رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"حي الأمريكان"..عندما يهزم نور الإنسانية ظلام الإرهاب

جريدة الدستور

تعتبر رواية الكاتب جبور الدويهى "حى الأمريكان" الصادرة عن دار الساقى، ثالث أبرز إصداراته بعد روايتَى مطر حزيران وشريد المنازل.

الرواية تتناول قضية راهنة سياسية واجتماعية وهى الإرهاب الذى يضرب العالم فى السنوات الأخيرة، وينتشر بشكل رهيب ومخيف يقتل ويخرب ويفجر فى كل الأنحاء من العالم دون استثناء.

هى عمل يتناول الراهن السياسى والاجتماعى والثقافى فى لبنان، انطلاقًا من "إسماعيل محسن" الإرهابي الذى جرى تجنيده عبر جمعية الهداية الإسلامية فى مدينة طرابلس شمال لبنان، وينتبه قبل لحظة من إقدامه على تفجير نفسه إلى وجود طفل صغير يشبه أخاه من بين ركّاب الحافلة، فبدل أن يضغط على الحزام الناسف الملتفّ حول جسده، يضع إبهامه على أنفه ويحرِّك أصابعه بحركة اعتاد أن يُضحك بها أخاه، وبين الحركتَين: محاولة تفجير الحزام وتحريك الأصابع بطريقة مضحكة ليمنح ذاك الطفل ابتسامة رائقة، تقع حياة إسماعيل محسن الذى يقطن مع والده بلال وأمه انتصار فى حَىّ الأمريكان الفقير فى طرابلس، ومن خلالها رصد فيها جبور الدويهى بيئة الجهاديين وشرح الظروف التى تسهم فى تجنيدهم من فقر وتهميش وأحوال معيشية قاتلة ومدمرة للإنسان وللحياة.

وعندما يرافق إسماعيل محسن "أبا عبد الله الصومالى" الذى بدأ رحلة التهريب من موريتانيا وصولًا إلى ليبيا، ومنها بحرًا إلى ميناء اللاذقية، ثم إلى لبنان، وعودة إلى سوريا ملتحقًا بصهريج التهريب يستدعى المتلقى رحلة "رجال فى الشمس" للفلسطينى غسان كنفانى، ولكن مع اختلاف الهدف، فرجال "غسان" لجؤوا إلى الهروب عبر صهريج المياه فى محاولة للخروج إلى الحياة، بينما رجال "الدويهى" خرجوا فى رحلة مرعبة من لبنان، لينضموا إلى قاعدة بلاد الرافدين، وحيث كادت الساعات الطويلة التى بدت وكأنها لن تنتهى أن تقضى عليهم محبوسين فى صهريج التهريب، وفى مصادفة تجمع مشاريع موت، كل منهم جاء لهدف واحد هو الموت.

وفى مقابل إسماعيل محسن ابن الحى الفقير المهمش، نجد "عبد الكريم عزام" سليل الأسرة النافذة التى تداعت أيضًا، ولم يبقَ من ماضيها إلا بيت وأثاث يفترشه الغبار وابن عائد من فرنسا حاملًا قصة حب عاثرة يعيش ذكراها بعزلة ووحدة: "تتداعى الأمكنة ويتداعى الأشخاص ولا يبقى سوى حكايا غابرة وألبومات صور".بهذه الرمزية الواقعية يظهر الكاتب تردّى حالة المدينة من دون الوقوع فى السوداوية، رغم أن إسماعيل بطل الرواية الشاب الفتى الذى أوقعته الظروف فى وهم الجهاديين والتوجه إلى العراق ليفجر نفسه فى أهداف يجهلها ويجهل الهدف منها، إلا أنه عاد مستسلمًا ومحبًّا لإنسانيته هاربًا من شهادته المزعومة، كما والدته انتصار التى تخدم فى بيت آل عزام وارثة خدمتهم عن أهلها، وبعد أن فرض عليها ابنها إسماعيل اللباس الشرعى بمفهومه الجهادى عادت إلى بنطالها الضيق بعد علمها بأن ابنها لم يمت.