رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ إبراهيم حمروش.. المهتم بالقراءة والتحصيل


وُلد إبراهيم حمروش فى الأول من مارس ١٨٨٠م بقرية «الخوالد» التابعة لـ«إيتاى البارود» بمحافظة البحيرة، وكان أبوه رجلًا صالحًا حرص على تربية ابنه وتنشئته نشأة طيبة، فألحقه بالكُتّاب، حيث حفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، ثم التحق بالأزهر واتصل بشيوخه الأفاضل.
درس الفقه الحنفى على يد الشيخ «أحمد أبى خطوة»، وكان موضع ثنائه وإعجابه، ودرس النحو على يد الشيخ «على الصالحى»، ولازم الأستاذ الإمام «محمد عبده» وكان يدرّس لأول مرة فى تاريخ الأزهر كتاب «أسرار البلاغة» و«دلائل الاعجاز»، وهما لـ«عبدالقاهر الجرجانى»، فأحيا بهما دراسة البلاغة فى الأزهر، ولفت أنظار تلاميذه إلى أهمية ما يتضمنه الكتابان من مباحث بلاغية، وقد تأثر التلميذ بالإمام «محمد عبده» فى رحابة صدره وشجاعته فى الحق ومجاهرته بضرورة إصلاح التعليم بالأزهر وتحسين مناهجه وتحديث نظمه. ولما أدرك الطالب النجيب أنه قد حصّل قدرًا من العلوم يؤهله لدخول امتحان العالمية، تقدم لها فى سنة ١٩٠٦م، وكان قانون الأزهر يقضى بأن من أمضى فى الأزهر ١٢ سنة من الدراسة أو أكثر فله الحق فى أن يتقدم لامتحان الشهادة العالمية، ويحق لمن يحصل عليه التدريس بالجامع الأزهر. وكان الامتحان صعبًا لا يجتازه إلا من بذل غاية جهده فى القراءة والبحث ومعرفة دقائق العلم، لأن لجنة الممتحنين تتألف عادة من كبار علماء الأزهر، وكان الامتحان يتم شفاهة ويستغرق ساعات طويلة، وعلى الطالب النابه أن يجيب عن كل ما يتعرض له من أسئلة تتناول أربعة عشر علمًا. وقد اجتاز الشيخ حمروش هذا الامتحان العسير فى ٣ ساعات، ونال استحسان الإمام «عبدالرحمن الشربينى» شيخ الجامع الأزهر الذى كان على رأس الممتحنين. وبعد التخرج اشتغل بالتدريس فى الأزهر، وإلى جانب ذلك كان يقوم بتدريس علم الرياضيات، وكانت له براعة فى فهم العلم وتحصيله، حتى إنه فاز أكثر من مرة، أيام طلبه العلم بالأزهر، بالمكافآت المالية التى كان يرصدها «مصطفى رياض باشا» (١٨٣٤–١٩١١م) رئيس الوزراء لمن يفوز بامتحانات الرياضيات التى كان يعقدها.
ولما افتُتحت مدرسة القضاء الشرعى فى مصر اختير الشيخ حمروش فى ٢٦ سبتمبر ١٩٠٨م للعمل بها، واختص بتدريس الفقه وأصوله، وتخرج على يديه صفوة ممن نبغوا فى القضاء، وتركوا آثارًا علمية قيّمة، منهم الإمام «حسن مأمون» الذى تولى مشيخة الأزهر بعد ذلك، والشيخ «علاّم نصار» والشيخ «حسنين مخلوف»، وقد تولى الاثنان منصب الإفتاء، والشيخ «فرج السنهورى» وكان من أعلام الفقه فى مصر.
