رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد أمل: السيسى اختار الوقت المناسب لطرح قضية سد النهضة دوليًا.. وتدخل أمريكا غيّر المعادلة

جريدة الدستور

قال الدكتور أحمد أمل، رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن رئاسة مصر الاتحاد الإفريقى أسهمت فى ضبط أداء المنظمة، وجعلها أكثر اتزانًا وفهمًا لطبيعة التغيرات السياسية.
وأضاف «أمل»، فى حواره مع «الدستور»، أن دور مصر فى إفريقيا طبيعى ومشروع ولا أحد يستطيع المزايدة عليه، فى إطار الحديث عن التمدد، مشيرًا إلى أن العالم أجمع يقدر هذا الدور.
وعن أزمة سد النهضة، رأى أن تحرك القيادة السياسية دوليًا جاء فى الوقت المناسب، مشيرًا إلى أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية فى الملف سيغير المعادلة.

■ بداية.. ما شكل علاقتنا بإفريقيا الآن؟
- العلاقات المصرية الإفريقية تشهد طفرة كبيرة فى ظل ظروف دولية أفضل، فالسياق الدولى يسمح لنا بأن نكون موجودين بقوة، ولعل مصالحنا السياسية والتهديدات التى تلاحقنا أصبحت تطرح علينا أسئلة عدم الانخراط والاشتباك المباشر، فأنا لا أتحدث عن قطيعة وعودة، لأن مصر كانت طوال الوقت حاضرة فى إفريقيا.
■ ما أساسيات العلاقات المصرية الإفريقية؟
- نعمل فى أكثر من مجال وأكثر من قضية، مصر منخرطة بقوة فى جهود مكافحة الإرهاب فى إقليم الساحل الإفريقى، وكذلك مصر مشاركة بقوة فى إصلاح علاقات دول حوض النيل، بالمباحثات والمشاورات، كما حدث مع السودان وإثيوبيا حول سد النهضة، وهناك شكل آخر مثل التكامل والمبادرات التنموية، مع تنزانيا وجنوب السودان وأوغندا، وكذلك تلعب مصر دورًا مهمًّا للغاية، وظهر ذلك بوضوح فى قمة سوتشى الأخيرة بروسيا، بتقديم القارة الإفريقية فى العالم على نحو ملائم ومشجع.
■ ماذا عن نظرة الدول الكبرى على نشاط مصر بإفريقيا؟
- دور مصر فى إفريقيا دور طبيعى ومشروع ولا يزايد أحد عليه، فلا يستطيع أحد أن يتحدث عن تمدد أو طموحات إقليمية، فمصر قادت أغلب دول إفريقيا للتخلص من الاستعمار، وساعدت كثيرًا من الدول الإفريقية فى استقلالها، وكانت من أهم الدول فى تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، وكانت طوال الوقت موجودة وداعمة لإفريقيا، وهذه نقطة مهمة، فالرواية المصرية لعلاقاتنا بإفريقيا لا بد أن تركز على عدم حدوث مقاطعة، ويجب عدم تصدير هذه الفكرة حتى لأنفسنا، فدور مصر ووجودها طبيعى فى إفريقيا، وهذا أمر مهم، وهناك نقطة أخرى هى أن دور مصر فى إفريقيا مفيد لكل الأطراف.
