رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هيا بنا نشعل ثورة




هل نحن نحتاج إلى ثورة؟ اقرأ المقال لآخره لكى تشارك معنا بعد ذلك فى هذه الثورة، ففى بداية حكم الإخوان لمصر كنت أخشى أن يستمر الإخوان فى خداعنا بالعاطفة ومظاهر التدين الشكلية فنظل واقعين تحت تأثير خديعتهم، فالذى لا يتصوره بعضنا حتى الآن أنه لو استمر الإخوان فى حكم مصر لكتب التاريخ ذات يوم أنه: كانت هناك أمة فى القارة الأمريكية اسمها «الهنود الحمر» عاشت فى تلك القارة قبل المكتشف «كريستوفر كولومبوس»، ثم انتهت وبادت وأصبحت أثرًا بعد عين، ثم كانت هناك أمة فى الشرق الأوسط ما بين إفريقيا وآسيا اسمها الأمة العربية عاشت فى تلك المنطقة آلاف السنين ثم انتهت وبادت وأصبحت أثرًا بعد عين بعد أن حكمها الإخوان بمساعدة أمريكا.
الأمة التى لا تتعلم من أزماتها وتجعل من تلك الأزمات قنديلًا من المعرفة والحضارة والرقى يفتح لها طريق المستقبل هى أمة لا مستقبل لها، والأمة الغافلة عن المخاطر التى تهددها هى أمة لا بقاء لها، ودعك مؤقتًا من تاريخ الاستعمار مع أمتنا، وكيف أنهم فرضوا أنفسهم علينا بالقوة والسلاح واستلبوا ثرواتنا وسامونا سوء العذاب والتجهيل والتفقير حتى نصبح أمة عاطلة خارجة عن السياق الحضارى، ولكن مد بصرك فقط إلى تلك الأيام القريبة لتعرف مدى حجم المؤامرة علينا.
ولكى نعرف خيوط المؤامرة، التى استخدمت أمريكا فيها الإخوان لتدمير أمتنا يكفى أن تمعن التفكير فى تلك التصريحات التى أدلت بها وزيرة الخارجية الأمريكية فى عهد بوش، والتى تحدثت فيها عن شرق أوسط جديد وفوضى خلاقة، وقتها استقبل بعضنا هذه التصريحات ببرود، وتحذلق البعض وتعالم البعض، إلا أن أحدًا لم يترجم تلك التصريحات سياسيًا، وبالتالى لم يقم أحد بإعداد استراتيجيات تواجه مخطط «تقسيم الشرق الأوسط جغرافيًا عن طريق خلق حالات فوضى ترتدى قميص الثورات»، أما كيف يتم التقسيم والأمة كلها تؤمن بالقومية العربية التى تميل للوحدة لا للتفتيت؟ لا يكون ذلك إلا عن طريق إثارة النعرات الطائفية وتقوية حركات «الإسلام السياسى»، هذا هو الطريق الوحيد الذى يمكن أن يثير البغضاء فى النفوس، فمن خلف ظهر أمتنا تظهر تلك الحركات التى ترفع راية التكفير فى مواجهة مجتمع عاش عمره متآلفًا، والتكفير يجر وراءه جيوش الجهاد التى تريد أن تنتصر للدين من أولئك الذين يحاربون الدين! والجهاد لا سبيل له إلا بإعمال السيوف فى الرقاب، ومع كل رأس يطير هناك صبى أحمق غرير يهتف: «الله أكبر» ولكن كيف تكون البداية؟ لم تجهد أمريكا نفسها فى إخفاء خططها، ولماذا تخفى خططها وهى تتآمر على أمة لا تقرأ، وإذا قرأت لا تهتم؟ وكأن هذه المؤامرة موجهة لأمة أخرى لا شأن لنا بها، بل إن هذا المخطط بتفصيلاته سبق أن كتبه فى غضون عام ١٩٧٥ كبار الساسة والاستراتيجيين فى أمريكا فى مجلدات أطلقوا عليها «رؤية أمريكا للمستقبل»، وكان اللعب بالورقة الدينية هو السلاح الذى رأت أمريكا أن تستخدمه، وقد أشرف على وضع ذلك المخطط السيد «بريجنسكى»، مستشار الأمن القومى الأمريكى وقتها، وكانت أنبوبة الاختبار الأولى لهذا المخطط هى زرع دولة شيعية فى إيران العلمانية، ثم إجهاد أكبر قوتين فى المنطقة، وهما إيران والعراق فى حرب لا طائل من ورائها، لا طائل لنا نحن طبعًا، ثم أصبح من السهل بعد ذلك وضع جزرة الكويت أمام العراق لتنقض عليها، متخيلة أن الدنيا قد أقبلت عليها، فى حين أن هذه الجزرة كانت مصيدة لاصطياد العراق الساذج، وبلا مبالاة التهمت أمريكا الفريسة