رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أولياء الله المنسيين.. "الدستور" تزور 8 أضرحة لا يعرفها المصريون

جريدة الدستور


كتب: سالي رطب - سمر محمدين - ميرفت فهمي - محمد عادل البدري - سمر مدحت

للاستماع إلى الملف اضغط هنا

ربما لا يعرف كثير من المصريين، أن هناك ما يقرب من 6 آلاف ضريحًا لأولياء الله، لكن المعروف منهم هم أصحاب المساجد الشهيرة كالحسين والسيدة زينب.

بيد أن هناك أولياء آخرون، ذوي أضرحة ونسل شريف، وحكايات خلف مقاماتهم تفسر لماذا أقيمت لهم تلك المقامات، التي لم يلق الضوء عليها ولا يعرفها أحد، وربما لم يسمعوا عن وجودها في مصر.

"الدستور"، زارت 8 أضرحة لأولياء الله المنسيون، لكل منهم قصة وحكاية جعلته يتبوء تلك المكانة الدينية ويتبارك به المصلين، وكانت المفاجأة أن بعضهم من نسل الرسل.
100 ضريح لـ "آل عنان" أحفاد "الفاروق"

انطلقت رحلتنا إلى الدقهلية، فعقب صلاة الجمعة، بمسجد آل عنان بمدينة أجا، دخلت مجموعة من السيدات، ومعهن أطفال إلى ضريح الشيخ سليمان بن عنان، بجوار المسجد، والتفت حول المقام مرددات أدعية وتركن بعض الملابس الخاصة.

"وردة"، إحدى هؤلاء السيدات من المترددات على ضريح سيدي سليمان، واحدة من اللاتي تركن ملابسهن داخل الضريح، تقول: "المكان مبروك ولما يتعب أي طفل بنجيبه للمقام وندعيله وربنا يستجيب، وبنسيب حاجة من لبسه عشان نتأكد إنه هيفضل كويس".

"بهية"، سيدة تجاورت الـ70 من عمرها، تقول: "طول عمرنا عارفين كرامات أولاد عنان لكن منعرفش هما مين، وفى مولده تيجى ناس من كل البلاد يتباركوا بسيدي سليمان".
وتبين أن سيدى"سليمان"، أحد أبناء العارف بالله يوسف بن عنان أحد أولياء الله الصالحين، من ذرية الفاروق عمر بن الخطاب، ظهر آل عنان في بداية القرن السابع الهجري في مصر، وانتشر أبناء يوسف عنان في قرى الدلتا واستقروا بين الدقهلية والشرقية والتي بها عدد من الأضرحة.

منذ قدوم آل عنان لمصر، حازوا على تقدير أهلها، أُعفيت ذريته في العهد العثماني من الضرائب، وخُصصت لشيخه تشريفه، وحصلوا على منح وعطايا من الولاة ما زالت مسجلة حتى اليوم بوزارة الأوقاف، كما أن هناك أكثر من 100 ضريح بالدلتا لذرية آل عنان، سميت بعض المناطق والقرى في هذه المحافظات بأسمائهم.
سيدي "عز الدين" بالدقهلية

لم تنتهِ رحلتنا في الدقهلية، فقد زرنا مقام سيدي "عز الدين" بقرية منية سمنود الذي كان شاهدًا على حياة أحد أولياء الله الصالحين قبل 14 قرنًا، وله كرامات سجلتها بعض الكتب النادرة.

يرجع نسب عزالدين الروازقي، إلى عبد الرازق المسيري، الذي يمتد نسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن طالب، وعاشت العائلة في بعض قرى الدلتا، بعد أن جاءت إلى مصر من المغرب العربي في الفترة التي هاجر فيها الأشراف إلى مصر.

واستقر "عز الدين" بقرية منية سمنود في أواخر القرن السابع وبداية القرن الثامن الهجري، وكان وقتها الشيخ" منصور الباز" هو المسئول عن حركة الأشراف، وبعد أن علم بنسب "عز الدين" أعطاه ما يُطلق عليه "منابة" في المنطقة التي يعيش بها، وكانت القرية التي يقطن بها وبعض القرى المجاورة ليكون بها مريديه وتلاميذه.

ويعيش نسل "عزالدين" حتى الآن في القرية، ويُقام مولده كل عام في شهر أغسطس.