■ ماذا تقصد بـ«مفيد لكل الأطراف»؟
- دولة مثل فرنسا تنخرط بشكل مباشر على الأرض فى جهود مكافحة الإرهاب، ومصر بقدراتها العسكرية وأهميتها الكبيرة دولة داعمة للاستقرار فى الإقليم، وفرنسا تقدر مساهمات مصر فى مجال مكافحة الإرهاب، وكذلك تنظر روسيا إلينا، فلا يوجد تنافس فى هذا الشأن، فجميع دول العالم تتعامل مع إفريقيا ولها علاقات متبادلة، فالهند تعمل فى إفريقيا والبرازيل ودول آسيوية متوسطة الحجم تعمل فى إفريقيا. الجهود المصرية دائما تكون مُقدرة من العالم، الأمر الآخر أن إفريقيا ليست مثل الشرق الأوسط، فالمشهد فى إفريقيا فى أمس الحاجة إلى دول كبيرة تكون موجودة على الأرض وتتسم سياساتها بالاستدامة وبالاستقرار وبالنزاهة، فهناك دول شرق أوسطية، على سبيل المثال، إيران وإسرائيل وتركيا فى مراحل مختلفة، هذه الدول لسنوات طويلة كانت تعمل على دعم بعض الأطراف من الفاعلين من وراء الدولة فى الخفاء، ومصر ليست مثل هذه الدول، فمصر تتعامل مع الدولة الوطنية كفاعل وحيد فى إفريقيا، وهذا أمر مهم لأن الدول فى إفريقيا «دول جديدة» حديثة حدودها غير مستقرة، مكوناتها السكانية غير ثابتة، وهناك نزاعات سياسية وسكانية.
وهذا الأمر يجعل الدول فى إفريقيا ضعيفة ليس لها أصل تاريخى مثل مصر، فمصر بحدودها وتكوينها وممارستها السياسة.. كل هذه أمور مستقرة منذ آلاف السنين، وأعتقد أن الدول الكبرى ترى موقف مصر إيجابيًا ولكن فى بعض الملفات يكون هناك شىء من الاصطدام وأحيانًا التخوف.
■ كيف تنظر إلى قضية سد النهضة، وهل هناك أطراف تقف وراء تعنت إثيوبيا؟
- إثيوبيا هى مَن وراء إثيوبيا.. فإثيوبيا دولة ليست صغيرة وهى قوة إقليمية فى منطقة القرن الإفريقى وشرق إفريقيا، وتنظر لنفسها كقوة مناوئة لدول الشرق الأوسط ومنها مصر، ولديها مشروع تمدد فى دول جيرانها، حققت جزءًا كبيرًا منه فى الصومال بالفعل، ولديها مطالب تنموية كبيرة، وترى أنها تستحق أن تكون قطبًا فى القارة الإفريقية، فهناك تحولات فى السياسة الداخلية الإثيوبية هى التى جعلت موقفها هكذا، وهناك أطراف كثيرة من الممكن أن تستغل هذا الملف وتبادر بهذا، لكن أغلبية الدول التى لها مصالح فى بناء هذا السد لا تتحدث بشكل معلن أو ظاهر مثل الصين التى ستتولى إنشاء شبكات نقل الكهرباء التى تتولد من السد وخلافه، وإيطاليا وفرنسا وبدرجة أقل ألمانيا وإسرائيل بالطبع، وهذه الدول تورد مواد بناء السد وتجهيزات كهربائية ومعدات، ولها اهتمام كامل بالمشروع، لكن قائمة الدول المنخرطة فى السد ليست من بينها دول معروفة، فتمويل السد تحيطه السرية، وقيل إنه اكتتاب عام للمواطنين الإثيوبيين بنسبة فائدة معقولة كمشروع وطنى، لكن يظل تمويل السد لغزًا غير معروف.
ليس هناك من يحرك إثيوبيا، فسد النهضة مشروع قومى كبير باعتباره أداة يمكن من خلالها أن تحقق فوائد اقتصادية كبيرة وليس فقط من توليد الكهرباء.
