رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة المياه "13".. منفذو محطة الإسماعيلية الجديدة: تنتج 70 ألف متر يوميًا

جريدة الدستور

لا يمكن وصف بناء محطة ترشيح المياه فى مدينة الإسماعيلية الجديدة بأقل من «الملحمة الوطنية». فتلك المحطة العملاقة التى تنتج ٧٠ ألف متر مكعب من المياه يوميًا كمرحلة أولى تزيد إلى ١٤٠ ألف متر بعد ذلك، تعد بمثابة شريان حياة للمدينة الحديثة التى تستعد لاستقبال نحو مليون مواطن من حاجزى الوحدات السكنية فى المدينة. وأسهم فى إنشاء المشروع، الذى يتبع أعلى معايير التشغيل وتنقية المياه، وتمت إقامته على مساحة ١٠ أفدنة، نحو ١٠٠٠ عامل ومهندس، ممن قدموا من الإسماعيلية، والعديد من محافظات الجمهورية للمشاركة فى تشييد هذا المشروع القومى العملاق. فى السطور التالية، يكشف عدد من المهندسين والعاملين منفذى المشروع، لـ«الدستور»، عن الكثير من كواليس وأجواء العمل فى بناء المحطة، والجوانب الإنسانية والمهنية التى عاشوها خلال عمليات البناء والتشغيل.


عمرو إبراهيم: تخدم نحو مليون نسمة.. وأسافر إلى الموقع بشكل يومى

تحديات كبيرة تغلب عليها المهندس عمرو إبراهيم، مدير المشروع، من بينها اضطراره إلى السفر يوميًا من محافظته إلى موقع البناء فى الإسماعيلية الجديدة، وكذلك المبيت داخل الموقع، فى بعض الأيام، لمتابعة العمل بشكل مستمر.
وقال «إبراهيم»، وهو فى العقد الخامس من عمره: «كنت مغتربًا مثل معظم العاملين الذين يأتون من محافظات بعيدة بشكل شبه يومى، لذلك لجأ القائمون على المشروع لتجهيز سكن لنا فى القرى المحيطة بموقع العمل، ورغم ذلك فضل البعض، وأنا من بينهم، أن نسافر ونعود يوميًا من وإلى محافظاتنا». وعن أهمية المحطة ودورها الكبير، قال «إبراهيم»: «المحطة لها دور كبير فى توفير كميات كبيرة من المياه التى كانت تهدر فى السابق خلال تغذية المنطقة، وهى تأخذ المياه من ترعة بورسعيد شرق القناة، وتعمل على إجراء تنقية كيميائية لها لتصبح صالحة للشرب». وتابع: «المحطة تخدم نحو مليون نسمة من حاجزى الوحدات السكنية بالإسماعيلية الجديدة، والدولة وضعت مخططًا لتوسيع المحطة لمضاعفة طاقتها مستقبلًا، بهدف احتواء الزيادة السكانية».

صفطى غريب: أتأكد من مؤشرات الجودة كل ساعتين.. ومهمتى خطيرة

مهمة صفطى غريب، مدير التشغيل، لا تقل خطورة عن مهام زملائه، إذ كان مسئولًا عن ضمان مطابقة آليات التشغيل بما هو موجود فى التصميمات والرسومات المعتمدة، إلى جانب التأكد من سلامة سير عملية تنقية المياه.
وأوضح «غريب» طبيعة هذه المهمة، قائلًا: «بدأت عملى عقب تسليم المحطة وتدوير الماكينات، وتضمن التأكد من مطابقة عمل المحطة مع الرسومات المعتمدة والمتفق عليها، بجانب تطهير البيارات والتأكد من خلو المواسير من الشوائب والعوالق واجتياز اختبارات الجودة من وزارة الصحة». وأضاف: «كنت أتأكد من مؤشرات الجودة والمياه كل ساعتين، وأجهز العينات التى ستفحصها وزارة الصحة»، واصفًا تلك المهمة بأنها «شديدة الخطورة».
وكشف عن تزويد المحطة بمولد كهربائى يتم تشغيله بصورة أتوماتيكية عند انقطاع الكهرباء، كى لا تنقطع المياه بأى شكل وتؤثر على المدينة وسكانها.
وأشار إلى جوانب إنسانية شهدها خلال عمله، قائلًا: «رفضت الحصول على إجازة لزيارة أهلى فى بنى سويف حرصًا على مصلحة المشروع، ولم أكن أستطيع التواصل معهم هاتفيًا سوى فى أوقات معينة بسبب ضعف تغطية شبكات المحمول فى المنطقة».

