشرته صحيفة «واشنطن إكزامينر» تورط نظام رجب طيب أردوغان فى تجارة المخدرات بالتعاون مع تنظيمات إرهابية، فى سوريا، العراق، لبنان، ليبيا و... و... وصولًا إلى الصومال.
مع زيادة انخراط التنظيمات الإرهابية فى تجارة المخدرات، بدأت تظهر تنظيمات هجينة تعمل فى المجالين معًا، كجماعة الإخوان وتنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية، وحزب الله اللبنانى، و... و... وهناك تنظيمات وكيانات هجينة أخرى عديدة، فى مختلف دول العالم، ربطتها علاقات قوية بشبكات الجريمة المنظمة وعصابات تجارة المخدرات الدولية.
قبل ذلك كله بقرون، وتحت شعار «الجهاد المقدس»، قام أعضاء جماعة «الحشاشين»، فى القرن الخامس الهجرى، الحادى عشر الميلادى، بكثير من الاغتيالات والعمليات الانتحارية، معتقدين أن تلك العمليات هى جواز مرورهم إلى الجنة السماوية، التى ذاقوا حلاوتها، تحت تأثير الحشيش، فى «جنة أرضية» أقامها زعيمهم الحسن الصباح، داخل قلعة حصينة، سمّاها «قلعة الموت» تقع على بعد نحو ١٠٠كم من العاصمة الإيرانية، طهران. وكان هدف تلك الجماعة هو نفسه الذى تسعى إليه التنظيمات والجماعات «الهجينة» الحديثة، كالإخوان والقاعدة وداعش: أستاذية العالم، والسيطرة التدريجية على كل بقاع الأرض.
لا جديد، إذن، فى قيام تنظيم إرهابى بتجنيد جيمس براون أو «عبدالجامع»، أو غيره، داخل السجون الأمريكية. ولا غرابة، كذلك، فى أن يجمع المذكور وأفراد عصابته بين الانتماء للتنظيم وتجارة المخدرات. وقد لا تفاجأ لو عرفت من البيان الصادر عن وزارة العدل الأمريكية أن الوسيط الذى تسلم منه المبالغ كان «يتعاون مع أجهزة تنفيذ القانون سرًا». لكن الجديد، الغريب، المفاجئ والمدهش، هو أن المرسل إليه أو «المقاتل الداعشى»، بحسب البيان نفسه، «لم يكن إلا ضابط سرى»، أرسله مكتب التحقيقات الفيدرالى، FBI، للقتال مع تنظيم «داعش» فى سوريا!.