محمد أحمد، أحد المريدين، قال: "منذ الصغر والمسجد والمقام موجودين في هذه المنطقة، وأشارك دائمًا في المولد الذي يُقام سنويًا، وأحفاد الشيخ عز الدين لهم كرامات يعملها جميع أهل القرية فلا يدخل بيتهم مريض إلا وتماثل الشفاء، ودائمًا ما نذهب بأبنائنا ليقرأوا عليهم القرآن ويخرجوا من بيوتهم معافين".

وعن كرامات الشيخ، يروي: "سمعنا من أجدادنا عن كرامات أحفاد الشيخ عز الدين، والتي يتداولها سكان القرية منذ عشرات السنوات، وفي أحد الأيام جاء بعض أهالي قرية تابعة لمركز شربين بالدقهلية إلى الشيخ إسماعيل عز الدين، بسبب وجود ثعبان كبير يقطع الطريق مساء كل يوم وبالفعل ذهب الشيخ للقرية، وقرأ القرآن ومن وقتها لم يظهر الثعبان مرة ثانية".

في كتاب "بحر الأنساب" المنسوب لـ"سيدي منصور الباز"، سُجلت كرامات سيدى عز الدين في الثلاث نسخ الوحيدة للكتاب التي صدرت في أعوام 665، و1095 و1282 هجريًا.

أولها، أنه كان مع بعض رجاله عائدين إلى قريتهم التي تقع على ضفاف النيل، ولم يجدوا مركبًا ليعبروا به النهر، فطلب منهم عز الدين أن يناموا مكانهم حتى طلوع الشمس، إلا أنهم فوجئوا بعد ذلك بأنهم أصبحوا في بلدتهم.

وتقول رواية أخرى ذكرها الكتاب، إن الشيخ عز الدين كان في إحدى القرى وسمع أن أحد الدراويش يميز في عطاءاته، وعندما جاء وقت الطعام وجده يفرق بين الناس، فنظر إليه فسقط ومن وقتها لم يميز بين العطاءات.

يوجد له 3 مقامات، منها واحدًا عاش وتوفى ويعيش نسله في قرية منية سمنود التابعة للدقهلية، و3 مقامات في قرى أخرى بمحافظة المنوفية.

وقال فايز الشيخ، أحد مريدي الشيخ، إنه كان يتنبأ بارتفاع الأسعار، وفي أحد الأيام زار قرية أراد أصحابها أن يتأكدوا من كراماته، فوضعوا له طعام نجس، ولكن الشيخ عرفه ولم يأكل منه،والقى به للكلاب التي رفضت أيضًا أن تأكله.
"الحورية"فى بنى سويف

انتقلنا من الدقهلية إلى بني سويف، لزيارة مسجد ومقام السيدة حورية، أشهر مساجد المحافظة، وسُمي بذلك نسبة إلى زينب الحسينية، أحدى أولياء الله الصالحين التى لقبت بـ حورية لجمالها، التى توفيت عذراء، ولم يتجاوز عمرها 17 عامًا.

المريدون يكنون حبًا جمًا لها، فمحمد كمال، رجل ثلاثيني، هو أحد زوار المقام، يقول: السيدة حورية هي الحب كله بعد السيدة زينب، نلقبها بـ السيدة زينب الصغرى، فهي من نسب سيدنا الحسين رضي الله عنهما، هم دائمًا معي وأشعر ببركاتهم في حياتي، لا يوجد أمر عسير مررت به إلا وكانوا بجواري يساعدونني وينقذوني.
يرجع نسب السيدة حورية، من جهة الأب، إلى أبي عبد الله شرف الدين بن الإمام الحسين بن علي كرم الله وجهه، أما نسبها من جهة الأم، فأمها ابنة كسرى ملك الفرس، ورافقت الجيش الإسلامي لمصر، في موكب عظيم من آل البيت والتابعين، واستقرت بمحافظة المنيا، وأثناء عودتها إلى المدينة المنورة استقرت السيدة حورية في بني سويف؛ بسبب إصابتها بحمى شديدة.