حسام سعد: أنجزنا إنشاءات قوية

الخبرة التى حصل عليها حسام سعد على مدار ٣٥ عامًا أهلته لتولى مهمة إنشاء مبانى محطة الترشيح بالإسماعيلية الجديدة، التى وصفها بأنها تجربة مهنية مختلفة، ونجح خلالها، هو وزملاؤه، فى «إنجاز إنشاءات تستطيع الصمود لمدة تزيد على ٤ عقود دون أى ترميم». وكشف «سعد» عن ملامح من هذه التجربة، قائلًا: «كنت أحضر إلى المحطة ٣ مرات أسبوعيًا، لأعالج المشكلات التى تواجه المنفذين بشكل مباشر وفورى»، مشيرًا إلى أن كبر سنه لم يمنعه من أداء مهمته على أكمل وجه.
وأشاد بالدور الكبير لأهالى المنطقة المحيطة فى أعمال الإنشاءات، موضحًا أن أهالى القرى المجاورة للموقع كانوا يتعاونون مع منفذى المحطة، ويساعدونهم فى حمل المواد الخام والماكينات دون أى مقابل مادى، لحرصهم على إنجاز المشروع بما يوفره من مياه نقية صالحة للشرب لهم.

مصطفى دياب: منعت الإجازات سنة كاملة لإنهاء منظومة التنقية

قصة المهندس مصطفى دياب، المتخصص فى تصميم ماكينات معالجة وتنقية المياه، مليئة بالتضحيات والجوانب الإنسانية، ومن بين تلك التضحيات امتناعه عن الحصول على إجازات لمدة عام كامل، ليتمكن رفقة زملائه من إنهاء منظومة التنقية فى المحطة، خاصة أنها احتاجت إلى تصميمات مختلفة عن التى تم اعتمادها فى بناء المحطات الأخرى، نظرًا لخصوصية موقعها وصغر المساحة المخصصة لها.
وأوضح «دياب»: «استحدثت آلية جديدة لتنقية المياه فى المحطة، تختلف عن الوسائل المستخدمة فى باقى المحطات، وتعتمد على فكرة الترويب البطىء والمزج السريع، مع إنشاء خزان يسمى النابض، ينتج أعلى كمية مياه بأقل نسبة من الرواسب».
وأشار إلى تخصيص وحدة معالجة لرفع المياه «العكرة» من مواسير موصلة بترعة بورسعيد، ثم استقبالها داخل «بيارة»، وفيها يتم مزج المياه بمادة «الشبّة» التى تجذب الشوائب الصلبة وتطردها.
وعن عدم حصوله على إجازات لمدة عام كامل، قال «دياب»: «لإتمام العمل كنت مطالبًا بعدم الحصول على إجازات لمدة عام، والحمد لله أنا غير متزوج أو مضطر للعودة لمنزلى فى القاهرة، ما سهل علىّ ذلك كثيرًا».
واختتم: «بدأت العمل فى مجال إنشاء محطات المياه منذ ١٥ عامًا، ورغم هذه الخبرة الطويلة أعتبر محطة الإسماعيلية تحديًا كبيرًا فى مشوارى المهنى، وأرى أننى استفدت كثيرًا من المشروع».


حمادة مجاور: «شربت أول كوباية»

فرحة كبيرة عاشها حمادة مجاور، ٣٠ عامًا، مسئول التشغيل والصيانة، وهو يشرب أول كوب ماء من المحطة بعد انتهاء أعمال البناء والتشغيل بشكل كامل.
عن هذه التجربة، قال «مجاور»: «تلك المحطة هى الأهم والأكبر فى سجلى المهنى، وبعد مرور ٣ أشهر فقط على عملى بها عشت لحظة تساوى ميلاد ابنتى، وهى خروج أول كوب مياه صالح للشرب، وحرصت على أن أكون أول من يشرب منها». وأضاف «مجاور»: «شعرت بنفس شعور الفنان فؤاد المهندس فى فيلم (عائلة زيزى)، حينما قال (المكنة طلّعت قماش)، وكنت سعيدًا للغاية». وأشار إلى رفضه الإجازات لمدة تجاوزت ٦ أشهر، لم ير خلالها ابنته حرصًا على العمل، لأنه يضيع فى الإجازة يومًا كاملًا تستغرقه الرحلة إلى بنى سويف، ومع ذلك فأسرته تشجعه وتفخر به لمشاركته فى هذا المشروع الكبير.


