رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبناء الموت.. "الدستور" تبحث في الوفيات المفاجئة لأطباء التخدير

أطباء التخدير
أطباء التخدير

أحد الجنود المجهولين داخل غرفة العمليات، هو طبيب التخدير، والذي يكون مسؤولا عن حياة المريض، ولكن كما أنه مجهولا داخل غرفة العمليات، فإنه كذلك خارجها، إذ أنه يتعرض لضغوطات كبيرة وساعات عمل طويلة، ومقابل مادي متدن مقارنة بالتخصصات الأخرى. يضاف على ذلك، أن "الموت" تسرب إليهم وتعددت حالات الوفيات من بينهم، فهل هناك سبب معين يضع أرواحهم أولا في مواجهة قابض الأرواح، أم أن الأمر طبيعي وليس هناك ما يقال؟ هذا ما تحاول "الدستور" الإجابة عليه من خلال السطور التالية، بالتواصل مع جميع الأطراف المعنية، واستعراض حالات قضت لحظاتها الأخيرة داخل غرفة عمليا تحيي مريض ما.

في أكتوبر الماضي، توفي الدكتور أحمد برج، طبيب التخدير بمستشفى بركة السبع بمحافظة المنوفية، وحينها أعلن الدكتور أحمد سمير، مدير الطوارئ بمديرية الصحة بالمحافظة، أن السبب هو الإصابة بأزمة قلبية وتوقف عضلة القلب.

كان لنا حديث هنا مع عدد من أطباء التخدير، والبداية كانت مع الدكتور ريمون حنا، أخصائي التخدير في إحدى المستشفيات الحكومية، يقول إن هبوط الدورة الدموية الذي يتعرض له أطباء التخدير له علاقة بطبيعة عملهم المرهق، حيث يقفون في غرفة العمليات لساعات طويلة قد تصل لـ ١٢ ساعة في اليوم الواحد.

وكشف "حنا"، في حديثه مع "الدستور"، عن أسباب أخرى لذلك، لافتًا إلى أنه قد يكون نادر الحدوث ولا يمكن التأكد منه إلا بعد تشريح جثة الطبيب المتوفي، وهو أن قليل من أطباء التخدير يدمنون مخدر "المورفين"، والجرعة الزائدة منه تسبب هبوط حاد في الدورة الدموية، مشيرًا إلى أن المستشفيات الحكومية بها عدد قليل من أطباء التخدير وعدد كبير من العمليات، ما يسبب الإرهاق لهم، وفوق ذلك لا يتقاضون أجرًا مناسبًا لمجهوداتهم.

في فبراير 2016، توفي الدكتور محمد حسن هريدي، نائب قسم التخدير بمستشفى كفر الشيخ العام، أثناء قيامه بعملية جراحية، وأعلنت المستشفى أن السبب هو تعرضه لأزمة قلبية.

ويعلق الدكتور عرفات نور الدين، أخصائي تخدير آخر، أن طبيب التخدير يتعرض داخل غرفة العمليات لكم كبير من المجهود الذهني والبدني، فهو مسؤول مسؤولية كاملة عن حياة المريض ومتابعة جميع علاماته الحيوية والتعامل مع أي مخاطر طبية أو جراحية قد يتعرض لها المريض داخل غرفة العمليات، فهو الجندي المجهول داخل غرفة العمليات ولا يظهر مجهوده خارج غرفة العمليات.

ويؤكد "نور الدين"، في حديثه مع "الدستور"، أن طبيب التخدير لا يجد أي اهتمام داخل المنظومة الصحية، كما أن أجوره مقارنة بباقي التخصصات تعتبر لا شيء، مما يجبر طبيب التخدير على العمل في أكثر من مستشفى، مما يورث طبيب التخدير الكثير من الأمراض والاكتئاب الذي قد ينهي حياته.

في إبريل الماضي، أعلنت الجمعية الطبية البريطانية إصابة 27% بمشكلات نفسية من بين 4300 طبيب أُجريت عليهم الدراسة، وفي عام 2018 أعلنت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين في مؤتمرها السنوي، أن أعداد حالات الانتحار بين الأطباء وصلت من 28 إلى 40 حالة من كل 100 ألف بمعدل أعلى مرتين من حالات الانتحار عند عامة الشعب.

فرجاني إبراهيم، أخصائي تخدير، اختلف مع زملائه السابقين، مشيرًا إلى أن هو وزملائه يأخذون استراحة بين العملية الأخرى، لذا لا يمكن أن يكون الإرهاق الجسدي لا يمكن أن يتسبب في وفاة أحدهم إلا لو كانت حالته البدنية ضعيفة للغاية، ولكن ما يحدث هو أنهم يتعرضون لضغط نفسي شديد داخل غرفة العمليات وبعض الأطباء حديثي التخرج لا يتحملون موت المرضى والضغط المفاجئ الذي يشهدونه يوميًا.

واستبعد "إبراهيم"، خلال حديثه مع "الدستور"، أن يكون الموت بسبب استنشاق أي مواد داخل غرفة العمليات، مؤكدًا أن ضغط العمل مع قلة عدد أطباء التخدير هو السبب الأرجح.

وعلى جانب آخر، تحدث الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن أبرز تلك الأسباب هو ضغط العمل مع قلة عدد الأطباء خاصة في المستشفيات الحكومية، لافتًا إلى أن ندرة عدد هؤلاء الأطباء يعود إلى الهجرة أو الاستقالة وتمديد الإجازات المفتوحة.

ولفت "حسن"، في تصريحاته، إلى أن تكليف الطبيب بعمل زائد عن طاقته يصيبه بالإغماء وأحيانًا بالسكتة القلبية ومن ثمّ الوفاة، فهو يعمل كمدة أقصى 48 ساعة، ما يؤثر على تركيز الطبيب الذهني والبدني.

وأكد عضو مجلس نقابة الأطباء، أن آلاف من حالات الوفاة لم تُعلن، مطالبًا وزارة الصحة، بإيجاد حل لهذه الظاهرة، قبل أن نشهد زيادة أكبر في أعداد الوفيات.

في عام 2014، أكدت الجمعية الطبية البريطانية أن التوتر والاكتئاب لدى الأطباء بسبب ضغوط المهنة يجعلهم عرضة للانتحار والإدمان والطلاق بمعدل 30% أكثر من الناس العاديين، وتتزايد لديهم أمراض السمنة والقلب وقرحة المعدة والسرطان؛ نتيجة التوتر اليومي في العمل، والنوبات الليلية، وساعات العمل الطويلة.

في حين، أظهرت دراسة أجراها المجلس الأعلى للجامعات بمصر بالتعاون مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء هذا العام، أن عدد الأطباء القائمين بالعمل في المستشفيات الحكومية بجميع أنواعها حوالي 82 ألف طبيب من أصل 213 ألفًا و835 طبيبًا مسجلين حاصلين على ترخيص مزاولة المهنة لا يشملون أصحاب المعاشات، وأن 62% من الأطباء البشريين المصريين يعملون خارج مصر أو استقالوا أو في إجازات بدون راتب.