ويضيف: مولد السيدة حورية يُقام في منتصف شهر شعبان، وفي ليلتها نُردد الأغاني الدينية والتواشيح والابتهالات، معلقًا: "البلد كلها تبقى زحمة في هذه الليلة بالتحديد، أهالي البلد يتجمعوا، وناس من محافظات أخرى تتسابق لحضور الليلة".
ويروي الشيخ كمال عن بركاتها، قائلًا: منذ شهرين ذهبت كي استخرج تصريح لحضور ليلة جدي الشيخ عبدالباسط، وقدمت الطلب في المشيخة الرفاعية بالقاهرة، ولكن الشيخ طلب مني أن استخرج التصريح من وكيل المشيخة بأسيوط، فأخبرته أن وكيل المشيخة متعنت معي في استخراج التصريح، وأتمنى منك أن تنفذ لي طلبي، وبالفعل الشيخ وعدني بمحاولة إنجاز الطلب.

وبنظرة يملؤها الدهشة، قال: "سيبت المشيخة وروحت للسيدة، وقريت الفواتح على آل البيت، وبقيت ادعي يا سيدة حورية انقذيني، يا سيدة حورية أغيثيني ولبي لي طلبي"، حتى آتى لي مجذوب بالإشارة وأعطاني مياه وقال لي "اشرب بل ريقك أنت عطشان، ومنصور بإذن الله، مدد يا حورية الحسين"، وحينها علمت أنهم قد وافقوا على طلبي، وفي ليلة عيد الأضحى رأيت رؤية في المنام بأنه استجاب".
في حضرة "جلال السيوطي"

اتجهنا جنوبا لمحافظة أسيوط، بمنطقة القيسارية، وهناك رأينا مئذنة خضراء كبيرة، وأعداد من الناس تجول بالمكان، تبركًا بضريح سيدي "جلال السيوطي"، الذي بُني في 766 هجرية، ويتميز بالتناسق بين ضخامة البناء وجلال الهندسة، وتنوع الزخارف المكتوبة بآيات قرآنية، وداخل المسجد مقام الشيخ العارف جلال الدين السيوطي.

تقابلنا مع علاء أحمد، أحد مريدي المقام، فقال: "أحرص دائمًا على قضاء شهر رمضان في مقام سيدي جلال الدين السيوطي، الروحانيات والأجواء الإيمانية تملأ المسجد، نذكر الله ونقرأ قرآن، ومع آذان المغرب، تبدأ الناس توزع الإفطار، كله من عند ربنا".

ويضيف: "المسجد يكون مزدحما، الإقبال يتضاعف، ورغم هذا تشعر بسلام نفسي وراحة تملأ قلبك وعقلك، لا مكان للصراعات الدنيوية، صوفية ومجاذيب وناس على باب الله، يتضرعون لربنا ويطلبون منه، لأننا مؤمنين بأن أمرنا ومصيرنا بيد الله وحده".

الشيخ جلال الدين الأسيوطي، ولد في غرة شهر رجب سنة 849 هـ، في عام 1445م، بالقاهرة، وحفظ القرآن، دون الثامنة، كما تميز بقدرته على حفظ الكتب، منها منهاج الفقه والأصول، ومن مؤلفاته: "مختصر الأحياء، الإتقان فى علم القرآن، وشرح الصدور بشرح حال الموتى".
"عبدالواحد".. من مقام مهجور لمسجد يعج بالمرتادين

أولياء الله المنسيون لم يكونوا في المحافظات فقط، لكن بالقاهرة أيضًا، في وكالة البلح بمنطقة بولاق أبو العلا، الحي الذي اشتهر باحتضانه لكثير من مقامات أولياء الله الصالحين، يقبع مقام سيدي "عبد الواحد".

لا يعرفه الكثيرون، ولا يسمع عن سيرته أحد، ويقول "حسنين العدوي" خادمه،: تحول إلى مسجد منذ 5 سنوات فقط، قائلًا: "كان مقامًا مهجورًا قبل قرار الأوقاف بتحويل المقام إلى مسجد، وكان مقره يعد مرتعًا لكثير من الموبقات التي يمارسها البعض لكونه مكانًا مهجورًا".

ويؤكد أنه كان يمر من أمامه متمنيًا الخدمه به ورعايته إلى أن استجاب الله دعاؤه بعد قرار الأوقاف تحويله إلى مسجدًا، يحوي المقام الشريف ليأتي إليه أعداد لا بأس بها من المريدين.