أحمد عبدالهادى: وحدات تحكم إلكترونية لاكتشاف الأخطاء

أحمد عبدالهادى، أحد أكثر عمال التركيبات انضباطًا فى مواعيد عمله، رغم أنه يستغرق من أجل الانتقال من سكنه فى محافظة الدقهلية إلى موقع المحطة بالإسماعيلية الجديدة نحو ٧ ساعات.
ويتواصل عمل «عبدالهادى» أحيانًا على مدار ٢٤ ساعة، ويحرص على الوجود وسط العمال بصفة دائمة، للتأكد من التزامهم بالنسب المقررة لمواد التعقيم، وذلك منذ ٣ سنوات كاملة، حتى إن ظروف عمله منعته من الحضور بجانب والدته فى مرضها وأثناء خضوعها لعملية جراحية دقيقة.
وأوضح طبيعة عمله، قائلًا: «أُشرف على إنشاء وحدة تحكم عن بُعد ملحقة بالمحطة، حتى يتمكن العاملون عليها من مراقبة المؤشرات الخاصة بالتنقية، وملاحظة أى أعطال ومعالجتها بسرعة كى لا يتوقف العمل، لتوفر بذلك العنصر البشرى، وتضمن الدقة فى العمل وتقليل معدلات الخطأ».

محمد عادل: استحدثت آلية تمنع حدوث الانقطاعات نهائيًا

غيّر عمل محمد عادل فى المحطة مسار حياته تمامًا، وجعله يركن إلى الاستقرار والسكن فى مدينة الإسماعيلية، وترك بلدته، بعد أن تولى مهمة الصيانة الميكانيكية بعد تشغيل المحطة، وكان يصعب عليه السفر والعودة يوميًا، خاصة أن مهمته هى مواجهة أى أعطال.
وقال «عادل»: «بمجرد تسلم عملى ركّبت مرشحات رملية تزيد من كفاءة العمل، توازى فلاتر التعقيم، كى لا تواجه المدينة أو قراها أى انقطاع فى المياه، حتى وإن انسدت أحد مغذيات المياه المركزية». وأشار إلى أنه منذ توليه المسئولية لم يحصل على إجازة من عمله الذى يبدأ فى الثامنة صباحًا وينتهى فى الثانية فجرًا، لذا قرر الاستقرار فى الإسماعيلية، والعودة إلى «حياة العزّاب»، لكنه ورغم ذلك «سعيد باكتساب خبرات كل يوم».

أشرف كميل: أفحص عينات الإنتاج كأننى طبيب

أشرف كميل، ٣٥ عامًا، مسئول الجودة، كان الأكثر احترافية وتخصصًا فى التعامل مع المواد الكيميائية المسئولة عن التنقية، وتمثلت مهمته فى سحب عينات المياه، والتأكد من سلامتها الكيميائية والبكتيرولوجية كل ساعتين.
وأوضح «كميل»: «أتولى مهمة مراقبة تدفق المياه على مدار الساعة للتأكد من جودتها، عبر سحب عينات وتحليلها، فإذا كانت العينة غير سليمة يتم إيقاف الماكينة فورًا وإرسال عينات متتابعة إلى وزارة الصحة لضمان السلامة وإعادة ضخ المياه مرة أخرى»، مشبهًا عمله بـ«طبيب فى العناية المركزة يأخذ عينات من مريضة كل ثانية ويراقبها».
وأضاف: «إدارة المشروع تهتم بمعايير السلامة أكثر من التكلفة والوقت، لأن نقطة مياه واحدة سامة بإمكانها أن تقتل مليون مواطن».
وكشف عن اعتماد المحطة على تكنولوجيا حديثة تقلل الهدر من المياه إلى ١٪، بعد أن كان يضيع نحو ١٠٪ فى عمليات التنقية، مشيرًا إلى أن فارق الـ٩٪ يتم إعادة تدويره وتصفيته بأعلى جودة.
وقال إنه كان يفكر أكثر من مرة قبل أن يحصل على إجازة، لأن طريق عودته إلى بيته فى مدينة السادس من أكتوبر يستغرق ٦ ساعات.