■ كيف قرأت تدخل أمريكا فى الملف؟
- الرئيس السيسى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة حمّل المجتمع الدولى مسئوليته تجاه تعثر مفاوضات سد النهضة، فعندما تتعرض الدولة المصرية لتهديد جسيم بهذا الحجم، ويحدث نقص حاد فى إمدادات المياه من نهر النيل، المصدر الوحيد للمياه، فهذا الأمر يحتاج بالضرورة إلى الحفاظ على الاستقرار والسلم الإقليميين والدوليين، وهذا يستدعى تدخلًا بمستوى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت هناك قبل ذلك مفاوضات روسية مصرية، وهناك تحول بعض الشىء أو تحول نسبى فى التوجه الإثيوبى الآن بعد التطور الأخير، فالإثيوبيون لا يسعون إلى خلق عداء مع أمريكا، ولا أظن أن رئيس وزراء إثيوبيا لديه مساحة من حرية الحركة التى تسمح له فى وضعه الداخلى أن يرفض هذا التفاوض الذى غيّر كثيرًا من المعادلة.
■ هل تحركات الرئيس أسهمت فى تحريك المسألة تجاه حل توافقى؟
- بالتأكيد، فنحن أحسنا اختيار اللحظة التى نطرح فيها تلك القضية على العالم، وهى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والجانب الإثيوبى كان يحاول المماطلة، لأنه كان يأمن العواقب، لكن هذه المماطلة لم تكن سيئة بالنسبة لنا، لأن التعجل فى طرح الأمر على المجتمع الدولى لم يكن الحل المثالى، وفى المقابل لم تكن هناك بدائل أخرى ملائمة.
■ كيف رأيت تحركات مصر لحل الأزمات داخل القارة عبر القمم التى يعقدها الرئيس؟
- القاهرة كانت محطة رئيسية للكثير من الرؤساء الأفارقة خلال السنة الماضية، فيجب أن نتذكر قمتى القاهرة فى أبريل، واحدة بشأن ليبيا والأخرى بشأن السودان، وهما قمتان صغيرتان، فقمة ليبيا تم التأكيد فيها على التعامل والحل السلمى، وقمة السودان عكست الدور المصرى المهم، عندما تدخلت بإرجاء قرار الاتحاد الإفريقى تعليق عضوية السودان بسبب التغيير السياسى، استطعنا تقديم خدمة جيدة للطرف السودانى. فمصر ضبطت الإيقاع العام للمنظمة الإفريقية وجعلته أكثر اتزانًا وفهمًا لطبيعة التغيرات السياسية واختلافها من دولة إلى أخرى وهذا شىء إيجابى. واشتركت مصر مع الجمعية العامة للأمم المتحدة لتنقية الأجواء بين ثلاث دول إفريقية، كينيا والصومال وجيبوتى.
■ ماذا عن تواجد قطر فى إفريقيا؟
- قطر موجودة فى إفريقيا منذ زمن بعيد، وليس حديثًا مثلها مثل معظم دول الخليج، لكن ما يعطيها شكلًا مختلفًا عن بقية الدول أن لها دورًا مزدوجًا فى إفريقيا، فتجدها تدعم الحركات التمردية والإرهابية من ناحية فى الخفاء، وفى نفس الوقت تدعم الدول الإفريقية علنًا، فهى تعمل على حماية مصالحها ومنافسة السعودية والإمارات فى هذه الدول، وهذه هى المحددات الأصلية لقطر فى كثير من العلاقات.
وهناك تواجد إغاثى فى بعض المناطق التى توجد بها تنظيمات إرهابية كغطاء لوجودها هناك، فقطر تجيد التلاعب إعلاميًّا بشكل كبير، وتستغل نفوذ قناة الجزيرة الإنجليزية وانتشارها فى الدول الإفريقية، وتستغلها لمصالحها عن طريق تقديم خدمة إعلامية لهذه الدول.
وهى متمركزة فى الأساس فى القرن الإفريقى وفى إقليم الساحل، وهناك تأكيدات على تعاملاتها المباشرة مع حركات فى الصومال، مثل حركة شباب المجاهدين، وكذلك لها علاقات فى التمرد شمال مالى.
