رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاحتباس الحرارى.. خطر يهدد الأمن القومى



أين ذهب الشتاء؟ اقتربنا من منتصف شهر نوفمبر وما زال معظمنا يرتدى ملابس صيفية، أو يتأرجح بين الصيفية والخريفية، وعندما يأتى الشتاء لا يأتى رقيقًا حانيًا كما اعتاد أهالينا استقباله بـ«بيجامة كستور وتلفيحة» على أقصى تقدير، لكننا الآن نعرف المعاطف الثقيلة والجوارب المبطنة بوبر الجمل، وسنضم لقائمة ملابسنا المعطف الواقى للمطر فى ظل شتاء مطير قصير يأتى فى يناير ويرحل مع مارس.
كلنا يلاحظ التغيرات التى تحدث فى المناخ، التى تسميها هيئة الأرصاد الجوية موجة مفاجئة من الأمطار أو ارتفاع درجات الحرارة، أو حتى انخفاضها، والعلماء المحليون يعرفون أن ما يحدث ليس موجة أو شيئًا طارئًا لكنه نموذج ونمط سيتكرر كثيرًا، وأن علينا أن نعيد تعريف سمات المناخ لمصر ولكل مناطق العالم.
وقد انضم لمصطلحاتنا مفهوم الاحتباس الحرارى كواقع لم نعتقد أنه سيداهمنا بهذه السرعة، فازدياد درجة الحرارة فى العالم- بسبب زيادة كمية غاز ثانى أكسيد الكربون، وغاز الميثان، وبعض الغازات الأخرى فى الجو التى تعرف بالغازات الدفيئة- لم يعد يمكن إنكاره أو تجاهله. فدرجة الحرارة اليوم هى تقريبًا ضعف الدرجة قبل ٢٠٠ عام.
ويحذر العلماء من تفاقم الظاهرة والاستخفاف بها، ويحددون عددًا من الظواهر المتوقعة نتيجة الاحتباس الحرارى منها:
- حدوث كوارث زراعية وفقدان بعض المحاصيل.
- احتمالات متزايدة بوقوع أحداث متطرفة فى الطقس.
- زيادة حرائق الغابات.
- ازدياد الفيضانات لأن أجزاءً كبيرة من الجليد ستنصهر وتؤدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر.
- غرق الجزر المنخفضة والمدن الساحلية.
- حدوث موجات جفاف، وتصحر مساحات كبيرة من الأرض.
- زيادة عدد وشدة العواصف والأعاصير.
- انتشار الأمراض المعدية فى العالم.
- انقراض العديد من الكائنات الحية.
- التقلبات الكثيرة فى الجو.
هذه التغيرات لن تكون مقصورة على منطقة دون أخرى فى العالم، بل إنها ستسود العالم كله، وقد بدأ العالم المتقدم فى الانتباه إليها عندما لاحظ أن هناك تغيرًا ما طرأ على المناخ، ومنذ خمسينيات القرن التاسع عشر أكد علماء المناخ أن استخراج وحرق الفحم والغاز والنفط يبعث الغازات الدفيئة التى تشكل غلافًا حول الأرض، وتصاعد التحذير منذ أكثر من خمسين عامًا، بعد أن حذر العلماء رئيس الولايات المتحدة «ليندون جونسون» بشكل رسمى من مخاطر تغير المناخ، أما نحن، هنا فى العالم النامى فلم نننتبه إلى المشكلة إلا مؤخرًا. وفى مصر بالتحديد شهد المناخ استقرارًا على مدار التاريخ، وظللنا لسنوات نردد تعريف المناخ بأنه: «حار جاف صيفًا دفىء ممطر شمالًا»، هذه السمات تغيرت، ولاحظنا زيادة الارتباك فى النظام المناخى، وبدأت تحدث زيادة فى التقلبات المناخية الحادة، وكذلك هطول كميات من الأمطار فى توقيت زمنى محدود، ما قد يتسبب فى حدوث سيول، كما حدث فى مناطق البحر الأحمر وسيناء وشمال الدلتا وجنوب الصعيد، أو موجات حارة طويلة جدًا، وأحيانًا تحدث موجات شديدة الحرارة لمدة يوم أو يومين فى توقيت غير طبيعى، كما حدث فى ٢٢ مايو العام الماضى، عندما وصلت درحة الحرارة فى مصر إلى ٥٠ درجة مئوية، وكانت تلك أعلى درجة حرارة على سطح الأرض فى ذلك اليوم.
هذه الظواهر شعرنا بها وسمعنا عنها من وسائل الإعلام، رغم خطورتها وتأثيرها على مسار الحياة اليومية، حيث تبين، أو تأكد، أن مصر «بلد تغرق فى شبر ميّه» وأن البنية التحتية لدينا غير مجهزة أو مستعدة لمثل هذه التغيرات.
لكن الأصعب والأعمق تأثيرًا، وما لا يتحدث عنه المسئولون صراحة، هو تأثير هذه التغيرات على القطاع الزراعى، ما تسبب فى اختلال ميزان الأمن الغذائى المصرى، فى ظل عدم وجود اهتمام كافٍ بهذه القضية القومية. وفى ظل انخفاض وعى الفلاح المصرى، وتغييب الإعلام، خاصة الوسائل الحديثة، عن مناقشة القضايا الجادة والاكتفاء بدهن الهوا دوكو أو خرم ثقب الأوزون.
وللحديث بقية.