وظل الشيخ حمروش قائمًا على التدريس حتى سنة ١٩١٦م حين اختير للعمل قاضيًا بالمحاكم الشرعية، فأدى واجبه على خير وجه، وتحرى الضبط والعدل فيما يأخذه من أحكام. وفى أثناء عمله بالقضاء اتصل بالشيخ «المراغى» الذى عرف له مكانته وفضله، فلما اختير الشيخ المراغى شيخًا للأزهر فى ٢٢ مايو ١٩٢٨ نقل الشيخ حمروش للعمل معه، واستعان به فى النهوض بالأزهر، فعُين شيخًا لمعهد أسيوط الدينى سنة ١٩٢٩م، ثم شيخًا لمعهد الزقازيق فى سنة ١٩٢٩م، ثم عُين شيخًا لكلية اللغة العربية فى سنة ١٩٣١م، فنهض بها وبلغت أوج مجدها فى عهده، فكان يختار لها أكفأ الأساتذة، ولا يقبل طالبًا بها إلا بعد الاختبار والتحقق من استعداده. ثم ترك كلية اللغة العربية سنة ١٩٤٤م إلى كلية الشريعة شيخًا لها. ولم يكن عجيبًا فى ذلك الزمان أن يتنقل الأستاذ فى الأزهر بين الكليات المختلفة للتدريس بها، فحصيلته العلمية تؤهله لتدريس دقائق النحو، كما تؤهله لتدريس أصول الفقه والبلاغة، ولا يجد مشقة فى القيام بذلك، وكأنه قد تخصص لهذا الفرع من العلم دون سواه، ولذلك فلا عجب أن يتولى الشيخ حمروش رئاسة لجنة الفتوى فى الأزهر سنة ١٩٣٢م إلى جانب احتفاظه بمشيخة كلية اللغة العربية، ولم تشغله كل هذه الوظائف العلمية عن القراءة والتحصيل، فنال عضوية جماعة كبار العلماء فى ١٠ يونيو ١٩٣٤م برسالته القيمة «عوامل نمو اللغة»، وهذه الهيئة كان قد أنشأها «سليم البشرى» شيخ الجامع الأزهر، وتتكون من ٣٠ عالمًا من صفوة علماء الأزهر الذين أسهموا فى نشر الثقافة الإسلامية بنصيب وافر، ويُشترط لمن يُختار لعضويتها أن يقدم رسالة علمية دقيقة ينال بها شرف الانتساب إلى أكبر هيئة دينية فى العالم الإسلامى.
وفى العام الذى اختير فيه عضوًا فى جماعة كبار العلماء، اختير أيضًا عضوًا فى مجمع اللغة العربية منذ إنشائه، وكان من الرعيل الأول الذين أرسوا قواعد المجمع اللغوى.
وفى ٢ سبتمبر ١٩٥١م عُين الشيخ إبراهيم حمروش شيخًا للجامع الأزهر، وكان أول عمل قام به هو تمسكه بزيادة الميزانية المخصصة للأزهر، ودعا إلى وحدة الأمة، فى وقت كانت تتعرض فيه البلاد لضغوط من الاستعمار الإنجليزى. وأصدر بيانًا قويًا عندما اعتدت القوات الإنجليزية فى الإسماعيلية على الشرطة المصرية، وحاصرت مقرها، وجاء فى هذا البيان:
«إنى باسم الأزهر وعلمائه لأعلن استنكارى هذا الإجرام الفظيع الذى انتُهكت فيه الأعراض، واستُبيحت فيه الأموال، واعتُدى على حرية الإنسان وحقه المشروع فى أن يطالب بحريته واستقلاله. وليعلم الإنجليز أن هذه الفظائع التى يصبونها على رءوس أبنائنا لن تلين للشعب قناة، ولن ترد على المطالبة بجلائهم من وطننا العزيز».
ولم تلقَ هذه السياسة الحازمة من قِبل الشيخ إبراهيم حمروش قبولًا من الحكومة والإنجليز الذين ضغطوا على الملك «فاروق» فأعفوه من منصبه فى ٩ فبراير ١٩٥٢م.
شغلت المناصب التى تولاها الشيخ حمروش عن التفرغ للتأليف المنتظم، فلم يترك سوى رسالته التى تقدم بها لنيل عضوية كبار العلماء، وبعض الدراسات اللغوية والمقالات فى الصحف والدوريات، كان أهمها بحثه الذى رفض فيه كتابة المُصحف بالرسم الإملائى حتى لا يصبح عُرضة للتبديل والتغيير. وكان مجمع اللغة العربية قد كلفه بدراسة هذا الموضوع، وقد أخذ المجمع بنتائج الشيخ إبراهيم حمروش، ورفض المشروع المُقدم له بكتابة المُصحف بالرسم الإملائى.
وظل الشيخ إبراهيم حمروش يواصل عمله بعد خروجه من شيخة الأزهر، يكتب المقالات للصحف، ويفتح بيته أمام تلاميذه ومحبيه، ويواظب على حضور جلسات مجمع اللغة العربية، حتى وافاه الأجل فى ١٤ نوفمبر ١٩٦٠م عن ثمانين عامًا.