■ ماذا عن دولتى إيران وتركيا؟
- تركيا لها قاعدة عسكرية كبيرة فى الصومال، وتتولى مسئولية تدريب قوات الحكومة الصومالية فى مقديشيو، وأمريكا ترى أن التواجد التركى فى الصومال مهم، وتركيا تلعب على الأنشطة الخيرية والثقافية والاقتصادية فى كثير من دول القارة الإفريقية، وهذا يعطيها صورة إيجابية، وكثير من الأفارقة ينظر إلى تركيا كدولة مهمة وحاضرة فى إفريقيا.
كذلك إيران لها وجود قوى فى إفريقيا رغم تراجعها فى الفترة الأخيرة، مثل دعمها بعض الجماعات الشيعية فى الدول الإفريقية، وهذه الأمور تدخلها فى مشاكل مع الحكومات فدعمها ونشرها المذهب الشيعى يجعلها تظهر بصورة غير جيدة.
■ ما الأجندة الأكثر تأثيرًا فى إفريقيا؟
- تركيا وقطر يؤثران بإفريقيا بقدر متساوٍ، وهما الطرفان المتصارعان فى الشرق الأوسط، وتوجد أيضًا السعودية والإمارات من ناحية أخرى.
■ هل نحتاج دورًا أكبر فى إفريقيا فى السنوات المقبلة؟
- بالتأكيد، يجب أن يكون دورنا فى إفريقيا أكثر إيجابية ويركز على العائد علينا وليس على الكم، وهذا سيجعلنا أكثر انتقائية من حيث الدول التى نرتبط بها، وكذلك من حيث الملفات التى تشغلنا والتعاون هل هو سياسى أم اقتصادى أم اجتماعى أم عسكرى، فالانتقاء هذا يحتم علينا الحضور فى بعض المناطق التى تدعم محاربة الإرهاب، مثلًا فى إقليم الساحل الإفريقى، لأن تشاد تكاد تكون دولة جوار بالنسبة لمصر مع عدم وجود حدود مشتركة، لكنها دولة قريبة من السودان وليبيا، وهى تعانى مثل كل دول الساحل من نشاط إرهابى وحركات تمرد، فبالنسبة للعلاقات المصرية التشادية أرى أن الملف المهم للغاية هو الملف الأمنى.
وهناك دول أخرى يجب أن نعمل معها على الجانب الاقتصادى والشراكات الاقتصادية مثل كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا، أى الدول التى على مستوانا فى الحجم الاقتصادى، لكن هذا ليس معناه أن تلغى العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى التى تتمثل فى صورة منح أو مساعدات، ولكن هذا ما يجب أن نركز عليه، مبدأ الانتقائية.
فيجب أن تكون السياسة فعالة ومفيدة، فدول مثل تركيا وإسرائيل وقطر لا تعمل فى عموم القارة، لكنها تنتقى نقاطًا معينة تكون مفيدة حيث تستثمر بها كثيرًا، ويكون العائد عليها واضحًا وسريعًا.
ماذا حققت رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى حتى الآن؟
- أداء مصر فى منتهى النشاط، ومفيد لجميع الأطراف، ولم يكن هناك تركيز على القضايا الضيقة التى تخص المصلحة المصرية المباشرة، وإنما تعاهدات تتعلق بدعم عمليات تحقيق السلم والأمن فى القارة، وقدمنا فى ذلك الكثير، وكذلك أمور تتعلق بالتكامل الاقتصادى، وكانت هناك نتائج تخص إفريقيا منها قمة دول العشرين فى اليابان، وكذلك القمة الأخيرة «روسيا إفريقيا» فى سوتشى، وهناك إنجاز هائل يتعلق بالمنطقة الإفريقية، وهى نقلة كبيرة فى التكامل الاقتصادى الإفريقى فى المنطقة، وتعد تأكيدًا لمقولة «ما أفسدته السياسة من الحروب الأهلية والنزاعات يمكن أن يصلحه التكامل الاقتصادى فى الكثير من الأقاليم الإفريقية».