وعن نسب "سيدي عبد الواحد" يقول الحاج حسنين: "يُقال أنه من نسب علي بن زيد العابدين"، موضحًا أن المقام تميز بوجود صحن واسع تتوسطه نافورة ماء قديما، وكان يمكث على بابه أحد رجال السقاية الصالحين الذين كانوا يبيعون الماء واشتهر ماؤهم ببركته في شفاء المرضى.

ومن بين كرامات سيدي عبد الواحد التي قصّها أحد المريدين، قائلًا: "زوجة أحد الرجال ظلت تعاني من عدم الإنجاب سنوات طويلة، وأوصى لها الأطباء بإجراء عملية تتكلف مبلغًا كبيرًا من المال حتى تتوافر فرصته، ووقتها لم يكن يتوافر مع الزوجين تكاليف إجراء هذه العملية".

وتابع: "فوجئت الزوجة برؤية الشيخ الشعراوي ينصحها بالذهاب إلى مقام سيدي عبد الواحد ودعاء الله به، لتنفذ على الفور وصية إمام الدعاة، وتأتى لها البشرى بعدها بأشهر قليلة بحملها، ويشاء الله أن تنجب فتاة وتسميها عائشة".
"العتريس" بجوار السيدة زينب

لا يوجد في منطقة السيدة زينب، أشهر من مسجدها ومقامها والتي سميت المنطقة على اسمها نسبة إلى الحوراء زينب بنت علي بن أبي طالب، بيد أن هناك مقام آخر لأحد الأولياء المنسيون، هو سيدي "العتريس"، الذي يتبارك به المرتادين في الزواج ويطلقون عليه "سيدي عتريس هاتلي عريس"، فهو داخل زجاج قوي تملأوه صور الفتيات والشباب الذين يظنون أن له كرامات في جلب شريك العمر.

المقام منسوب بحسب أحد عمال المسجد، إلى العارف بالله "محمد بن أبي المجد القرشي المعروف بـ"العتريس"، أحد خدام مسجد السيدة زينب، الذي أفنى عمره إلى جوارها.

يرجع نسب "العتريس" إلى الإمام الحسين علي بن أبي طالب، ورغم أنه توفى دون أن يتزوج، إلا أن النساء تعتقدن أن له كرامات في الزواج، فتقول إحداهن: "نرمي صور أبنائنا جواره ونطلب من الله أن يرزقهن الزواج والذرية الصالحة".

وتضيف: "لا أعرف أحد نجح في ذلك ورزق بعريس بالفعل، لكننا لدينا اعتقاد راسخ بأن له كرامات، نلقي الصور وبضعة أموال من أجل تحقيق المراد الذي نسعى إليه".
"أبو سلمان".. سافر من أجل الدعوة وبُنى له مقاما في المنيا

المنيا، كانت مقصدًا للمريدين أيضًا، الذين وقفوا على باب ضريح الشيخ "أبو سلمان" أحد الأولياء المنسيين، الذي ولد في القرن الثامن عشر، بقرية العذيب بمركز سمالوط.

اشتهر الشيخ منذ صغره، بالزهد في الحياة والاتزام الديني، كان حسن الخلق، ويسافر إلى الخارج للدعوة، وانتقل أبو سلمان إلى قرية البيهو، وظل ماكث فيها حتى وفاته.
يذكر أن الشيخ أبو سلمان، تزوج من إحدى فتيات قريته، وأنجب منها أولاد، منهم "الفولي"، الذي أُقيم له مقام في مسجد بمحافظة المنيا بجوار مديرية الأمن، وهو مزار للصوفيين.

يروي شقيقه: في إحدى الليالي علم أن أجله قد اقترب، فأوصى صاحبه الشيخ "محمد حماد" بأن يدفعه في أرض بالقرب من قرية البيهو، وقام بتحديد المكان له بالعصا، وعندما توفى طاف به سكان القرية وأقاموا له مقام في تلك البقعة.
من كرامات الشيخ أبو سلمان، التي يرويها أحد المريدين، أنه في إحدى الليالي، قام اثنين من الشباب العاطلين من القرية، بالذهاب إلى المقام وسرقة طلمبة مياه بجواره، إلا أن إيديهم ظلت متعلقة بها حتى الصباح، إلى أن جاء أهالي القرية ليدفنوا طفل توفى وشاهدوا الواقعة وقاموا بالتوسل إلى الشيخ لمسامحتهم فعفا عنهم.