رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مصاص الدماء".. القصة الكاملة لـ"الذباب الرزل" المنتشر فى مصر

جريدة الدستور

"مصاص الدماء" مصطلح قد لا تسمع عنه سوى في أفلام الرعب الأجنبية، أنياب تنقض على جسد الهدف تمتص دماءه حتى آخر قطرة فيها، ثم يعلن عن وفاته أو التحوّل إلى مصاص دماء آخر لتنتشر تلك الآفة بين عدد من الأشخاص.

ولكن السطور السابقة لم تعد فقط مقتصرة على الأفلام السينمائية، بل انتقلت إلى أرض ممثلة في فصيلة من الحشرات تتبع رتبة "ذوات الجناحين" من طائفة الحشرات، التي تهاجم البشر والماشية، وذلك بسبب العضّات المؤلمة لإناث معظم الأنواع منها والأمراض والطفيليات التي تنقلها بعض الأنواع، تلك الحشرة أُطلق عليها "الذباب الرزل"، غير أن اسمها العلمي هو ذباب "الخيل".

البداية كانت في محافظة الإسكندرية، منذ انتهاء النوّة الأخيرة التي ضربت أرجاء المدينة وارتفاع منسوب المياه في الشوارع، ليطوف في كامل أرجاء المحافظة الساحلية منتقلًا على مدار الأيام التالية لعدد كبير من المحافظات والمدن الأخرى.

لكن الأمر انتقل إلى عدد من المحافظات المصرية، وما كشف هذا الأمر هو شكاوى عدد من المواطنين في أكثر من محافظة، مؤكدين أنه لا يتأثر بأي نوع من المبيدات، كذلك لا يمكن التخلص منه بسهولة، فهو نوع جديد يجتاح مصر للمرة الأولى.

وفي السطور القادمة، تحدثنا مع عدد من المتضررين الذين واجهوا تلك الأسراب من الذباب، وأيضًا مع عدد من المتخصصين لوضع "روشتة" حلول لمحاولة مواجهة هذا النوع الجديد.

"نحتاج إلى مضادات فعالة لقتل الذباب تجنبًا لانتقال الأمراض بيننا"، بهذه الكلمات بدأت نهال محمد، فتاة عشرينية، تقطن بشادر السمك بالعبور، أن الذباب ينتشر بشكل مخيف لأسباب غير معروفة، ويحوم حول الرءوس ويقتحم المنازل ومحال الطعام، مضيفة أنهم لاحظوا انتشار هذه الظاهرة منذ 5 أيام، ولم يكن هناك أي رد فعل من الجهات المعنية للقضاء على تلك المعضلة.

تتابع "محمد" معنا يحوم حولها عدد من الذباب، تقول محاولة إطاحته بيديها: انتشار الذباب بهذه الكميات غير الطبيعية يمثل خطرًا كبيرًا على حياة المواطنين، لأن بإمكانه نقل العدوى والأمراض المختلفة، كما سيؤثر على حركة العمل بالمنطقة.

وأكملت أن والدتها حاولت بطرق عدة مختلفة التخلص من الذباب، وذلك من خلال الرش بالمبيدات، وتهوية المنزل وإظلامه مع إغلاق كل النوافذ، ولكن باءت جميع تلك المحاولات في نهاية المطاف بالفشل، لكنه لم يغادر المنزل مُحدثًا ضجيجًا كبيرًا بكل ركن من أركان المنزل.

وانتقلت للحديث عن عملها في شادر السمك، فتقول إنها عانت من قلة البيع، بسبب تراكم الذباب على الأسماك التي تبيعها، فالزبائن باتت تخشى الشراء منها، خوفًا من انتقال العدوى من هذا الذباب إلى بضاعتها، ما تسبب في خسارة لها.

ومن العبور إلى بنها، كان حديثنا مع سعد مصطفى، أحد قاطني مركز قها، قال إن الذباب موجود في كل مكان ببنها، ويتزايد بصورة مستمرة، ولوحظ ذلك منذ فترة قصيرة، حيث يسبب الذباب مشاكل عدة للمواطنين لأنه مصدر إزعاج وقلق لهم.

تابع "مصطفى"، أن أبناءه في مراحل تعليمية مختلفة، يعانون من تلك المعضلة، فالأجواء غير مهيأة للدراسة واستقبال المعلومات بسبب تلك الحشرات الطائرة، معلقًا: "ده بيلزق في الوش وكمان بيعض"، ولم يترك طريقة للتخلص من هذا الذباب دون فائدة، لافتًا إلى أن سبب انتشارها هو القمامة الملقاة بالشوارع، وتغيرات الطقس المتذبذبة، أيضًا البرك التي تساعد في عملية التكاثر.

الدكتور الحسيني عوض، عضو مجلس نقابة الأطباء البيطريين ورئيس لجنة حقوق الحيوان، أكد أن تلك الأنواع الجديدة من الذباب التي اجتاحت البلاد لها خطورة كبيرة، لقدرتها على التكاثر في كل أنواع البيئات مهما بلغت صعوبتها، أيضًا فهي لا تتأثر بأي نوع من المبيدات الحشرية.

وأكد "عوض"، في تصريحاته، أنه تجب توعية المواطنين باجتياح هذا النوع الجديد القادم من دولة السودان، ووضع عدد من الإرشادات للحفاظ على الصحة العامة.

سعد محروس، حالة ثالثة التقينا بها في مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية، يحدثنا أن الذباب منتشر بصورة مرعبة، وذلك منذ فترة وجيزة قد لا تتعدى 4 أيام، كما يمثل خطرًا كبيرًا على أرواح القرية لما يمكن أن يسببه من انتشار الأوبئة والأمراض.

"محروس" يعمل تاجر خضروات وفاكهة، اضطر لإغلاق محله بسبب تجمعات الذباب غير الطبيعي على البضائع، ما أدى توقف العملية الشرائية وانخفاض نسبة الإقبال على المحل، مضيفًا أن بذل مجهودات مضنية واتباع طرق عدة للتخلص من الذباب، ولكن لم تجدِ تلك الطرق، فلقد أصبح الذباب يمتلك مناعة قوية ضد المبيدات.

الدكتور عمر تمام، أستاذ المحميات الطبيعية، يؤكد أن تلك الأنواع الجديدة من الذباب التي هاجمت مصر نتيجة الرياح الجنوبية القادمة من السودان، مشيرًا إلى أن عضتها ليس لها علاج، إضافة إلى أن ميزانية البحث العلمي قليلة لا تكفي لإجراء عدد من الأبحاث لمواجهة تلك الظواهر الجديدة والاستعداد لها.

"تمّام" أكد، في تصريحاته، أن هناك حلولًا طبيعية قادرة على تخليصنا من ذلك، وهو إعادة التوازن البيئي، فاختفاء أكلات لحوم الحشرات، مثل السحالي والضفادع، أصبح ذريعة لتكاثر تلك الأنواع من الحشرات.