الساذجة وقضت على قوة جيشها ثم وضعتها فى حرب أهلية، حتى أصبح العراق هيكلًا عظميًا لدولة يتقاسمها الشيعة والسنة ويشرف على نهب ثرواتها الكاوبوى الأمريكى المتغطرس، وبعد أن ظن الأمريكيون أن خطتهم تسير على ما يرام استداروا ناحية سوريا، وفى الخفاء قاموا بتقوية إيران لتقوم بدور فاعل فى تخويف دول الخليج لتظل تلك الدول فى أشد الحاجة لشرطى العالم الأكبر، «العم سام»، القادر وحده على كبح جماح إيران، ومع ذلك كله تضمن إسرائيل الحياة اللذيذة بعيدًا عن أى تهديد حقيقى، ولا يغرنك «حماس»، فما هى إلا ورقة من أوراق المخابرات الأمريكية فى المنطقة، وبهذه الورقة ستقوم أمريكا بتهديد أمن مصر فى الوقت الذى تستلزمه قواعد اللعبة، المهم أن تحصل أمريكا على أوراق رابحة فى كل بلد من بلدان المنطقة حتى تستطيع من خلال هذه الأوراق قسمة البلد الواحد إلى عدة دويلات، وجعل هذه الدويلات تحت السيطرة التامة، ثم كان الدفع بالإخوان ليكونوا عنصرًا فاعلًا فى تنفيذ المخطط الأمريكى، وبحكم الإخوان فى السودان يتم تقسيم السودان إلى دويلة فى الشمال ودويلة فى الجنوب، ثم تقوم ثورات الربيع، التى تؤججها قوى مشبوهة متحالفة سرًا مع تنظيم الإخوان، ثم تتحول جماعة الإخوان إلى أكبر لص سارق للثورات عبر التاريخ، ومن خلالها يتم تجميع كل الجهاديين التكفيريين فى العالم لإنشاء جيش أطلقوا عليه «الجيش السورى الحر» ليفعل بسوريا الدولة الأفاعيل، بحجة أن بشار الأسد ديكتاتور! ويا لها من حجة لا تنطلى على ساذج أبله، ألكى نقضى على ديكتاتور نسقط دولة بأكملها ونحطم كل مقدراتها؟! ومن بعد ذلك استدارت أمريكا بأداتها الإخوانية إلى مصر فأوصلتهم للحكم، وحين فشل مخطط بقائهم بسبب ثورة الشعب عليهم أخذوا يدبرون المؤامرات لتحطيم الدولة المصرية بحجة لا تنطلى على ساذج أبله، هى حجة استعادة الشرعية التى أسقطها الشعب، وعندما تيقنت أمريكا من استحالة عودة الإخوان لحكم مصر أخرجت من جرابها ورقة أخرى كانت مدخرة للاحتياط هى ورقة «داعش»، وبها سيتم بث الرعب فى دول المنطقة، وبمسرحية ساذجة تزعم أمريكا أنها تريد القضاء على «داعش»! وهى ربيبتها، وستجدنا نطير من الفرح عندما قتلت أمريكا أبوبكر البغدادى وكأن داعش انتهت. كل ذلك والصياد الأمريكى ذلك الكاوبوى، الذى تعود على أن يمتطى صهوة حصانه ليجرى وراء فريسته، يظن أنه قادر على تقسيم مصر إلى دويلة إسلامية سنية، تواجه دولة مصرية علمانية، ولا مانع من دولة نوبية، وأخرى قبطية، وهكذا دواليك، وفى كل ذلك تقف جماعة الإخوان كأداة طيعة فى اليد الأمريكية، يساعدها فى ذلك بعض المبعوثين الأمريكيين الذين يظهرون أمامنا بصورة مصرية مزيفة مثل البرادعى وعمرو حمزاوى وحسن نافعة ووائل غنيم وغيرهم، ولأن الشعب المصرى كان أشد فراسة من نخبه الضائعة، وأحدُّ ذكاء من ساسته فقد استطاع بقيادة أحد أهم الفرسان المصريين عبدالفتاح السيسى إسقاط الكاوبوى من فوق فرسه.
ولكن هل هذا يكفى؟ إن مواجهة الإرهابيين وتنظيمهم لا يمكن أن تكون كافيًة فى مواجهة تلك المنظومة الشيطانية، ولكن على أمتنا أن تتحول إلى أمة عملية وتنظر للأمور بمنظور آخر حتى تقضى على الإرهاب، وأول ما يجب أن نقوم به هو تفكيك المنظومة الفكرية التى قام عليها تنظيم الإخوان وتوابعه، نحن فى الحقيقة نحتاج ثورة على مفاهيم التطرف، ثورة تستهدف إعادة بناء الشخصية المصرية من جديد، وهذه الثورة لا يمكن أن يقوم بها النظام وحده لكن يجب أن تتضافر فيه كل القوى السياسية والفكرية والشعبية، هذه هى ثورة مصر.