رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طبيب أحمد زكى: فقد بصره 15 يومًا.. وكان يتمنى تجسيد «بن لادن»

جريدة الدستور

لم يكن الدكتور ياسر عبدالقادر، أستاذ علاج الأورام بكلية طب قصر العيني، مجرد طبيب معالج للفنان أحمد زكى، ولكنه كان أكثر المقربين إليه، وكان يعلم عنه وعن تفاصيل حياته ما لم يعلمه أحد سواه، وكيف لا يكون ذلك وقد رافقه في أصعب سنوات حياته وأشدها قسوة.

يتذكر الدكتور ياسر آخر عيد ميلاد لـ«زكى» والذي احتفل به في إحدى المراكب النيلية التي كان يفضلها بحي الزمالك، ورغم أنه هو من جهز كل التفاصيل الخاصة بالاحتفال ليفاجئ صديقه بها، إلا أن الفنان رفض أن يدفع أحد جنيها واحدا وقبل أن يدخل ترك كارت الائتمان الخاص به في الحسابات ليدفع كل تكاليف الاحتفال مقدما.

مواقف عدة لا يمكن حصرها تؤكد جميعها «فرط» كرمه الذي لم يكن يضاهيه أحد، ومنها على سبيل المثال، حينما ركب مع سائق تاكسي فظل الأخير ينظر إليه، ثم قال له أنت تشبه الفنان أحمد زكى كثيرا فضحك وقال له بل أنا، وفى نهاية الرحلة أمام فندق هيلتون رمسيس رفض السائق أخذ الأجرة ولكن الفنان أعطاه 100 جنيه كاملة وهى خمسة أضعاف حقه وأعطاه رقم هاتفه وظلا على تواصل فترة طويلة.

وأوضح «ياسر» أن هذا السخاء الشديد ربما كان سببا في عدم امتلاك «زكى» ثروة كبيرة ولا أي ممتلكات، وما لا يعرفه أحد أنه توفى وهو لا يملك سيارة وكانت كل أملاكه عبارة عن سيارة متهالكة تحتاج إلى مبلغ ضخم لتصليحها، لأنه لم يكن يعمل من أجل المال بل لأنه يحب الفن ويخلص له.

يتذكر الدكتور ياسر يوم أن كانا معا في باريس وتصادف وجود الفريق الأول لكرة القدم بدولة الإمارات في نفس الفندق، ومن كثرة إقبال الإماراتيين عليه وشدة حبهم له لم يستطع الخروج بشكل دائم من الفندق.

وأضاف «ياسر»: زكي كان شديد التواضع ولم تغيره الشهرة ولم يكن يعلم قدر نفسه حتى أنه سألني حينها وهو متعجب «هي الناس بتحبني أوى كده؟!».

وعن محنة مرضه الأخيرة وكيف كان يتعامل معها، يحكى «ياسر» أنهم في البداية أخفوا عنه خبر إصابته بسرطان الرئة فلم يستطع أحد مواجهته بهذا الخبر، لكن لم يكن هناك مفر من المواجهة، وحاول أن يخبره بطريقة خفيفة متجنبا استخدام كلمة «سرطان» واستبدالها بكلمة خلايا نشطة وبعد ذلك سافر إلى باريس للعلاج بقرار من الرئيس الأسبق حسنى مبارك.

ورغم شراسة المرض وتشخيص حالته في مرحلة متأخرة، فكان لديه يقين تام وثقة في الله بأنه سينتصر عليه، ولم يكن يتخيل أنه سينتهي والدليل تعاقده على عدة أفلام منها «بن لادن والضربة القوية والمشير وأنا».

وتابع: كان يقرأ سيناريوهات طوال فترة مرضه حتى أن عماد أديب قال لي هو هيعيش ويموت وهو في البلاتوه، وهو ما حدث حينما فقد بصره أثناء تصويره أخر مشهد له في فيلم حليم.

وواصل: «زكى» ظل لمدة 15 يوم فاقدا لبصره ولا أحد يعلم إلا أنا وهو فقط، ذلك بسبب تشعب الورم حتى وصل للعصب البصري ما أدى لتأثر نظره، ثم تفاقم بعدها بشكل كبير حتى وصل للغشاء البلوري بالكبد وهو ما كان سبب الوفاة.

ورغم ذلك كان الفنان يعافر ويجاهد حتى يبدو بشكل طبيعى ولم يجعل أحدًا يلاحظ ذلك، لذلك أمتنع عن استقبال أى زيارات فى هذه الفترة إلا فى أضيق الحدود، وكان يستخدم إمكانياته فى التمثيل ليبدو طبيعيا أمام من يزوره.

ولعل من أهم الأسماء وأبرزها التى سمح لهم بزيارته خلال هذه الفترة الدكتور أسامة الباز الذي تشكك فى إصابته بفقدان البصر، ولأنه يتسم أيضا بالتواضع الشديد سمح - رغم ظروفه الصحية الصعبة - لطفلة كانت ترغب فى الاطمئنان عليه قادمة من الصعيد ومعها والديها بزيارته وكذلك شاب جاء إلى المستشفى ليتبرع له برئته.

وأضاف: أحمد زكى كان ممثلا عبقريا يجرى التمثيل فى عروقه، حتى أنه تخيل قبل وفاته مشهد لقاءه بملك الموت ومثله أمامي وتخيّل نص الحوار بينه وبين عزرائيل حيث طلب منه أن يمهله وقت ليجهز ترتيبات العزاء ثم يعود له ثانية ليقبض روحه.

كما تذكر طبيب «زكى» حينما سأله كيف تقمص شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رغم اختلاف البنية الجسدية، فشرح له أنه وقف على 4 مفاصل ثم تحرك ببطء ثم فرد ظهره وعاد مرة أخرى ببطء أيضا ليعطى إيحاءً بأنه طويل.

لم ينس الطبيب والصديق أى موقف حدث بينهما ولم يتركه ولم يتخلى عنه حتى توفى الفنان يوم الأحد الموافق 27 مارس فى السابعة صباحا فى الرعاية المركزة لمستشفى دار الفؤاد.