رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتبة الإيطالية: جراتسيا ديلدا

جريدة الدستور


تزهر الأرض فى الربيع وتزدهر، وهنا ما لبث المتطيرون أن أكدوا وادعوا عن حق، أن كارثة ستحل على القس الجديد، لأن روح القس القديم ما زالت حية، تهيمن على الكنيسة، بل إن الكثيرين ما زالوا يزعمون أنه لم يمت أصلًا، وأنه يعيش هنا فى مسكن تحت الأرض متصل بالنهر، الحقيقة أنى لم أصدق البتة مثل هذه الأقاويل، كما أنى لم أسمع البتة، هنا، أى صوت غريب، إننا نعيش هنا منذ سبع سنين، أنا وابنى باولو، كما لو أننا نعيش فى دير صغير، كان باولو حتى وقت قصير يعيش كالطفل البرىء يدرس ويصلى ويعمل على ما فيه خير رعيته، فى بعض الأحيان كان يعزف الناى، كان صافى الذهن، رغم أنه لم يكن مرح الطباع، كانت سبع سنين قضيناها فى سلام ووفرة، كأنها السنون التى تحكى عنها التوراة، ولم يكن ابنى باولو يشرب ولا يسكر ولا يذهب للصيد ولا ينظر إلى امرأة، كان ينفق كل النقود التى يدخرها على عمليات ترميم الجسر تحت البلدة، لقد أصبح عمر ابنى باولو الآن ثمانى وعشرين سنة، لكن ها هى اللعنة تحل عليه، لقد أوقعته امرأة فى شباكها، أيها السيد مونسينيور، أيها الأسقف، أبعدنا عن هذا المكان، أنقذ ابنى باولو، وإلا فإنه سيضيع روحه مثلما ضيعها القس القديم، كما يجب إنقاذ المرأة أيضًا، فهى فى نهاية الأمر امرأة وحيدة، معرضة هى الأخرى للفتنة التى تمليها الوحدة فى بيتها، والوحشة فى هذه البلدة التى لا يوجد فيها شخص واحد جدير بمصاحبتها، أيها السيد مونسينيور، أيها الأسقف إن سيادتك تعرف هذه المرأة، فهى التى استضافتك مع كل حاشيتك عندما جئتم فى زيارة رعوية، إنها تملك فى ذلك البيت الواسع كلّ ما تحتاجه وتريده! والمرأة غنية، مستقلة وحيدة، وحيدة بالفعل! لها إخوة وأخت، لكنهم بعيدون عنها، متزوجون ويعيشون فى أمكنة أخرى، وهكذا بقيت وحيدة هنا، وهى التى تشرف على البيت وعلى الثروة، ولا تخرج إلا نادرًا، لم يكن ابنى باولو، حتى وقت قريب، يعرفها، كان أبو المرأة رجلًا مختلفًا، نصفه سيد محترم ونصفه الآخر فلاح مبتذل، صياد وزنديق، يكفى أن يقال إنه كان صديقًا للقس القديم.
ولم يكن من رواد الكنيسة، لكنه استدعى خلال مرضه الأخير ابنى باولو، فعمل ابنى باولو على رعايته حتى لحظة موته، بل ونظم له جنازة لم يجر مثلها فى هذه الأرجاء، ولم يتغيب عن حضورها أحد من سكان هذه القرية، ولا حتى الرضع، الذين ما زالوا فى أحضان أمهاتهم، واظب ابنى باولو بعدها على زيارة هذه المرأة، ابنته، وكانت هى الوحيدة التى بقيت فى البيت، كانت هذه اليتيمة تعيش وحيدة، بصحبة خادمات سيئات، فمن يهديها؟ ومن ينصحها؟ ومن يساعدها إن لم نساعدها نحن؟.
من رواية الأم