رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يحيى الطاهر عبدالله.. الطوق والإسورة




اتولد قبل أمل دنقل بـ سنتين، واتوفى قبله بـ سنتين، يحيى الطاهر عبدالله، الضلع التالت فى مثلث بـ يجمعه مع أمل والأبنودى. المثلث اللى نزح من قبلى فى الستينيات بأحلام عريضة، ما اتحققش منها حاجة على المستوى الشخصى «ولا حتى الأبنودى» بس عملوا أكتر من المتوقع من حيث المجد الأدبى «بمن فيهم الأبنودى».
يحيى كان من الأقصر، وسمع عن الأبنودى وأمل فـ أواخر الخمسينيات، هم كانوا بدأوا يكتبوا ويتعرفوا فى محيط جنوب الصعيد، فـ استقال من شغله وراح قنا عاش فـ البيت مع الأبنودى، فـ بقوا شلة مش بس مبدعين لكن كمان مثقفين من الطراز الرفيع، وقراء من الدرجة الأولى.
أواخر الخمسينيات كان عنده يدوب عشرين سنة، بس هو كان اتعلم، وخد دبلوم الزراعة «ودى كانت حاجة كبيرة وقتها فـ مصر عمومًا، والصعيد خصوصًا» واتوظف كمان، لكنه ساب كل ده وراح للأدب والثقافة.
١٩٦٢، الأبنودى وأمل سابوا الصعيد، الأبنودى راح مصر، وأمل راح إسكندرية، وسابوا يحيى فـ قنا، بس هو حصلهم بعد كده بـ شوية، وسكن مع الأبنودى فـ بولاق الدكرور، وبدأ يتعرف كـ كاتب قصة قصيرة.
القصص اللى كان بـ يكتبها يحيى كانت فى عالم خاص، «الحدوتة» فيها مش كل حاجة، ومكنش ليها علاقة بـ عالم السياسة، ومفيهاش مباشرة، يمكن علشان كده استدعاؤه مش زى أمل وعبدالرحمن، هو موجود أكتر وسط النخبة، والمهتمين بالأدب والثقافة، مش بالشأن العام والعمل الجماهيرى. يحيى كان موجود دايمًا على المقاهى الأدبية، خصوصًا مقهى «ريش»، اللى كان رمز لـ حاجات كتير إيجابية، وحاجات تانية سلبية، وكلنا عارفين إن نجم مثلًا له شعر فى هجاء ريش واللى بـ يقعدوا عليه، كمان نجيب سرور عمل كده فى بروتوكولات حكماء مقهى ريش.
كان حضور يحيى ناتجًا من قصصه، اللى كان بـ يحفظها غيبًا، ويقولها كأنها شعر، فـ كانت أشبه بـ فكرة الحكواتى، هو كمان كان مشغول بالسير الشعبية، وعنده خطط لاستلهامها فى أعمال.
اللى قدم يحيى على نطاق أوسع كان يوسف إدريس، والجمل فى جرنان المساء، وبعد شوية بقى يحيى واحد من أهم كتاب الحركة الثقافية فى أواخر الستينات وطول فترة السبعينات، وكان صديق مقرب للدكاترة جابر عصفور والعظيم عبدالمحسن طه بدر، وعبدالمنعم تليمة، واتجوز أخت الدكتور تليمة وخلف منها بنتين وولد، والولد اتوفى صغير، والبنتين معروف منهم أسماء يحيى الطاهر، اللى انشغلت برضه بالفن والثقافة.
فى أبريل ١٩٨١، فى طريق الواحات، اتعرض يحيى لـ حادثة أليمة، واتوفى، وكان أول صدمة من المجموعة دى، ولما أمل كتب آخر قصايده «الجنوبى» كتب مقطع منها لأسماء، كان من أشهر وأجمل مقاطع الرثاء
ليت أسماء تعرف أن أباها صعد
لم يمت
هل يموت الذى كان «يحيا»
كأن الحياة أبد
وكأن الشراب نفد
وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
عاش منتصبا
بينما ينحنى القلب يبحث عما فقد
مش بس أمل اللى رثى يحيى، لكن دى كانت الأبرز.
بعد وفاة يحيى، قرر المخرج خيرى بشارة إنه يعمل فيلم عن رواية لـ يحيى، وكان فيلم «الطوق والإسورة»، وشارك الأبنودى فى كتابة السيناريو مع خيرى، والفيلم بقى واحد من الكلاسيكيات بالنسبة للمثقفين، مع إنه، وكما هو متوقع، ما انتشرش على المستوى الجماهيرى، لأن الفيلم كان، زى معظم شغل يحيى، مش مشغول بـ فكرة الأعلى مبيعًا، والأكثر إيرادات والبيست سيلر.