محمد عبدالمقصود: ورش للتدريب على طرق التشغيل

محمد عبدالمقصود الذى اكتسب خبرة فى مجال محطات المياه على مدار ٣٠ عامًا، كان له دور مهم فى الإشراف على عمل المحطة، التى «وصلت إلى المعدل العالمى لتنقية المياه وجعلها صالحة للشرب».
وأوضح «عبدالمقصود»: «وصلنا إلى المعيار العالمى، وهو نص ميليجرام معقمات لكل متر مكعب مياه، الذى يحمى المستهلكين من أمراض العظام والهشاشة، كما ضمنا خلو السائل المتدفق من البكتيريا والطحالب والألوان، والتمتع بشفافية كاملة».
وشدد على أهمية المحطة باعتبارها المصدر الوحيد للمياه فى المدينة، وهو ما دفع القائمين عليها إلى إدارتها بالشكل الأمثل وبالمعايير العالمية للتشغيل، لتصل إلى درجة عالية فى معدلات النقاء والشفافية، بما يفوق المتعارف عليه فى باقى المحطات. وشارك ابن محافظة البحيرة فى إنشاء محطات مياه فى عدة دول عربية، منها الإمارات والمملكة العربية السعودية، بجانب محطتى الطور والجلالة فى مصر، لذا عقد ورش عمل فى المحطة لتدريب الفنيين والعمال على طرق التشغيل والخلطات الكيميائية التى تعالج المياه، حتى يتمكنوا من المشاركة فى محطات أخرى، نظرًا للتوسع الكبير فى خريطة إنشاء المحطات على مستوى الجمهورية خلال السنوات الأخيرة. وتابع: «تمت إتاحة كل الوسائل الخاصة بالتدريب، بعد أن تبين وجود أزمة فى توفير العمالة، الأمر الذى كلفنى على المستوى الشخصى الحرمان من أى إجازات لمدة ٥ أشهر، ما اضطر أهلى إلى المجىء من مدينة دمنهور لزيارتى والاطمئنان علىّ».


عبدالله قرطام: لم أحضر زفاف أخى بسبب ضغط العمل

تخصص عبدالله قرطام، فنى التشغيل بالمحطة، فى أعمال تنقية المياه من الشوائب والطحالب، وذلك من خلال استخدام مجموعة من المواد الكيميائية والطبيعية التى تمتزج بالمياه وتعمل على تنقيتها بشكل كامل.
وقال «قرطام» إنه تخصص فى هذا المجال منذ ٩ سنوات، وانتقل إلى العمل فى محطة الإسماعيلية الجديدة، بعد أن شارك فى أعمال محطة دمياط الجديدة، وأشاد القائمون عليها بإنجازه وحرفيته، خاصة فى إضافة النسب الدقيقة من الكلور و«الشبّة» للمياه.
واعتاد ابن مدينة شبين الكوم بالمنوفية، طوال سنوات عمله فى المجال، على الاغتراب عن بلدته، حتى إنه لم يجد الوقت لحضور زفاف شقيقه، بسبب عمله المتواصل فى معظم الأيام ومداومته أحيانًا طوال الـ٢٤ ساعة.
وأضاف أنه فى المقابل يتم تعويضه ماديًا عن هذا المجهود، إذ ينال راتب ٤ أضعاف نظرائه العاملين فى محطات الدلتا، كما أنه يلقى اهتمامًا ورعاية لم يكن يتوقعها من المسئولين، خاصة فى مراعاتهم معايير السلامة والأمان من أول توزيع الأقنعة الواقية حتى أجهزة التنفس التى تحمى الرئتين من استنشاق المواد الكيميائية.


عاطف الديب: وقوفى أمام الرئيس فى الافتتاح الأهم بحياتى

لحظة مصيرية فى حياة عاطف الديب، ٥٣ عامًا، وهو يقف أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال افتتاحه المحطة، بعد أن تولى منصب المدير الإدارى والمنظم لحفل استقبال الرئيس، لذا يصفها بأنها «الأهم فى حياته». وقال «الديب» إن وظيفته كانت توزيع الرواتب على المهندسين والعمال، وأجور عمال اليومية غير المعينين، ومراقبة النشاط ومجازاة المقصرين، حتى لا يتم تعطيل العمل لحظة واحدة، موضحًا أن «كل عامل كان يعلم أهمية دوره وأن عليه إنهاء مهمته فى وقت محدد، وأن المتخاذل سيتم استبداله بغيره». وأشار إلى أنه لم تكن لديه رفاهية الحصول على إجازة، فهو من مدينة ميت غمر بالدقهلية التى تبعد ٧ ساعات عن موقع العمل، فضلًا عن أهمية وجوده فى الموقع بشكل دائم، لاعتماد المهندسين عليه بطريقة أساسية فى الأمور المالية، وكذلك فى التوريدات الخاصة بالخامات.